في ندوة ثرية في النقاشات الساخنة حول قضايا التراث وحضور شعبي كثيف، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف فضيلة الشيخ حسين بن علي الراضي في ندوة تحت عنوان “التحريف ودوره في تخلف الأمة” وذلك مساء الثلاثاء 5 صفر 1434هـ الموافق 18 ديسمبر 2012م. وأدار الندوة الكاتب نضال البيابي الذي تحدث عن أهمية تحقيق وتنقية التراث، والجهود التي بذلها المصلحون في هذا المجال معرفاً بالمحاضر بأنه من مواليد محافظة الأحساء شرق السعودية، وأنهى دراسته الدينية الأولية والعليا في الحوزات العلمية في العراق وإيران على أيدي كبار العلماء، وكتب تحقيقات وأبحاث عديدة في قضايا التراث ونقدها وخاصة حول الشعائر والأحاديث الموضوعة.
بدأ المحاضر بتقسيم أشكال التحريف إلى لفظي ومعنوي، مقسما حديثة لثلاثة محاور هي شواهد من التحريف اللفظي، وخطر التحريف في التراث، وسبل تحصين التراث من التحريف. استعرض الشيخ الراضي أمثلة من التحريف اللفظي في أحاديث مدرستي الخلفاء وأهل البيت – حسب تصنيفه – كحديث المبيت وصوم عاشوراء وحديث الكساء وزيادات زيارة عاشوراء وفي فضائل بعض الأعمال، موضحاً أن بعض الزيادات الموضوعة جاءت كبدع في ظل ظروف صراع سياسي أو خلاف فقهي للتمايز.
وأوضح المحاضر أن هنالك شعائر وممارسات بعيدة عن الدين ولا تتوافق مع الفطرة والعقل وليس لها دليل شرعي، لكن هنالك من يصر عليها معتبراً إياها جزءاً أساسياً من الدين. وفي محور خطر التحريف في التراث على الامة، بين الشيخ الراضي أن التحريف يلعب دوراً مهما ورئيسياً في تاخر الأمة ويجعلها بعيدة عن عوامل القوة والصمود والجد والاجتهاد، كما يؤدي التحريف إلى نشر الثقافة المنحرفة من الروايات الضعيفة أو الموضوعة أو روايات الغلاة والفئات المنحرفة.
كما أشار إلى أن من مخاطر التحريف الأضرار العقائدية، حيث تبنى على مصادر كالرؤى والمنامات والأخبار الموضوعة، وكذلك تغلغل الغلاة إلى داخل التراث، كما أن التحريف يؤدي أيضاً لمخالفة العقل وخاصة في الروايات والغيبيات الغير معتبرة سنداً، ويؤدي ذلك إلى إلغاء الروايات الصحيحة والمفاهيم القرآنية، وتشويه سمعة الدين والاستهزاء به. واستعرض المحقق الراضي أن التحريف يقود إلى المبالغات الكاذبة وتشويه الشعائر الحسينية، كعدد القتلى الذين قتلوا في يوم عاشوراء كما ينقله بعض المؤلفين؛ لإثبات شجاعة أهل البيت بينما الأضرار الناجمة من الوضع والتزوير وروايات الغلاة لها من السلبيات الشيء الكثير.
وأكد المحاضر أن التحريف يقود أيضاً إلى الشحن المذهبي وإيقاع الفتن بين المسلمين كتشويه صورة الإمام علي مثلاً أو اللعن في زيارات عاشوراء وهي جاءت من مصادر مجهولة ومدسوسة لإغاظة الفئة الاخرى ليس إلا. وحول تحصين التراث عن التحريف اللفظي والمعنوي، بين الشيخ حسين الراضي ضرورة العمل التخصصي من قبل العلماء الجريئين في تصحيح وتنقية التراث وإصلاح ما وقع من تحريف في أي مجال من المجالات مستشهداً بتجارب بعضهم الذين واجهوا مختلف أشكال الإرهاب الفكري وحملات التكفير والتفسيق. إما الجانب الآخر لتحصين التراث فهو عبر إشاعة روح النقد، وحرية الراي، والتعبير في وسط المجتمع بصورة تساهم في زيادة وتنمية الوعي وإفساح المجال لتبادل مختلف وجهات النظر مهما تباينت.
وقبل المداخلات استعرض الكاتب محمد المحمد تجربة الرحلات الفنية ومشروع معرض التراث العمراني الذي يستضيفه المنتدى عبر لوحات تراثية متنوعة، كما ألقى الأستاذ تقي اليوسف كلمة تعريفية عن لجنة التطوير الاجتماعي بسيهات معرفاً ببرامجها وأنشطتها المتنوعة. جاءت مداخلات الندوة مثيرة وجريئة، فقد تساءل المؤرخ خالد النزر عن ارتباط التاريخ مع أنه علم متخصص بقضايا الدين حيث اصبحت أحداث التاريخ مقدسة كما هو الدين، مؤكداً على ضرورة الفصل بينهما، وأشار المهندس نبيه البراهيم إلى حالة الفصام لدى العلماء بين مستواهم العلمي وتمسكهم بقضايا تاريخية وهمية أو اسطورية لا تتناسب مع علميتهم.
واستنكر الشيخ حسين الصويلح اقتصار حالة نقد التراث على فئات محدودة في الوسط العلمي، متسائلا عن دور المرجعية الدينية في هذا الصدد، كما انتقد الكاتب حسين العلق موقف الحوزات العلمية والمدارس الدينية بانحيازها التام للتوجهات التقليدية والمحافظة، ووقوفها ضد عملية النقد والمراجعة وهو ما يمد مثل هذه التوجهات قوتها وشرعيتها.
وفي نهاية الندوة شكر راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب الشيخ حسين الراضي على إثارته لمواضيع غاية في الأهمية والدقة وطرحه الموضوعي والجريء، كما أشاد الشيخ حسن الصفار بدور الشيخ الراضي وجهوده العلمية الرصينة وبحثه الجاد في تنقية التراث مستعرضا تاريخ حياته العلمية والسياسية والاجتماعية، ومؤكدا على أن الحذر من الخوف على المذهب – كما يدعيه البعض – ينبغي أن لا يحجر علينا مراجعة التراث ونقده وإبراز ما فيه من ضعف وثغرات.
المحاضرة الكاملة: