ملابسات العلاقة بين العقل الديني والعقل السياسي

3٬437

استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف في ندوة الأسبوع مساء الثلاثاء 20 شوال 1426هـ الموافق 22 نوفمبر 2005م الباحث الاسلامي السيد كامل الهاشمي متحدثاً عن “ملابسات العلاقة بين العقل السياسي والعقل الديني”، وقدم الأستاذ ذّاكر حبيل المحاضر حيث استعرض ملامح من سيرته الذاتية، فقد قضى وطراً من حياته دارساً وباحثاً ومدرساً في الحوزة العلمية في قم واهتم في البحوث الفكرية والدراسات الفلسفية ويواصل حالياً التدريس في الحوزة العلمية في البحرين. وقد صدرت له عدة كتب ودراسات نقدية في الفكر والسياسة والقضايا الاسلامية المختلفة.

تحدث المحاضر في البداية عن إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في المجتمعات التي لم تتمكن من حسم خياراتها في هذه القضية، حيث أن لهذه الإشكالية أهميتها الخاصة لأنها لا تقتصر في تداعياتها على الجانب التنظيري فحسب، بل هي إشكالية عملية في العمق، والكثير من ملابساتها ترتبط بالحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا ما يوجب ضرورة الاشتغال الجدي والمكثف على هذه القضية. وأشار المحاضر إلى أن من مظاهر هذه الإشكالية الاضطرابات والاختلالات التي نعيشها على مستوى الواقع العملي في ما يرتبط بالإخفاقات المتتالية والمتطاولة للإنسان المسلم والعربي في تحقيق وإنتاج تجاربه السياسية، مما ولد شعوراً عند العديد من الباحثين والمحللين أن هناك قصوراً فظيعاً يلازم العقل العربي الإسلامي في قدرته على بناء أنظمة سياسية ديمقراطية عادلة ومستقرة.

وتحدث المحاضر في محاولته لتحديد الموقف من هذه القضية عن اتجاهات ثلاثة تعتمدها المجتمعات البشرية: الاتجاه الأول وتتبناه المجتمعات العلمانية التي ترى أن الفاعلية في الحراك البشري في المجتمع ينبغي أن تكون وفق مقتضيات العقل السياسي أولاً، وهذه التجربة تولدت من رحم المعاناة البشرية في أوروبا فقد اندفع الإنسان الأوربي الى العمل على فصل الدين عن الدولة منذ مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، وقد ساهم ذلك في ارضاء طموح الإنسان الأوروبي في الخروج من جو الإشكالية وحسم محنة الصراع بين هذين العقلين. والاتجاه الثاني وتتبناه المجتمعات الدينية التي ترى أن الفاعلية في الحراك البشري الاجتماعي العام ينبغي أن تكون وفق مقتضيات العقل الديني أولاً، وترى هذه المجتمعات ضرورة متابعة ومسايرة العقل السياسي العملي لتحديدات العقل الديني النظري، شريطة أن تخضع ضرورات العقل السياسي لمبادئ العقل الديني، وتتأخر عنها على مستوى الاعتبار والفاعلية. ورغم أن هذا الاتجاه الثاني يتباين تمام التباين مع الاتجاه الأول المتقدم في ضوء اختلاف المرجعية الأصل لدى كل منهما، إلا أنهما يشتركان في ضرورة الاشتغال وفق أحد النظامين، من دون محاولة التفكير في إمكانية المزاوجة بين النظامين في إدارة الحياة البشرية. والاتجاه الثالث وتتبناه على مستوى التنظير الرؤى المعرفية التي ترى ضرورة قيام تعايش بين ضرورات العقل الديني ومتطلبات العقل السياسي في إدارة الشأن الاجتماعي العام، وأهمية تجاوز إشكالية التصادم بين العقلين عبر استحداث آليات معينة لتحديد المجال الفاعل لكل منهما.

ولتوضيح طبيعة هذه الاتجاهات تحدث المحاضر عن كل منها مفصلاً، فالعقل الديني بحسب طبيعته الأولية عقل يستهدف تحقيق الحق والإقرار به من أجل استخدامه كمعيار في الحكم على ما هو المطلوب من الإنسان فعله، ولذا فان من مقتضيات العقل الديني البحث عن الحق ومحاولة التعرف عليه، والبحث وغالباً ما يصطدم بمعيقات ذاتية وموضوعية تفرز تبايناً حوله وفيه، أكثر مما توجد توافقاً حوله وعنه. بينما العقل السياسي بحسب وظيفته الأولية عقل عملي يستهدف تحقيق المنفعة ودفع المفسدة، ورغم أن المنفعة والمفسدة أمران نسبيان متغيران بحسب الظروف والأحوال والأشخاص، إلا أن ذلك لم يمنع من كون مساحة التوافق التي يصنعها الإنسان في دائرة المصالح والمفاسد التي يعني بها العقل السياسي، أكبر وأوسع من دائرة التوافق التي يتمكن من صنعها في دائرة الحق والباطل التي يعني بصنعها العقل الديني.

أما عن طبيعة العلاقة بين الاتجاهين فلخصها المحاضر بأنه يمكن اختزال التمييز بينهما في أن الأصل في الأول غاية نظرية بينما الأصل في الثاني غاية عملية وذلك  يقتضي بالضرورة وجود مجال فعل خاص لكل واحد منهما، وإن كان ذلك لا ينفي أيضاً وجود المجال المشترك لفعل العقلين، وهو المجال الذي تتولد في ضوئه إشكالية إدارة العلاقة بين العقلين، والمشكلة الأساسية تكمن أساساً في هذا المجال المشترك، لأن حضور العقلين في هذا المجال المشترك يجعل منهما بمثابة عاملين يتنازعان معمولاً واحداً، وفي ظل هذه الوضعية فانه من المحتم أن تتصادم مقتضيات العقل الديني مع متطلبات العقل السياسي. واستشهد المحاضر ببعض مواقف الرسول (ص) التي انتصر فيها لمقتضيات العقل السياسي من أجل مراعاة المصالح في الاجتماع البشري. وفصل المحاضر في حديثه عن العلاقة بين العقلين عبر استعراض نماذج من خمس حالات: حالة الحاكمية المطلقة للعقل الديني وحالة الحاكمية المطلقة للعقل السياسي وحالة الفصام بين العقلين وحالة التطابق بين العقلين وأخيراًحالة التوافق بين العقلين.

وخلص المحاضر الى التأكيد على أن للعقل الديني أولوياته في مجال الكشف عن الحق والحقيقة وتثبيتهما، فالغاية الأهم بالنسبة إليه غاية نظرية تتعلق بصحة وواقعية المعرفة، وأن للعقل السياسي مجاله وأولوياته المتعلقة بجلب المصالح ودرء المفاسد مما يتعلق بالاجتماع البشري العام، كما أن التعارض بين العقلين هو تعارض نشأ من موقع الممارسة البشرية التي خالفت وباينت بين ضرورات كل واحد من العقلين، بينما الرؤية الواقعية والمعرفة العملية ترشدان إلى إمكانية تحقيق توافق وانسجام بين مقتضيات العقلين عبر صياغة تحدد بشكل دقيق مجال التلاقي بين العقلين، كما تحتفظ في الوقت نفسه بواقعية عملية تستدعي منها الالتزام بالحدود الفاصلة بين الحق الديني الثابت والمصلحة السياسية المتغيرة.

وفي نهاية اللقاء فتح المجال أمام مناقشة المحاضر والاستماع لمداخلات الحضور التي تركزت حول أهم الافكار التي تحدث فيها المحاضر وخاصة فيما يرتبط بنشوء هذا التناقض بين العقلين وسبل معالجة الاشكاليية الناتجة عن ذلك، واعتبر بعض الحضور أن مثل هذه الاطروحات تؤسس لنهج فكري جديد في عالمنا العربي وهي بحاجة الى أن توضع مكان الاختبار والتجريب عبر المناقشة والتأصيل بصورة مستمرة.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

المحاضرة الكاملة:

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد