في إطار سعيه لرصد ومتابعة التحولات الثقافية الراهنة في المملكة ومراجعة أوجه التغير فيها، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام مساء الثلاثاء 7 صفر 1443هـ الموافق 14 ديسمبر 2021م ندوة تحت عنوان “المسرح والفنون الأدائية وتحولات المرحلة” شارك فيها كل من الباحث المسرحي الأستاذ علي السعيد والكاتب والخبير في الفنون الأدائية التراثية الأستاذ سعد الثنيان وذلك على مسرح جمعية الثقافة والفنون بالدمام، وأدار الندوة الكاتب والمخرج المسرحي عبد الله الجفال.
في البداية ألقى مسؤول البرامج في المنتدى الأستاذ مالك آل فتيل كلمة المنتدى مرحبا بالضيوف وشاكرا المسئولين في جمعية الثقافة والفنون على تعاونهم في تنظيم الندوة، ومؤكدا على أهمية الدور الذي يحدثه المسرح في حياة المجتمعات الإنسانية طوال التاريخ وقدرته على استحضار مختلف القضايا بما يمثله من ظاهرة حضارية مركبة، مشيرا إلى اهتمام المنتدى المتواصل بتنظيم ندوات حول مختلف قضايا المسرح وهموم المسرحيين طوال مواسمه الماضية وبمشاركة العديد من الفاعلين في هذا المجال. وشاركت الكاتبة جمانة السيهاتي بكلمة حول تجربتها في الكتابة القصصية التي بدأتها وهي في التاسعة عشر من عمرها وأصدرت ستة كتب هي أحلام أنثى، أربعون شبيه، سماء من سكر، جائع حتى الأمس، لا نهار في المدينة، عزيزي س، كما وقعت أحد اصداراتها في الأمسية.
وتحدث مدير الندوة الأستاذ عبد الله الجفال في افتتاح الندوة أن المسرح كان ولا يزال دائما ملهما للمجتمعات وهو بدوره يمكنه أن يحول العلوم والمعتقدات والافكار الى مفاهيم واضحة وواقعية وقريبة من أفهام المتلقين، وتمكن المسرح السعودي من التغلب على الكثير من التحديات التي عصفت به تأثرا بالتحولات الاجتماعية مؤكدا على ضرورة إبراز دور رواد الحركة المسرحية باعتباره مهمة وطنية. وعرف ضيفا الندوة قائلا بأن المسرحي علي السعيد التحق بسلك التربية والتعليم لسنوات طويلة وتنقل في عدة مواقع إدارية وإشرافية وعمل على توثيق الحركة المسرحية في المملكة وأسس أرشيف المسرح السعودي وفرقة عنيزة المسرحية، أما الأستاذ سعد الثنيان فقد عمل مديرا لإدارة النشاط الثقافي بوزارة التعليم ثم مستشارا بدارة الملك عبد العزيز في المركز الوطني للعرضة ويعد ويقدم حاليا برامج ثقافية وشعبية في قناة الصحراء وغيرها، وكتب العديد من الاوبريت في مناسبات وطنية مختلفة.
تناول الأستاذ علي السعيد تاريخ الحركة المسرحية في السعودية قائلا أنها بدأت في المدارس والجامعات والأندية الرياضية ثم في جمعيات الثقافة والفنون، مركزة الاهتمام بقضايا تربوية واجتماعية وكانت دوما تمول المسرح بالكفاءات، وأضاف أنه برزت مجموعة اعمال مسرحية عبرت عن ارهاصات ثقافية عبر اجيال من الكتاب والمسرحيين تناوبوا في تقديم اعمال مسرحية متنوعة بعضها كان رائدا ومتميزا. وقال أن نقطة التحول الثقافي جاءت مع رؤية ٢٠٣٠ بإنشاء وزارة الثقافة وهيئة مختصة بالمسرح والفنون الادائية وذلك في عام ٢٠٢٠م التي يؤمل عليها كثيرا في تصحيح وتطوير مسار المسرح، فأصبح بذلك للمسرح مؤسسة رسمية متخصصة تهدف الى تشجيع الأنشطة وتمكين المواهب المسرحية من خلال تنمية القدرات وتدريب المعلمين كمشرفين مسرحيين واطلاق مجموعة مبادرات لتطوير المسرح.
وأوضح السعيد أن المسرح السعودي في بداياته كانت تسوده حالة الارتجال سواء في عروض المسرح المدرسي أو الأندية الرياضية، ولاحقا اختلف المسار فأصبحت العروض المسرحية تنطلق من نصوص مكتوبة تلامس هموم المجتمع وتطرح قضاياه وتطلعاته، على الرغم من سيطرة المسرح الكلاسيكي الواقعي بشكل عام. وأضاف أن التحولات الفنية والفكرية المسرحية بدأت تظهر في المسرح السعودي بشكل متقطع ومتذبذب لكن يحسب للكاتب والمخرج الراحل عبد الرحمن المريخي أنه قدم رؤى إخراجية جديدة من خلال مسرحية “الحل المفقود” عام 1982م وكسر الحاجز في تجربة مسرحية لم تكن معهودة في المسرح السعودي، وقابله في الطائف الكاتب عبد العزيز الصقعبي حينما قدم ولأول مرة مسرحية المنونودراما “صفعة في المرآة” عام 1983م معتبرا أن هذين العملين يمكن اعتبارهما بداية مرحلة جديدة من العروض المسرحية المختلفة عما كان سائدا لمسرح السعودي.
وتحدث الأستاذ سعد الثنيان حول الفنون الأدائية موضحا أن المملكة تزخر بمختلف ألوان الفنون الادائية الجميلة كالقصص الروائية والاهازيج والرقصات والموروث الشعبي الذي كان ممتدا من تاريخنا باستخدام نفس البحور الشعرية، والشعر الشعبي هو وليد القصيدة الفصحى ويتكامل معها، وهناك امثلة كثيرة تدل على هذا التداخل والتكامل بينهما، وينبغي ان تقوم المسرحيات الشعرية بإحداث هذا التمازج. وقال أن تراثنا وموروثنا مليء بالقصص والاناشيد التعبيرية، وقد تم تطوير بعض هذه الفنون الفولكلورية بجهود ذاتية وهو فن راق ينبغي المحافظة عليه ودعمه وتطويره، والوزارة تعمل حاليا على رصد وتوثيق الفنون الادائية في مختلف مناطق المملكة ونتطلع لمستقبل زاهر لهذه الفنون، موضحا أن كل منطقة تتميز بفنونها الفريدة، وهناك تراث قصصي مسرحي أو ما يسمى “حديث الراوي” والرقصات وأنواع مختلفة من الفنون وبعضها يتداخل ثقافيا في عدة مناطق بصور مختلفة، والمنطقة الشرقية ثرية بمواويل البحر والنهامين والفرق الشعبية المتعددة.
واستعرض الثنيان العديد من الأمثلة لبحور الشعر الشعبي وأنها امتدادا لنفس بحور الشعر العربي الفصيح وهي موجودة أيضا في الشعر الفارسي كقصائد سعدي الذي ذكر نماذج منها، وأمثلة أخرى من الشعر المهمل غير المنقط. وأكد على ضرورة العودة للموروث الشعبي من الأدب والأمثلة والشعر والفولكلور وإعادة استنطاقه واسترجاعه بأساليب حديثة تناسب هذا العصر والواقع الاجتماعي وعدم التهرب من القيام بهذا الدور تحت مبررات مختلفة.
بدأت مداخلات الحضور بكلمة للأستاذ ابراهيم إسماعيل الذي أشاد بدور المسرحي علي السعيد في إعادة المسرح لمكانته في عنيزة رغم مختلف التحديات التي واجهته، مشيرا إلى أن اول مسرح شعبي كان في النادي الأدبي في محافظة عنيزة. وأشار الفنان ماهر الغانم إلى الدور الرائد للدكتور عبد الله العبد المحسن ودوره وجهوده في الحركة المسرحية على الصعيد الوطني والخليجي أيضا. وأثنى الأستاذ عبد الله الحسن على جهود توثيق الحركة المسرحية في السعودية التي قام بها علي السعيد رغم كل التحديات واهتمامه بدعم الباحثين في مجال المسرح من طلبة الدراسات الجامعية، متسائلا عن أسباب غياب النصوص الشعرية المسرحية، وعن دور هيئة المسرح والفنون الأدائية في دعم العروض المسرحية والتواصل مع المسرحيين ودعمهم.
وشكر المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضران وأوضح أن المسرح كان حاضرا وفاعلا في مراحل سابقة سواء في المدارس أو الجامعات والأندية، ولكنه غاب عن الحضور الفعلي لعقود وقل تأثيره ودوره، نتطلع لحركة مسرحية نشطة وفاعلة تستوعب الرواد في العمل المسرحي وتنفتح على الجيل الجديد، متسائلا عن مدى فاعلية توجهات الهيئة لرعاية الفنون الشعبية في المنطقة الشرقية. وقال الأستاذ عبد الله غزواني أن استحضار الموروث مسرحيا عادة ما يكون عبر السرديات مطالبا بضرورة أن يطور ليترجم على شكل فعل درامي. وأوضح الدكتور علي الدرورة أن اول مسرحية في الشرقية اقيمت نهارا في مدرسة عمار بن ياسر بسنابس نظرا لعدم توفر الكهرباء حينها مساء، مشيرا إلى أنه قام بتوثيق وتدوين التجربة المسرحية في تاروت منذ بداياتها.
وتحدث الأستاذ خليل الفزيع حول الترابط الوشائجي والتاريخي بين اشكال الفنون الادائية في مختلف مناطق المملكة التي تشكل مشتركات ثقافية ينبغي التأكيد عليها لما لها من أثر في تعزيز عوامل الاشتراك بين المكونات الاجتماعية المختلفة.
لمشاهدة الندوة كاملة: