منتدى الثلاثاء يستحضر علاقة الفن والأدب بالتربية الجمالية

3٬910

في ليلة ازدحمت بحضور ثقافي وفني وأدبي وإعلامي مميز ، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي أمسيته الحادية عشرة لموسمه الثقافي الرابع عشر، بإستضافة الكاتبة تركية العمري والفنانة التشكيلية شعاع الدوسري في ندوة تحت عنوان “التربية الجمالية بين الأدب والفن” وذلك مساء الثلاثاء 21 صفر 1435هـ الموافق 24 ديسمبر 2013م.

في مطلع الندوة، تحدث مديرها الفنان التشكيلي الأستاذ عبد العظيم شلي في كلمته عن الجمال وأهميته في الحياة وإرتباطه بالذائقة الفنية لدى الإنسان ، إذ أنه يعمق الصلة بهذا العالم المتنوع وبمكوناته المختلفة ، ومشيرا إلى أن الإنسان قد يموت بخروج روحه أو بفقده حس الجمال في الكون ، ومؤكدا على الأهمية البالغة لتنمية الذائقة الجمالية لدى أفراد المجتمع بشكل عام . بعد ذلك، عرف مدير الندوة بالضيفتين المشاركتين ، فالأستاذة تركية العمري كاتبة ومترجمة أدبية أسست أول ملتقى ثقافي نسائي بمنطقة عسير ، ومقهى مدى الثقافي بالخبر عام 2012م ، وتعد أول محررة لصفحة أدب مترجم بجريدة الجزيرة السعودية والمجلة الثقافية ، ولها العديد من الاصدارات القصصية والشعرية ، كما ألقت العديد من المحاضرات الثقافية في المؤسسات الاجتماعية والخيرية عن التنمية الثقافية المجتمعية في المنطقة وخارجها .

أما الفنانة شعاع الدوسري فتعتبر واحدة من الرعيل الفني الأول في المنطقة ، شاركت في العديد من المعارض الفنية وفي تحكيم أعمال فنية وتنظيم المعارض، ولها العديد من العضويات في كل من جمعية الثقافة والفنون والجمعية السعودية للفنون التشكيلية ومجموعة ملهمات سعوديات، بالإضافة الى أنها شغلت وظيفة مشرفة تربوية في التعليم ومشرفة للجنة الفنون التشكيلية بجمعية الثقافة والفنون لمدة 3 سنوات وأعدت بعض الحقائب التربوية الفنية ، كما رسمت لوحات الكتاب المدرسي لمادة القراءة للصف الثاني الابتدائي وشاركت في تصميم أحد كتيبات شركة أرامكو .

افتتحت الندوة الأستاذة تركية العمري بتأكيدها على التلازم بين التربية الجمالية وضرورة وجود فنانيين يحترمون الذائقة الفنية ، وتطرقت الى أن أول من عرف علم الجمال هو الفيلسوف الكسندرغوتلب بوغامارتن في اخر كتبه “تأملات فلسفية” إذ قام بالتفريق بين علم الجمال وبقية المعارف الإنسانية واطلق عليه لفظ “الاستاطيقا” . وذكرت بأن علم الجمال يعرف لدى البعض على أنه مجموعة دراسات حسية أو قيم عاطفية ، كما أنه يعد فرعا من فروع الفلسفة . وأضافت بأن الإنسان بطبعه محب للجمال ويمارسه بصورة معتادة ، وأن التربية الجمالية تثير مكامن الابداع وحب الحياة ، وأنها تؤدي إلى الإحساس بالترتيب والذوق الرفيع والمصداقية وإتقان العمل حيث ينتج عن كل ذلك إلى سلوك أخلاقي راق وعمل جاد ومتواصل .

وفي حديثها عن علاقة التربية الجمالية بالأدب ، استعرضت العمري إيقاعات شعرية لغازي القصيبي وفوزية أبو خالد وعمر أبو ريشة ومقاطع من رواية كونديرا ، ومن جماليات قصائد محمود درويش (أنا عربي)، حيث أشارت إلى أن الأدب ينمي الذائقة الجمالية ليحولها لفكر متزن معتدل ومؤثر ، بينما يعمل المنتج الفني على تشجيع التأمل في جمال الكون ومعرفة حقيقته . وتناولت إقتباسات للفيلسوف الألماني فيشر يذكر فيها بأن الفن يزرع في النفس جمالية التنمية ، مضيفة أن الأدب يساهم في إيقاظ القيم الجميلة .

وأكدت العمري أن الأجيال السابقة في مجتمعاتنا كانت أكثر حظوة في ممارسة الادب وإستشعار قيمه الجمالية من الجيل الحالي الذي لا يرى في الأدب إلا موضوعا عابرا ، كما أوضحت أن التربية الجمالية تساهم في تنمية الفضيلة الأخلاقية وذلك يجعل منها مسئولية لتتحول مع الزمن إلى ممارسة. وذكرت بأن التعبير وجمالياته أمر غير معتاد في مجتمعاتنا ضمن الأطر السلوكية التي تمعن في تغييب طقوس الفرح وذلك يؤثر سلبا على نفوس الأفراد ، مشيرة إلى أن الجهود في إشاعة وممارسة التربية الجمالية لا زالت فردية ولا تحمل طابعها المؤسساتي المطلوب ، لذلك لا وجود لتحول حقيقي في المجتمع حول هذا الموضوع .

من جانب آخر، عرضت الأستاذة شعاع الدوسري مجموعة من الصور لمشاهد عابرة في الحياة ، مشيرةً إلى أن بعض هذه الصور قد تثير إهتمام من يمتلك القدرة على تذوق الجمال ، في الوقت الذي قد لا تثير إهتمام الآخرين رغم أن الجمال موجود في كل مكان في الطبيعة ، وذلك يعني أن الذائقة الجمالية والإحساس بالجمال قابل للتطور والتنمية لدى الإنسان . وأوضحت الدوسري أن الأبعاد الجمالية موجودة بصور مختلفة منها ما يعمله الإنسان كالفنون والملابس والبناء ومنها ما هو موجود في الطبيعة كالآثار والأمواج والجبال والصحراء، مؤكدة على أن من أهم مهارات التفكير لدى الانسان هي مهارة الملاحظة وبها يمكن تربيته جماليا وتنمية ذائقته من خلال تقوية الخيال الذي هو مصدر الإبداع والإلهام . وذكرت الفنانة الدوسري بأن الجمال هو وحدة العلاقات المتناسقة بين مكونات الاشياء التي تدركها حواسنا ، وأن الجمال في الطبيعة لا يظهر إلا كإنعكاس للجمال الذهني حينما نتامل الأشياء.

وتناولت تعريف الجمال لدى عالم النفس الأمريكي جون ديوي على أنه فعل الإدراك والتذوق للعلم الفني ، ومع ذلك فالجمال يبقى نسبياً وذو معايير مختلفة بإختلاف الأفراد ، ويكاد يكون حصر هذه المعايير مستحيلا لدى الجميع ، مستشهدة بمقولة أفلاطون الذي أشار إلى أن الجمال لا يقع ضمن حدود معينة .

وأكدت الدوسري على أن الحكم على الجماليات يختلف حسب منشأ الإنسان وسيكولوجيته ، فالمثاليون يرون الجمال في المثل العليا كالأخلاقيات ، والماديون يحكمون على الجمال في الطبيعة ، والذاتيون في النفس الإنسانية. وذكرت بأنه لإدراك القيمة الجمالية للأشياء لا بد من معرفتها وفهم لغتها، و أن الذوق معدي بمعنى أن الذائقة الجمالية تنتقل من الوسط إلى الإنسان حين يعيش في بيئة جمالية ، وذلك يؤدي إلى رفع مستوى الذائقة الجمالية لديه ، ولذلك فالمدرسة والمجتمع والأوساط الثقافية تلعب دورا مهما في تنمية الذائقة الجمالية . وتعريجا على سرعة تغير الزمن الحديث ، بينت الأستاذة شعاع الدوسري أن علم الجمال الحديث أنتج علم الجمال الصناعي وأدى ظهوره إلى جماليات المصنوعات الذي بدأ في ألمانيا وانتقل إلى امريكا ، وهو علم مهتم بتطوير تصميم كل ما يتعلق بجمالية المكان ، حيث أنشأت معاهد فنية للتدريب عليه.

وفي ختام حديثها أكدت الفنانة شعاع الدوسري أن الإهتمام بالتربية الجمالية وتنمية الذائقة الجمالية لا يتم إلا من خلال تدريب النشأ على الإنتباه للجوانب الجمالية والإحساس بها ، وأن دور المدرسة في هذا الأمر بالغ الأهمية إذ أن عليها تفعيل الأنشطة الفنية . وأوضحت أن دروس ومناهج التربية الفنية كانت أفضل سابقا مما هي عليه الآن ، حيث أنها لا تعمل على تربية الطلبة جماليا لوجود العديد من الأخطاء فيها ، مؤكدة على الدور المهم الذي يلعبه الإعلام أيضا . وقد استعرضت عدة تجارب خاضها فنانون عالميون أثناء الصغر وكيف أثر ذلك على نمو ذائقتهم الجمالية ، أمثال رامبراندت ودافنشي ومايكل انجلو وبيكاسو .

بدأت المداخلات بالشاعر حسن السبع حيث تحدث عن نسبية الجمال والتي تنسحب على القيم والثقافة وأن ذلك ليس مرتبطا بفترة زمنية بعينها ، فالمجتمع لا يتذوق الفن في مرحلة ما لعدم وجود تربية فنية لدى عامة الناس ، ولمنه يكتشف ذلك لا حقا فتتحول اللوحات الفنية إلى مصدر للثروة وذات قيمة عالية . أما الشاعر ناصر العقيل فذكر أن الجمال يحمل فلسفة خاصة وهو يرى بأنه يبزغ من ذات المرأة التي تعطي للجمال قيمته ، وأن أساسه هو في كينونة الانسان ، كما أشار إلى دور الشعراء في نقل الأسلوب الجمالي للقراء .

وتساءل رئيس لجنة المنتدى الأستاذ زكي البحارنة عن طريقة وضع مناهج التربية الفنية في المدارس ومدى قدرتها على تنمية الذائقة الفنية لدى الطلبة ، فيما طرحت الأستاذة أسماء الهاشم تساؤلا عن كيفية تربية الإنسان لنفسه تربية جمالية في مراحل لاحقة في حياته ، وخاصة إذا لم حصل عليها في مراحل حياته الأولى . أما الأستاذ علي الشيخ فقد إستنكر ربط الأدب والفن بالجمال واصفا ذلك بأنه تجن عليهما ، فكليهما أوسع من ذلك بكثير حيث أن الفن تعبير بصري أوسمعي يؤثر على المشاعر . وأكد الفنان التشكيلي زمان جاسم أن تغييب التربية الجمالية عن مناهج التعليم له دور كبير في خلق القبح ، مشيرا إلى أهمية تعليم الموسيقى ودوره في تهذيب النفس ، وذكر الاعلامي محمد المرزوق بأن المرأة هي أكثر اهتماما بالتربية الجمالية ، وأشار لوجود حالة تكريس لتحريم الفن والرسم مما ينتج عنه تناقض واضح في قراءة مختلف الفنون وتذوقها . وأكد الأستاذ محمد اليامي على أن التربية الجمالية محرك تنموي مهم ولكن هناك انعدام للجهود المؤسسية .

واختتمت المداخلات بتعقيب الأستاذة زهراء الناصر التي أضافت بأن الجمال له إرتباط بالاخلاق ، وأن التذوق الجمالي حاجة ضرورية للمجتمع تسهم في خلق أجواء مناسبة للتعايش والإنسجام . وقد شكر راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضرتين والحضور من فنانين وأدباء ومثقفين مؤكدا على إهتمام المنتدى بهذا البعد الإنساني المهم وموضحا بأن التربية الجمالية قد تساهم في تعميق روح المحبة لدى الأفراد وبالتالي التخفيف من النزعات العدائية وخاصة في الوسط الشبابي . جدير بالذكر، أن الفنانة التشكيلية شعاع الدوسري قد أقامت معرضا لأعمالها الفنية خلال الندوة.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد