حول موضوع ” آفاق المشهد الأحسائي برؤية موضوعية”، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف الأستاذ عبد الله عبد المحسن الشايب في ندوته مساء الثلاثاء 10/صفر/1430هـ الموافق 15/فبراير/2009م، وهو كاتب وباحث من مواليد قرية الجبيل في الأحساء، مهتم بالتراث والثقافة، حاصل على درجة الماجستير في تخطيط مدن وأقاليم جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، يرأس فرع الجمعية السعودية لعلوم العمران بالأحساء، وهو عضو في العديد من اللجان والهيئات والجمعيات المحلية والعربية والعالمية، كهيئة المهندسين السعوديين، مجلس الآثار بباريس، الجمعية الأمريكية للمعماريين وغيرها، وهو زميل محكمة لندن للتحكيم الدولي. شارك في الكثير من المحاضرات والندوات والمؤتمرات، وتم تكريمه في عدة مناطق محلية ودول عربية. نُشرت بحوثه ومقالاته وحواراته في عدد كبير من المجلات والدوريات، وصدر له شخصيا أربعة عشر مؤلفا في مختلف المجالات الفكرية، والأدبية، والتراثية، والهندسية. وأدار الأستاذ زكي البحارنة الندوة، متحدثا عن دلالة النشاط الثقافي المتصاعد في المنطقة بمختلف أشكاله على قابلية الذهنية المحلية لاكتساب الثقافة وإنتاجها والتفاعل معها، وعلى تجاوز العقلية المثقفة لأزمة الانغلاق الثقافي.
بدأ الضيف حديثه بذكر دواعي طرح هذا الموضوع، منها تكوين صورة بانورامية لمشهد الأحساء الثقافي، والتعريف بصورة إنسان تلك البقعة الجغرافية زمكانيا بهدف خلق حالة من التكامل لعمل المجتمع المدني؛ فتكلم عن “الأحساء” جغرافيا، متطرقا في ذلك لموقعها ومساحتها وحدودها، وتركيبتها السكانية، مشيرا لكونها المنطقة الأكثر تركيزا سعوديا بين مناطق المملكة، حيث لا تتجاوز نسبة الأجانب فيها 15% في مجموع مليون ونصف نسمة.
وحول الدور الذي ساهمت به الأحساء في إضافة تغيير للمشهد الثقافي، تحدث عن وجود عوامل إيجابية ساعدت على تحقيق ذلك، وأشار لتعددية المدارس الفقهية بين السنة بمذاهبها الأربعة، والشيعية بمرجعياتها المختلفة، بلحاظ تركز المرجعية الدينية لبعض المذاهب، وعلى رأسها الشيخية فيها على مستوى الخليج كحالة خاصة، الأمر الذي خلق أرضية متشابكة بانسجام يقبل مفهوم التعددية دون مجال لإنكار ذلك وإن واجهت هذه الحقيقة بعض التشنجات في خصوصية التعددية وسرعان ما تستوعبها طبيعة الوعي اليومي الممارس.
ولتحديد مستوى الحراك الفكري الذي ساهم في بلورة المشهد الثقافي الأحسائي، رأى الضيف أن التقييم في عمومه قضية نسبية تحددها طبيعة البيئة التي تحتضن هذا الحراك، وطبيعة المملكة تشير لارتفاع مستوى الحراك الفكري في الأحساء إن هي قورنت ببقية مناطق المملكة أو دول الخليج العربي، الأمر الذي دلل عليه بعدة شواهد على مستويات عديدة.فعلى المستوى الثقافي، أشار المحاضر لمجموع الإصدارات النوعية للعام 1429هـ، والتي شملت مختلف المواضيع في الدين والثقافة والتاريخ والتراث والاقتصاد والطب والسياسة والتربية وغيرها، وعزز حديثه بإحصائيات تؤكد ارتفاع سقف الثقافة في الأحساء.
وفي المجال الفني تحدث الضيف عن وضع الأحساء للبنة الأولى في فن المسرح، وعلى الأخص مسرح الطفل، وعن تكريم مؤسس مسرح الطفل الأستاذ محمد المريخي قبل وفاته في الجامعة العربية باعتباره أحد الرواد على مستوى العالم العربي. وفي مجال العمران – وهو تخصص الضيف نفسه – أشار لعديد من الأمثلة التي حركت مجال السياحة كرهان أكبر تجاوزت به الإبداعات التقليدية، مؤكدا أن نجاح السياحة الذي تعمل الأحساء على تحقيقه فيها يعد نجاحا للوطن ككل، لما تضمه الأحساء من مقومات سياحية كما وكيفا. واستطرد الضيف حديثه بأمثلة أخرى لمجالات مهمة عديدة؛ كمجال الأبحاث العلمية والفكرية والثقافية والفنية والتنموية، وما إلى ذلك مدللا عليها جميعا بأنشطة وفعاليات ومؤسسات وبرامج قائمة فعليا في زخم يصعب متابعته.
بذلك أراد الأستاذ الشايب تأكيد وعي ابن الأحساء بالتواجد الفكري ضمن منظومة في أكثر من اتجاه، كهجرته داخليا وخارجيا، الأمر الذي خلق به تفاعلا حقيقيا له على مستوى الوطن وخارجه، مستجيبا في ذلك لنداء العقل الداعي لتنمية المجتمع الأهلي الذي يتعاطى معه إنسانيا ويحيا في إطاره. في ختام حديثه، دعا إلى ضرورة وعي من يعيش حالا كالذي تقدم سواء في الأحساء أو غيرها لا يمكن له أن يكون مهمشا على خريطة الواقع.
في مداخلته، أشار المهندس غسان بو حليقة عن تميز الأحساء عن بقية مناطق المملكة بالتعددية والقبول بفكر التعايش الأصيل، مؤكدا على حضور ثقافة الاستيعاب في وعي ابن الأحساء المؤمن بعدم خدمة الانكفاء والتعاطي السلبي لمشروع حضور الإنسان الإيجابي على خارطة الوطن، مؤكدا على تأثير الدور الحقيقي لمؤسسات المجتمع المدني. متسائلا عن المعايير القانونية والأخلاقية لذلك الدور تطبيقا وممارسة في ظل الإقصاء والتهميش لإمكانيات إنسانية قادرة على البذل والعطاء في كافة الاتجاهات والمناحي.
وتساءل أحد الحضور عن سبب غياب صحيفة يومية في الأحساء تهتم بشؤونها اليومية والحياتية لتسد كثيرا من التساؤلات التي تفرض نفسها لدى المواطنين، الأمر الذي أشار فيه الضيف لمشروع مقدم لجهات المسؤولية تتم دراسته بخصوص ذلك، منوها بإصدار العديد من الدوريات المتخصصة في مختلف الشؤون، والشبكات الثقافية المتابعة على الشبكة الالكترونية. الدكتور عادل الغانم تساءل عن الدور الذي يمكن أن تقدمه الكفاءات الأحسائية التي أثبتت نفسها في الخارج في مختلف المجالات لبلدها الأحساء. ليتساءل الأستاذ حسين السنونة عن دور الكفاءات داخل الأحساء مقابل ما تموج به هذه المنطقة من معاناة في كثير من جوانبها الإنسانية، وهو الأمر الذي اتفقت عليه مداخلات أخرى؛ جاء فيها تذكر الأستاذ وليد سليس بوصف الأديب محمد العلي للأحساء بأنها العاقة لأبنائها والمتدنية ثقافيا، طالبا رأي الضيف في ذلك. وقد عاتب الضيف جهل بعض أبناء الأحساء بها وتركيزهم على جزئيات تنحى بهم بعيدا عن الكليات.
كثير من القضايا تمت مناقشتها بين ثنايا اللقاء خرج بها اللقاء مع الضيف ثريا نحو مدى التباين والانسجام بين النسق البنائي في الفكر الأحسائي والأنساق الأخرى الاجتماعية والفكرية والثقافية، وكذلك المشهد الثقافي النسائي في الأحساء، وغيرها؛ قبل أن يختم راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب اللقاء بإشادته لتحليل الضيف للتطور الفكري باتجاهاته الجديدة في منطقة الأحساء، متمنيا الاستفادة من هذه التجربة في دراسة مشاهد ثقافية أخرى بمناطق المملكة، وأكد على أن التحدي الأكبر يكمن في تحويل قنوات مجمل الفعاليات والأنشطة الواعدة التي تحفل بها الأحساء كمخزون ثقافي وبشري عرفته المنطقة لتصب في محصلة تطور حقيقي يخدم المنطقة وأبنائها.
المحاضرة الكاملة: