استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف مساء الثلاثاء 25/صفر/1429هـ الموافق 4/مارس/ 2008هـ الدكتور الشيخ ميثم السلمان في ندوة عن استراتيجيات التخاطب الإنساني، وقد أدار الندوة الأستاذ زكي البحارنة متحدثا عن أهمية الحوار كمدخل طبيعي للمشاركة في التعايش الاجتماعي المفروض، من شأنه إيجاد الحلول المناسبة لما ينتج عنه هذا التعايش المشترك إن هو وظف بشكل صحيح، ثم عرف بالدكتور ميثم السلمان، وهو رجل دين من مواليد البحرين، حاصل على الدكتوراه في علم النفس الفلسفي من بريطانيا، مهتم بالدراسات المرتبطة بتطوير الموارد البشرية، ساهم من خلال الدورات التي يلقيها في تدريب أكثر من 5000 متدرب في دول العالم الإسلامي، له العديد من المؤلفات في التطوير الإنساني، ويحضر حاليا لدرس الحكمة المتعالية الذي يلقيه الأستاذ الشيخ أحمد الشهابي في حوزة الإمام زين العابدين بالبحرين.
بدأ الدكتور ميثم طرحه بالحديث عن (مرتكزات الاستراتيجية الخطابية) في الدعوة والخطاب؛ فعرف أولا كلمة إستراتيجية، وذكر أنها تعود لـ(Strategus)، وهو إله الحرب في الثقافة اليونانية القديمة، وكان اليونانيون يلجؤون له في الحرب ليساعدهم في وضع خطة حرب متمكنة يحرزون بها النصر، مشيرا بذلك إلى أهمية وضع خطة عملية للوصول إلى الهدف المطلوب سواء في الجانب التنظيري أو الميداني، مؤكدا إلى أن إهمال ذلك من شأنه أن يعرقل الهدف، فضلا عن إمكانية الرجوع به للوراء.
خطة عالم النفس ستيلور (Stailour) الخطابية التي أطلق عليها اسم (ROUTE)، نهجها المحاضر في طرحه مشيرا إلى مجيء المفردة من أخذ الحرف الأول لخمس استراتيجيات تتضمنها الخطة، أولها ردة الفعل (Response)، المحتملة من الطرف الآخر، والتي لابد أن يتنبأ بها الإنسان قبل مباشرته خطابه له، ثم إستراتيجية المحصلة والهدف (out come)، والذي ينبغي أن لا يتجاوز التأثير على الطرف الآخر إلى تغييره، وذلك بخلق مثيرات نفسية وحوافز معنوية في الطرف الآخر، وأشار المحاضر في ذلك إلى أن التركيز على هدف التغيير من شأنه أن يخلق تغييرا وقتيا يتلاشى بتلاشي المؤثر نفسه، وأن التغيير مرحلة متقدمة تسبقها مراحل من التأثير نفسه.
الإستراتيجية الثالثة هي الاستثمار(Utilization)، والمقصود بها استثمار المؤثرات المادية والمعنوية التي تساهم في التأثير على الطرف الآخر كالإضاءة، طريقة الكلام، المكان والزمان، والتوأمة في الحديث على مستوى النظر والجلوس، فضلا عن استثمار ما يرتبط بطريقة الخطاب نفسه بالتركيز على القيمة الوجدانية للكلمات، وأشار الدكتور السلمان إلى مقومات الخطاب الصوتي الأربع، الخطاب، النغمة، سرعة الحديث، ومستوى الحديث ممثلا لها جميعا بالأمثلة، ومؤكدا إيجابية النتيجة التي قد يحققها تفعيل هذه المقومات في الخطاب.
الإستراتيجية الرابعة هي الإطار الزمني (time frame)، وفيها يتم وضع إطار زمني قابل لتحقيق الهدف الخطابي، وقد أشار المحاضر إلى الخطأ الشائع الذي يرتكبه الحاكم الشرعي حين يوجه خطابا للطرف الآخر ظنا منه أنه قد يحدث أثرا سلوكيا مباشرا، متجاهلا أهمية وضع إطار زمني معقول يتفاعل فيه الخطاب ليحقق الهدف منه، وذكر في ذلك إمكانية إحراز أثر سريع تشهد له نماذج قليلة من التراث في ظروف خاصة.
حركة النمو الطبيعي (Ecology) هي الإستراتيجية الخامسة والأخيرة التي أشار لها الدكتور، وأشار فيها لأهمية احترام مراحل التأثير الخطابي، كما تطرق للحديث عن مراحل تأصيل خلق ما في نفس الإنسان ولخصها في ثلاث، الحالة، وتكون نفسية غالبا، يمر بها الإنسان فتترك في نفسه أثرا، ثم الملكة، وتمثل الهيئة الوجدانية الباعثة على السلوك، والاتحاد، وفيها تتحد الملكة مع كيان الشخصية وتصبح جزءا لا يتجزأ منه.
إستراتيجيات أخرى تحدث عنها المحاضر للوصول بالخطاب للهدف المنشود، كأهمية مداراة المعرفة الموضوعية بالموضوع المراد توجيه الخطاب فيه من قبل المخاطب، وذلك بإثراء رصيده الثقافي والفكري فيه، لما في ذلك من تأثير أبلغ، كالإلمام بالمخدرات وأنواعها وأثر كل نوع فيها قبل توجيه الخطاب للمدمن، وأكد المحاضر على أهمية أن يأتي الخطاب مركزا على بعث الرجاء في النفس متوازنا مع الخشية، دون تغليبها عليه، الأمر الذي يكاد يصبغ عموم الخطاب الديني مع الأسف الشديد دون تمييز بين العاصي المستخف والعاصي المتألم؛ الذي يملك في قلبه مساحة واسعة لإرساء دعائم الخير، مؤكدا على احترام المساحة الإنسانية بين البشر في جميع الأحوال للحول بين خلق حواجز نفسيه تدفع بالعاصي للإمعان في معصيته وانحرافه.
وتحدث الضيف عن مشكلة الخطاب الدعوي الذي بات أصحابه حبيسي دائرة الخطاب المذهبي ضمن الفئة الواحدة، والمذهب الواحد، والتيار الواحد، مما عزز الأنا الفئوية التي باتت تسيطر على خطابهم؛ رغم اتساع دوائر تسويق الدين عبر دوائر أخرى، كدائرة منكري الدين الذين ينكرون مبدأ الألوهية مطلقا، ودائرة أتباع الأديان المنحرفة التي لا تقر بالألوهية، كالبوذية، والهندوسية، ودائرة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ودائرة الخطاب الإسلامي العام، وختم حديثه بالتأكيد على أن الانفتاح على الآخر- أيا كان- عبر هذه الدوائر التسويقية سبب يمهد لمشروع التغيير الحقيقي.
وقد جاءت أسئلة الحضور ومداخلاتهم معززة للموضوع، فأشار الأستاذ ذاكر آل حبيل إلى أن الانطلاق في التعاطي الإنساني من منطلق الإنسانية كمبدأ رئيسي من شأنه خلق ذهنية قابلة للاشتراك في المستوى العام، وبالتالي الوصول إلى حوار هادئ على جميع الأصعدة، فأكد الدكتور ذلك مشيرا لخيارات الحوار والمشتركات الذهنية والفكرية التي يجب الالتفات لها فيه.
من جانبه، أشار الأستاذ جعفر الشايب إلى أهمية ما ورد في حديث الدكتور السلمان ومقاربته لما ورد في مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي الذي كان قد حضره مؤخرا في لبنان، وفيه تم عرض مبادئ (كلمة سواء) الموقعة من قبل 138 رجل دين وعالم مسلم للحوار مع المسيحيين، مؤكدا على ضرورة القيام بمبادرات جادة للحوار الداخلي بين المسلمين وإعادة قراءة التاريخ العربي والإسلامي لإبراز نماذج الحوار الإيجابية للتحقيق في الخطاب العدواني المتشنج.
وتساءل الأستاذ مدير الندوة الأستاذ زكي البحارنة عن أثر الانفتاح المذهبي والقبلي على هوية المنفتح، الأمر الذي نفاه الضيف، مؤكدا إمكانية أن تعيش المجتمعات الاستقلالية في الموقف والفكر والمرجعية إن كانت تملك رصيدا فكريا ووعيا، مستشهدا بنموذج التعددية الطائفية في لبنان الذي استطاع خلق نسيج وحدوي وطني عام.
الأستاذ محمد الشيوخ أشار لما يراه سببا في توتر الخطاب الإسلامي لخصه في نقطتين، عدم وجود خطاب جماهيري يثقف الناس لتمييز خطاب القيادات وفرزها ونقدها، وتأثير المسبقات الفكرية والمواقف المترسبة على المتلقي حول الطرف الآخر، مما يحول بين قبول فكره وإن كان في بعضه صحيحا.
وقد وفى الضيف الإجابة على جميع التساؤلات والمداخلات فأثرى وأمتع وفتح للحضور آفاقا من الرؤى في هذا الموضوع الحياتي الهام.
المحاضرة الكاملة: