تحدث مدير جامعة الأمير محمد بن فهد بالمنطقة الشرقية في السعودية سعادة الدكتور عيسى بن حسن الأنصاري في ندوة بمنتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 19 صفر 1434هـ الموافق 1 يناير 2013م حول “التعليم العالي في الوطن العربي في سياق الاتجاهات الحديثة”.
وأدار الندوة التي شارك فيها مجموعة من الباحثين والأكاديميين الأستاذ فاضل النمر الذي تحدث عن دور التعليم العالي في توجهات المجتمع، وتأثير الجامعات كمصادر للمعرفة للمجتمعات، وبناء اقتصادياتها وخلق القدرات الفكرية فيها، مشيراً لبروز أنماط جديدة من سبل التعليم العالي كي تتوافق مع ثورة المعلوماتية والاستجابة لحاجات المجتمع وبناء صيغ جديدة من النظم التعليمية. وعرف المحاضر بأنه أنهى دراساته العليا في أمريكا وبريطانيا وعمل عميداً للكلية التقنية بالدمام، ومشرفاً عاماً لبرنامج الأمير محمد بن فهد لتطوير الشباب، وعضواً في مجلس إدارة شركة “تعليم” للخدمات التعليمية، كما عمل مديراً للجنة الاستشارات الاجتماعية والتعليمية بالمنطقة الشرقية، وألف مجموعة من الكتب في التعليم والعمل وتدريب الشباب والموظفين، وله عدة مقالات وبحوث في مجالات التعليم والعمل وتدريب الشباب والموظفين.
وقبل بدء المحاضر كلمته، ألقى عضو اللجنة المنظمة بالمنتدى الأستاذ زكي البحارنة كلمة ترحيبية بالضيف والحضور مشيراً لاهتمام المنتدى بتناول قضايا التعليم في مختلف مواسمه وتخصيص عدة ندوات لذلك. وبدأ المحاضر بعدها بالحديث حول واقع التعليم العالي في الوطن العربي، والاتجاهات الحديثة في التعليم العالي، والفجوة القائمة بين الواقع والاتجاهات الحديثة، وسبل تطوير التعليم العالي.
ففي المحور الأول، تناول الدكتور عيسى الأنصاري توصيفاً لواقع التعليم العالي في الوطن العربي ملخصاً غيابها في غياب شبه كامل للرؤى الاستراتيجية بشكل عام، وسوء البيئة التعليمية في الجامعات، وغياب قدرات الوظيفة في عصر العولمة، وقلة توظيف أدوات التقنية في عمليات التعليم والتعلم، وضعف كفاءة أعضاء هيئة التدريس، وغياب البيئات المتعددة الثقافات في الجامعات حيث تسود الثقافة الأحادية ولا يوجد بها تهيأ لتبادل المعرفة.
وبين المحاضر أن الجامعات في الوطن العربي تفتقد إلى الممارسات العالمية الحديثة في عمليات التعليم والتعلم، وينقصها العلاقة التكاملية بين المناهج الدراسية والأنشطة اللاصفية، كما أن أساليب إيصال المعلومات لا تزال تقدم بصورة تقليدية. وأوضح أنه لا توجد علاقة تكاملية بين المرافق الجامعية والمناهج أو الفلسفة التعليمية، وتغيب عن معظم الجامعات العربية البيئات الاجتماعية المناسبة، أو خدمات توظيفية بعد التخرج حيث تنقطع علاقتهم مع الطلبة بعد تخرجهم. وحول محور الاتجاهات الحديثة في التعليم العالي، بين الدكتور الأنصاري أن من بينها وجود رؤى استراتيجية وصورة واضحة لما تريد الجامعة تحقيقه كالتدريس أو البحث العلمي أو خدمة المجتمع، فالجامعات الحديثة لديها خطط استراتيجية تبنى عليها برامج تشغيلية مما يتيح لها تراكم الخبرات بغض النظر عن التغيير في أجهزتها الإدارية.
كما أن من بين الاتجاهات الحديثة وجود أنظمة واضحة للتقويم والتطوير، وتوفير أسلوب تصميم للمناهج القائمة بحيث يكون الطالب هو محور العملية التعليمية وله النصيب الأكبر فيها. وأشار ضيف المنتدى إلى وجود خطط في الجامعات الحديثة لتطوير قدرات الطالب تؤهله ليكون خريجاً عالمياً وليس محلياً، واستخدام مختلف وسائل التقنية الحديثة، واقتصار دور المدرس على التوجيه والتيسير فقط، موضحاً أن كفاءة أعضاء هيئة التدريس ووجود معايير واضحة ودقيقة كالبحث العلمي ومهارات التواصل والانفتاح الفكري من الأمور المهمة في تحديد الاختيار. وأوضح أن أشكال الاتجاهات الحديثة هي في إيجاد المحفظة التعليمية لكل طالب لتخزين كل دروسه ومداخلاته كي يتامل في هذه المعلومات ويحللها ويفسرها ليخرج منها معارف جديدة ليكون الخريج الممارس.
كما استرسل المحاضر أيضا بالإشارة إلى التأكيد على عنصر الحياة الجامعية وتحميل مسئوليتها للطلبة أنفسهم فالدوري الرياضي مثلاً يقوم به الطلاب بأكمله من ناحية التخطيط والتنفيذ والتقويم والتطوير، وكذلك طرح مفاهيم وبرامج غير تقليدية للمناهج. وذكر الدكتور الأنصاري أنه لا ينبغي أن تكون هنالك علاقة كبيرة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل المحلي من أجل أن يكون الخريج عالمياً، موضحاً أن فلسفة التعليم ينبغي أن توضع في البداية قبل البدء في إنشاء المباني. وأوضح أن تعدد الثقافات وتشجيع الحوار والتأكيد على المشتركات بين الثقافات هي من سمات الجامعات الحديثة، وكذلك تدريب الخريجين وإبقاء علاقة التواصل معهم وتأهيلهم وظيفياً لسوق العمل، وأخيراً التأكيد على أهمية مراكز التعلم ومراكز تطوير هيئة التدريس وتكثيف التدريب الميداني. وبين المحورين السابقين، أوضح الدكتور عيسى الأنصاري الفجوة القائمة بين الواقع والاتجاهات الحديثة ومنها غياب الرؤى الاستراتيجية، وضعف قدرات الوظيفة، وتوظيف التقنية ومعايير اختيار أعضاء التدريس، والخدمات الطلابية.
أما حول أفضل السبل للنهوض بالتعليم العالي، فقد أوضح المحاضر أن من بينها ضرورة وجود اتحادات للجامعات ورؤى استراتيجية لها، ووجود عناصر محكمة لخطط وبرامج العمل، وأهمية الاستعانة بالخبرات العالمية وتوطينها، وإعداد الطلبة لسوق العمل العالمي، والتركيز على الجودة في التدريس والتعليم المستمر. وقبل المداخلات تحدث رسام الكاريكاتير ماهر العاشور الذي أقام معرضاً فنياً عن أعماله، تحدث عن تجربته الفنية التي امتدت لأكثر من عشرين سنة رسم خلالها أكثر من أربعة آلاف كاريكاتير حول مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تتناول مواضيع متعددة، وذلك ابتداء من فترة دراسته الجامعية إلى أن التحق بصحيفة الرياضي ثم اليوم ثم الحياة.
تناولت المداخلات والتعقيبات قضايا متعددة أبرزها شروط التراخيص للجامعات الخاصة في السعودية وأثر ذلك على جودة التعليم، وهو ما عبر عنه المهندس نبيه البراهيم. وشرح الأستاذ حسن الزاير رؤيته حول التفريق بين المؤسسات الخاصة فهناك جامعات أمريكية وعالمية متخصصة وبارزة وليست حكومية، وضرورة طرح التنظيم المؤسسي كالأوقاف والدعم لمثل هذه المؤسسات، مؤكداً على أن الجامعات لها دور مهم في تنمية الاقتصاد الوطني ونشر ثقافة المعلومات الدقيقة.
وأوضح المهندس علي الملا الدور الذي تلعبه جامعة الأمير محمد بن فهد في المنطقة وخاصة أنها جامعة ليست تقليدية من ناحية فلسفتها وبرامجها التعليمية المتنوعة. وتساءل راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب عن المسئول عن النهوض بالتعليم العالي هل هي الدول أم المجتمع، وكذلك عن معايير إنشاء جامعات حكومية في مختلف مناطق المملكة ونصيب محافظة القطيف في ذلك.
كما طرحت الإعلامية ألباب كاظم من جريدة الشرق سؤالاً حول كون الجامعات تفتقر للتواصل مع المجتمع وهناك قطيعة بين أبحاث الجامعات وتثقيف المجتمع. كما طالب الأستاذ أمين العقيلي بضرورة التواصل بين الجامعة ومؤسسات التعليم المحلية. ومن الجدير ذكره أن المنتدى استضاف أيضاً جمعية السرطان بالقطيف، حيث تحدث مسئولها الإعلامي الآستاذ أمين الزهيري عن تجربة الجمعية ودورها في توعية المجتمع وخلق أجواء تضامنية بين مرضى السرطان ومساعدتهم معنوياً ومادياً.
المحاضرة الكاملة: