أقام منتدى الثلاثاء الثقافي أمسيته الاسبوعية للموسم الثقافي السادس مساء يوم الثلاثاء 6 ريبع الأول 1427هـ الموافق 4 أبريل 2006م تحت عنوان (نحو تطوير العمل التطوعي) والتي ألقاها الشيخ عبد الله اليوسف. وقد أدار الندوة الاستاذ ذاكر آل حبيل عضو اللجنة المنظمة للمنتدى الذي عرف المحاضر بأنه من مواليد منطقة القطيف، وتعلم القرآن الكريم في الكتاتيب، ثم التحق بالمدارس النظامية حتى تخرج من معهد الإدارة العامة بالدمام، وتوجه إلى إيران لدراسة العلوم الدينية حيث كان متفوقاً في دراسته وقام بتدريس بعض العلوم الحوزوية. وأصدر العديد من المؤلفات الناجحة منها شرعية الاختلاف، وثقافتنا في عصر العولمة، والمرأة في زمن متغير بالاضافة إلى الكثير من الدراسات والمقالات المنشورة في الصحافة المحلية ومجلات الدراسات.
بدأ الشيخ اليوسف بعد ذلك محاضرته بمدخل حول دور العمل التطوعي في المجتمع فذكر إن حيوية أي مجتمع أو ركوده منوط بمستوى الثقافة السائدة لديه ، فإذا كان المجتمع تسوده ثقافة منتجة ومتحركة وواعية فإنه يكون مجتمعاً حيوياً أما إذا كانت الثقافة السائدة فيه هي ثقافة سلبية ومتخلفة فانه سيصاب بالركود وانعدام الفاعلية. وأشار إلى أن العمل التطوعي ممارسة إنسانية عرفتها المجتمعات الإنسانية منذ القدم، لأنه ينطلق من إنسانية الإنســان، وهذا الشعور الإنساني هو الدافع الرئيس في أي عمل تطوعي، فالتطوع هو ما ينبع من ذات الإنسان وباختياره من دون أي إلزام عليه.
وأكد المحاضر على أن العمل التطوعي يحظى بمكانة عالية من الاهتمام في الثقافة الاسلامية إذ نجد الكثير من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة التي تحث علـى كفالة الأيتام، ومساعدة المحتاجين والمعوزين والفقراء، ومد يد المساعدة للعاجزين والمعوقين، إلى آخر ما هنالك من مجالات متعددة ومتنوعة للعمل الخيري والتطوعي، منبهاً إلى أن ثقافة العمل التطوعي في الإسلام تجعل من عمل الخير مصداقاً من مصاديق العبادة، كما تجعل من الساعي في قـضاء حاجات إخوانه المؤمنين كالمتشحط بدمه في سبيل الله تعالى.
ثم ذكر الشيخ اليوسف بعد ذلك أسباب تدني الـتفاعل مع مجالات العمل التطوعي ومؤسساته ولجانه في المجتمع ومن أبرزها: غياب ثقافة التطوع لدى الكثير من الناس ، وعدم إدراك المضامين النبيلة لأهداف الأعمال التطوعية، واهتمام الأفراد بالقضايا الخاصة ، وعدم إعطاء أية أهمية لقضايا المجتمع والمصلحة العامة له، واختلاف الأولويات حيث يتجلى ذلك في التركيز على قضــايا ثانوية للعمل التطوعي وإهمال جوانب مهمة تحتاج إلى المزيد من الرعاية والاهتمام، وتقليدية بعض قيادات العمل التطوعي وعدم قدرتها على إنتاج خطاب ثقافي تطوعي قادر على التجديد والفاعلية ومتجاوباً مع متغيرات العصر.
واشار إلى سبل تجاوز ذلك، من خلال تفعيل ثقافة التطوع على المستويين النظري التأصيلي والعملي التطبيقي في البنية الاجتماعية، وهذا يتطلب صياغة خطاب ثقافة التطوع بأسلوب جديد قادر على التأثير في الأجــيال المعاصرة، وترتيب الأولويات في العمل التطوعي بما يناسب كل مجتمع وأمة، وعدم الاكتفاء بالأعمال التقليدية كدعم الفقـــراء والمحتاجين وإن كان هذا من صلب الأعمال التطوعية إلا إنه توجد الآن أيضــــاً قضايا مهمة ورئيسة كدعم المتفوقين دراسياً، والمساهمة في تشغيل العــــــاطلين عن العمل، ودعم الإنتاج الفكري والثقافي، واستقطاب عناصر جديدة للأعمال التطوعية لبعث روح جديدة فـيها.
وذكر الشيخ اليوسف ما وصلت إليه المؤسسات التي تعمل في مجالات الخدمة الاجتماعية والإنسانية في بلاد الغرب وبين حال المؤسسات الخيرية في مناطقنا قائلاً إن في أمريكا وحدها يوجد(32.000) مؤسسة خيرية بلغت ممتلكاتها عام 1989م أكثر من ( 138) مليار دولار ، كما يشارك في العمل التطوعي حوالي ( 93) مليون أمريكي يشكلون نسبة 30% من مجمل الأمريكيين، ينفقون سنوياً (20) بليون ساعة في العمل التطوعي لصالح الأطفال والفقراء والتعليم وقضايا أخرى. وكانت عائلة ((روكفلر)) قد تبرعت قبل نصف قرن بالأرض التي أنشأ عليها مبنى منظمة الأمم المتحدة، موضحاً أن لسيادة هذه الروح التطوعية الجماعية أثر كبير في تقدم المجتمع الأمريكي.
كما ذكر المحاضر بعد ذلك أبعاد العمل التطوعي والتي اتسعت لتشمل الكثير من المجالات التي لم تكن محل اهتمام في الماضي نظراً لتطور مفهوم العمل التطوعي، واتساع الأهداف والغايات منه، وتزايد الحاجات الجديدة التي تولدت مع تطور الحياة في مختلف أبعادها، وفي تعاليم الإسلام وتوصياته هناك تركيز على اتساع مفهوم الصدقة كأحد روافد العمل التطوعي، فالصدقة ليست فقط إعطاء الفقير ومساعدة المحتاج؛ بل إن النبي (ص) يعتبر إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وإرشاد الجاهل صدقة، وعيادة المريض صدقة، مشيراً إلى أن أفضل الصدقة التعليم، فقد ورد عنه (ص): ( أفضل الصدقة أن يعلم المرء علماً ثم يعلمه أخاه) وأشار المحاضر إلى عملية توسيع مجالات العمل التطوعي وميادينه كي يغطي الحاجات الجديدة للمجتمع، ويُسهم في التنمية الشاملة، ويساعد على حل المشاكل والأزمات والكوارث.
ومن أبرز هذه المجالات التطوعية الإرشاد الديني، والتعليم المجاني الذي يساهم في نشر العلم في المجتمع والارتقاء بمستوى الطلاب إلى الدرجات العليا وبناء المدارس والجامعات ومعاهد للتعليم المجاني من قبل القطاع الخاص، وتشييد مؤسسات المجتمع الأهلي. وكذلك القيام بالتكافل الاجتماعي، لأنه يقضي على الفقر والجهل والمرض؛ فمساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين وتلبية مستلزماتهم الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومنكح يعد من الحاجات الأساسية التي يجب أن تكون من أولويات العمل التطوعي.
ويعتبر التطوع في الميدان الصحي من الأعمال الهامة في تنمية الوعي الصحي، والحفاظ على حياة الإنسان، والمساهمة في إشاعة قيم التعاون الصحي بين الناس، وكذلك الحفاظ على البيئة من التلوث. كما أن الدفاع عن حقوق الإنسان المعنوية والمادية من وجوه العمل التطوعي حيث أن تعاليم الإسلام تحث بوضوح على وجوب احترام الإنسان، وحماية حقوقه من التعدي والتجاوز والإهدار، وحرمة مصادرة أي حق من حقوقه المشروعة، ويمكن للمتطوعين في مجال حقوق الإنسان المساهمة في نشر الوعي الحقوقي بين الناس، وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، وتأليف المصنفات في مجال حقوق الإنسان، والدفاع عن أية انتهاكات تقع من أي جهة ضد الإنسان وحقوقه المشروعة.
وتحدث الشيخ عبدالله اليوسف في نهاية محاضرته حول ضرورة بث روح الجماعة في الأعمال التطوعية وعدم حصرها بأشخاص معنيين منبهاً إلى أن تغيير الادارات وأعضائها في اللجان والمؤسسات التطوعية يجعلها أكثر فاعلية وانتاجية وذلك من خلال اعطاء الجيل الصاعد فرصته ودمجها مع خبرات من كان قبله ما يجعل الادارة تعيش واقع وهموم المجتمع وتساهم في بث روح التطوير فيه عن طريق إيجاد روافد اضافية للجان والمؤسسات التطوعية.
انتقلت الأمسية بعد ذلك إلى المداخلات وطرح الأسئلة والتي تمحورت حول ثقافة العمل التطوعي وسبل تفعيلها، وما وصلت إليه الجمعيات الخيرية من آليات مستحدثة ومن جعل الفقراء منتجين وليسوا مستهلكين عن طريق إيجاد المناخ المناسب للرقي بمستواهم الذهني والجسماني ليعيلوا أنفسهم وأسرهم من خلال اتاحة فرص العمل والدراسة لهم ما يجعلهم يحصلون على وظائف ذات دخل جيد.
المحاضرة الكاملة: