مواكبة للجدل الدائر في المجتمع حول لقاح كوفيد 19 وما يدور حوله من نقاش وجدل، ومواصلة لذات الموضع الذي تم طرحه عند بداية الأزمة في الموسم الماضي، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 21 جمادى الأول 1442هـ الموافق 5 يناير 2021م استشاري الامراض المعدية ومدير مكافحة العدوى بصحة المنطقة الشرقية الدكتور حاتم محمد الهاني في ندوة تحت عنوان “مستجدات كوفيد ١٩: الحصاد واللقاح”، تناولت عدة محاور من أبرزها: لقاحات كوفيد ١٩ بين الحقائق والاشاعات، السلالات المتحورة والمنتشرة حديثا، الدروس والخبرات المستفادة من التجارب، وعرض توصيات صحية للمرحلة القادمة.
وأدار الندوة الدكتور محمد الحماقي الذي افتتحها بالحديث عن أبرز التطورات حول كوفيد 19 محليا وعالميا، من ناحية ارتفاع أعداد الإصابات والخطوات والإجراءات الاحترازية المتخذة ومدى نجاعتها، والاشكالات المطروحة حول اللقاحات التي بدأت تطرح في مختلف الدول، مؤكدا على أهمية وضرورة طرح هذا الموضوع وتناوله بصورة علمية بعيدة عن الاشاعات السائدة والمنتشرة. وعرف المحاضر الدكتور حاتم الهاني بأنه يعتبر من ابرز الاستشاريين البارزين في هذا المجال وقدم العديد من المحاضرات العلمية والتوعوية حول فيروس كوفيد ١٩، كما اجريت معه لقاءات صحفية ومتلفزة عديدة، وشارك في العديد من المؤتمرات المحلية والدولية وقدم اوراق المية منشورة في مجلات علمية محكمة، وهو أستشاري الاطفال والالتهابات والامراض المعدية، وعمل سابقا مديرا لإدارة الطب الوقائي بالمنطقة الشرقية.
افتتح الدكتور حاتم الهاني محاضرته بالقول أن الإنجازات التي حققتها المملكة في مكافحة جائحة كوفيد 19 تعتبر من بين الأنجح في العالم بسبب سرعة الإجراءات الاحترازية وشموليتها واعتماد الصرف اللازم لها دون حدود، مؤكدا على ضرورة التأني في الحصول على المعرفة الصحيحة والمسئولة حول فيروس كوفيد 19 ولقاحاته لأن هناك العديد من المصادر الغير منضبطة وتتأثر بعضها بالتفاعلات السياسية والثقافية والاجتماعية مما ينعكس على عدم دقتها وموضعيتها. وقال الدكتور الهاني أن عدد حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19 المسجلة حول العالم بلغت أكثر من ٨٠ مليون إصابة وما يقارب مليوني وفاة، ووصلت حالات الإصابة في المملكة إلى ٣٦٢ ألف حالة وما يزيد عن ٦ آلاف وفاة، وأن الإجراءات الاحترازية السريعة في المملكة كانت من أسباب انخفاض الإصابات مقارنة بدول أخرى.
وتحدث الهاني حول اللقاحات المناعية قائلا أن رحلة البشر مع اللقاحات لها ما يقارب ٣٠٠ سنة من تاريخ الأوبئة أي منذ القرن 17، ومرت اللقاحات بتجارب عديدة نجحت في حماية الناس واختفاء تام على بعض الميكروبات والقضاء على بعض الأوبئة المميتة بنسبة تصل ل ١٠٠٪ منها شلل الأطفال والجدري، والسل، والانفلونزا الاسبانية، وغيرها، فكل طفل يأخذ عشرات اللقاحات لأمراض مختلفة. وأوضح أنه رافقت حملات التطعيم ومنذ بدايتها إشاعات التخويف وإثارة الرعب، وما زالت تتجدد مع كل اعلان للقاح جديد تتخللها اثارة لأفكار المؤامرة وتصور اللقاحات كوحش مرعب يهدف لتقليص عدد سكان الأرض وكذلك التشكيك في مصلحة الجهات الصحية والعلمية، مؤكدا أن علينا أن نتعلّم من تجارب الماضين وأن نعمل بدروس الاوبئة السابقة لتخطي ازمة كوفيد 19، التي ترجح اتباع الأدلة العلمية والإرشادات الصحية الوقائية، وأن اللقاحات تعتبر كحزام الأمان في السياقة للحد من أضرار الحوادث، وأهمية النظر إلى المنفعة المترتبة حيث أن الكثير من اللقاحات تعطى على شكل عدة جرعات من أجل بناء المناعة.
واستعرض الدكتور حاتم الهاني تجارب لقاحات الأوبئة السابقة التي مرت على البشرية، ومن بينها تفشي شلل الأطفال في خمسينات القرن الماضي وأدى إلى وفاة 57 ألف شخص عام 1952م، وكذلك الانفلونزا الاسبانية التي بدأت عام 1918م واستمرت على ثلاث موجات وراح ضحيتها 40-60 مليون انسان، ومثلها أمراض فيروسية عديدة. وتحدث حول الأسئلة التي تطرح كل مرة تمر على البشرية فيروسات معدية وذلك من قبيل مصدر الفيروس، ومن خلفه وسببه، وطرق انتشاره، وغيرها من الأسئلة التي قد لا تكون الإجابة عليها متوفرة أو واضحة في وقتها.
وحول لقاح كوفيد 19، بين الهاني أن السرعة في انتاج اللقاح جاءت لأن العلماء توفرت لديهم الجينوم البشري وهو أمر غير مسبوق ويعد من أكبر الإنجازات البشرية الكبرى، حيث عمل عليه 18 مختبرا حول العالم لمدة 13 سنة وكلف 3 بليون دولار، وذلك سهل كثيرا عملية الأبحاث والدراسات التي تمت على الفيروس. وأوضح أن هناك 115 مشروع لقاح تم العمل عليها خلال هذه الجائحة ومنذ الأيام الأولى وصلت مجموعة بسيطة منها للمراحل النهائية حيث استبعد منها 37 مشروعا، وبعد الاختبارات تم الترخيص للقاحات بعدد اليد الواحدة، اختارت السعودية ودول عديدة منها لقاح فايزر لأمانه وفعاليته. وأضاف أن المضاعفات الجانبية للقاح بسيطة ولا تتجاوز عادة ألم بسيط في مكان الحقن، وتعب بسيط وارتفاع طفيف في درجة الحرارة لدى بعض من يحصل على اللقاح وتنتهي الاعراض عادة بعد يومين من أخذ الجرعة، وأن اللقاح تم تجريبه على 51 ألف شخص من أجناس مختلفة ما عدا الحوامل والأطفال، وأثبت فعالية بمقدار 52% بعد الجرعة الأولى و٩٥٪ بعد الجرعة الثانية، وكان هناك تراجع ملحوظ في عدد الإصابات عند متلقي لقاح كوفيد 19، ولا يوجد لقاح يضمن عدم الإصابة بنسبة 100%.
وقال أن اللقاح لن يُقدم في الفترة الحالية للأطفال دون ١٨ سنة ولا الحوامل وذلك لانتظار اكتمال الأبحاث، وأن الموانع من أخذ اللقاح تشمل الحساسية الشديدة لبعض مكونات اللقاح، ويمكن للمصابين بأنواع الحساسية الأخرى الشائعة تلقي اللقاح. وأكمل حديثه قائلا أنه لا يوجد اجماع تام على كل القضايا، ولكن يلزم الموضوعية والمعرفة وتقبل الرأي الآخر الملتزم والمسئول، موضحا أن الجديد في هذا الفيروس هو أن عدد حالات العدوى يتشكل عبر متوالية هندسية مما قد يؤدي إلى عدم قدرة المستشفيات لاحتواء أعداد المصابين ويشكل أزمات كبيرة وخاصة أن المعلومات حول الفيروس لا تزال محدودة. وأوضح أن من أسباب زيادة انتشار الفيروس في بعض الدول هي التأخر في إعطاء اللقاحات، والتساهل والانفتاح في التجمعات وخاصة في المناسبات والاحتفالات.
وأكد في نهاية حديثه أنه ينبغي أخذ المعلومات الصحيحة من مصادرها الموثوقة مثل وزارة الصحة والجهات الرسمية والعلمية العالمية، وعدم الاعتماد على مصادر غير علمية واجتهادات غير المتخصصين. وطالب بضرورة حرص الجميع على اتباع التعليمات الصحية والإجراءات الاحترازية، والاستجابة السريعة لتكوين منظومات معرفية إقليميا وعالميا لنتساعد في نشر الثقافة السليمة حول الفيروس.
وفي بداية فقرة المداخلات، طرح الدكتور وسيم الطلالوة معلومات حول استخدام تقنية MRNA وكونها جديدة بدأت حديثا مع لقاحات هذا الفيروس، متسائلا عن تمكن العلماء لتحديد سبب فعالية تقليص العدوى وهل هي ناتجة عن اللقاح أو استخدام الكمامات، وحول مدة المناعة بسبب أخذ اللقاح. وتساءل الأستاذ نادر البراهيم عن سبب أخذ جرعتين للقاح بدلا من جرعة واحدة، ومدى ضمانات المناعة عند أخذ اللقاح، كما طرحت الأستاذ نجود العلي سؤالا عن تأثير اللقاح على الأشخاص الذين لديهم مناعة ضعيفة أو المصابين بكوفيد 19. وختم اللقاء بمداخلة الدكتورة أميرة كشغري التي أثنت على المحاضرة وفائدتها للمجتمع وخاصة أن الكثيرين يعيشون في حالة فوضى معلومات متضاربة بينما هم في أمس الحاجة لمعلومات علمية وصحيحة.
المحاضرة الكاملة: