حوار في منتدى الثلاثاء حول الانتماء الديني والهوية الوطنية

462

ضمن برنامجه الثقافي للموسم الحادي والعشرين، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 28 جمادى الأول 1442هـ الموافق 12 يناير 2021م استاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتور وجيه قانصو للحديث حول “الانتماء الديني والهوية الوطنية: الحالة العربية نموذجا”، تناولت عدة محاور من أبرزها: اشكالات العلاقة بين الدين والوطن، التوظيف السياسي لاشتباك الدين والوطن، وكيف يحضر الدين في الوطن؟، وعرض لنماذج اجتماعية ناجزة من العلاقة الإيجابية. وقدم مدير الندوة الأستاذ وحيد الغامدي اللقاء بالحديث حول موضوع الهوية في المنطقة العربية وكونها مولدة للعديد من الأزمات السياسية والاجتماعية والفكرية وخاصة عند تعارضها – كما يطرح البعض – مع الانتماء الديني والمذهبي، معرفا بالمحاضر الدكتور وجيه قانصو بأنه يعمل استاذا للفلسفة في الجامعة اللبنانية، وهو اكاديمي وباحث متخصص في علوم التأويل والفكر السياسي، حاصل على شهادة الدكتوراه والماجستير في الفلسفة من جامعة الروح المقدس بلبنان، وشغل مدير المعهد الملكي لدراسات الأديان في الأردن، وهو عضو الفريق العربي للحوار، وله عدة مؤلفات منها: التعددية الدينية في فلسفة جون هيك، النص الديني في الاسلام، الشيعة الامامية بين النص والتاريخ.

بدأ الدكتور وجيه قانصو حديثه بالقول أن الذهنية العربية تحمل بشكل راسخ اعتقادا بالتعارض بين الهويتين الدينية والوطنية، وهو تعارض في بنية التفكير وليس في الأداء وله علاقة بالسياق التاريخي للمنطقة، موضحا أن هناك عاملين يعتبران من المعطيات المؤثرة في هذا التعارض، أولهما سقوط الخلافة العثمانية التي كانت تعتبر الاطار الجامع بين الرمزية الدينية والقيادة السياسية الناظمة، وأن هذا السقوط جعل العرب في حالة انكشاف أمام الغرب، وثانيها  التقسيمات الاستعمارية التي حدثت في المنطقة العربية واسست أمما وكيانات لدول حديثة بالمعنى الشكلي ضمن سياقات مفروضة. وأوضح أن الغرب جاء للمنطقة بمنجز علمي وفلسفي وسياسي ووعاء فكري شامل، وأن الفراغ الفكري والمعرفي لدى المسلمين أدى إلى ضخ الكثير من الأفكار وإلى ضعف واضح ليس فقط في مقاومتها، بل حتى في فهمها، حيث تمت المعالجة من خلال المرجعية الفقهية واستخدام القياس كالشورى في مقابل الديمقراطية مثلا، وهو قياس المجهول على المعلوم، مضيفا أن الموضوعات الحديثة كالدولة والمجتمع والوطن هي مفاهيم، والمؤسسة الفقهية ذات الطبيعة العملية وليست النظرية لم تطور من أدواتها بحيث تتمكن من تشخيص المفاهيم الحديثة.

وأوضح الدكتور وجيه قانصو أن النتاجات الفقهية طوال هذه الفترة هي تاريخية وأنتجت ثقافات مذهبية، وتتطلب إعادة قراءة التراث دون مواقف مسبقة أي حضور الماضي في الحاضر، وأن المشكلة ليست في النتاجات، بل في الأدوات التي تشكل مقدمات الفرضيات والنتائج.  وقال أنه أصبح هناك تداخل بين الموقف السياسي من الغرب وبين المفاهيم التي يطرحها، وتحول ذلك إلى رفض كامل للمنجز المعرفي والفكري للغرب وإلى غلبة وسيطرة التفكير السلبي تجاهه، وقال أنه نتج عن هذا التأزم تضخما للهوية وعودة للماضي لملأ الفراغ الناتج من أجل خلق توازن مع الخصم، وأصبح هناك عودة للتراث وإعادة انتاجه والتعامل معه بقراءة ايدولوجية، ورفع شعارات بدلا من البناء الفكري النظري. وقال إن الخلافة وعلى الرغم من كونها انموذجا للتوافق في الوعي الإسلامي العام إلا أن نهايتها كانت موتا طبيعيا لوجود خلل فيها، كما يقول غلي عبد الرازق “أن الخلافة ليست من خطط الإسلام في شيء”، وظل الوعي العام يبحث عن انتظام آخر بسبب حالة الانكسار. وبين أنه بعد مرحلة الامبراطوريات، جاءت النظم السياسية الجديدة وتشكلت الدولة الأمة كتطور طبيعي للانتظام الاجتماعي والسياسي، ولم يعد الدين هو المحدد الحصري للانتماء بين الجماعة الخاصة، بل مشتركات وطنية أخرى، حيث لا تعود الهوية الدينية متوافقة مع الهوية السياسية، ولم يعد الدين المحدد الحصري للانتماء بين أفراد مجتمع لديه مشتركات معينة كجماعة خاصة يعيش فوق أرض جغرافية محددة.

وقال قانصو أنه نشأ التعارض بين الهويتين الدينية والوطنية من تضخيم الايدولوجيات الاسلاموية، كالدعوة لوطن إسلامي ودولة إسلامية، وبسبب الفكر المتأزم الذي ولد مفهوم الحاكمية التي تجعل من الإسلام قوالب جامدة، بينما هو يحمل مفاهيم متحركة ومرنة، مضيفا أننا لسنا أمام انتماء ديني يقابل انتماء وطني يعارضه، بل ينبغي ان يشتغل الاجتهاد الاسلمي في التفكير في كيفية أن نجد الوطن في الدين ونجد الدين في الوطن، مؤكدا على أننا نحتاج لنشاط ابتكاري كي يكون الدين فاعلا ليحقق حضوره داخل الوطن، حيث لا توجد انتماءات دينية – وطنية متقابلة او متشابكة بل هي انتماءات متكاملة، وأنه لا توجد هوية دينية خارج الوطن، مبينا أن الدين والمذهب ليسا هوية بذاتها، بل لا بد أن تتموضع داخل مجال محدد، وبدون ذلك يحدث انفصال عن المجال الموجود فيه، ولا بد من وجود هوية سياسية جامعة والاندماج فيها.

وأشار الدكتور وجيه قانصو في محاضرته إلى أن الحديث عن الأشكال والانتظامات في الخلافة والامبراطوريات التاريخية كنماذج ليس له أي معنى، لأن هذه الأشكال التاريخية لا يمكن أن تعود، فلا يمكن للماضي أن يكون مستقبلا، وأن قيام الدولة الحديثة يستند على مرتكزات مختلفة عما كانت عليه تلك الامبراطوريات. وأكد على أن المذاهب هي أطر اعتقاد واجتهاد معين لإعطاء حكم شرعي حيث لا يمكن لفكر أن يشتغل داخل مذهب معين لأن الفكر يشتغل على النقد وإنتاج المفاهيم ولا يمكن أن يكون له مستند مذهبي، وبالتالي فإنه لا يوجد تعارض بين الهوية الوطنية والانتماء الديني فالدين يتكيف مع مختلف أشكال الانتظام الاجتماعي والإنساني العام، وأن الهوية الدينية والوطنية ليستا متقابلتان، بل هما متداخلتان ومتكاملتان مع بعضهما البعض، وأن التعارض بينهما نشأ في الوعي المأزوم. وختم محاضرته مؤكدا على أن الهوية كائن متحرك ومتعدد الأبعاد وليست ذات بعد واحد، وينبغي العمل على تحقيق تكاملا وتفاعلا في تعزيز الهويتين من خلال الحيوية الاجتماعية والتكامل بين الدولة والمجتمع، فالمجتمع خارج الدولة بداوة والدولة بدون مجتمع لا شيء.

وبدأ المداخلات الدكتور محمد الزهراني بتأكيده على أن الإسلام شوري ديمقراطي وليس امبراطوريا، وأن الخلل هو في التطبيق وليس في النظام، وأنه لا يوجد هناك تعارض بين الحكم الإسلامي والوطنية من ناحية الفكر والتطبيق، كما أشار الأستاذ نادر البراهيم إلى أن المحاضر أخذ الجميع مرحلة الخلافة إلى مرحلة الإسلام السياسي الذي يجعل من الجماعات المؤمنة به حكاما وعارفين والهدف كله هو السيطرة والسلطة، متسائلا عن سبل تفكيك المفهوم الديني الماضوي والوطني مع الأخذ بعين الاعتبار أن العلوم الفقهية مهيمنة على المجال الاجتماعي. وطرح الأستاذ أحمد العريبي تأييدا لفكرة المحاضر بأنه لا يوجد هناك تعارض بين الهويتين وإذا قرأت الأفكار الدينية خارج المذهبية وفوقها فإن هذه الإشكالات تنتهي.

وناقش الأستاذ حسين الباني تطور الهوية مشيرا إلى أنها تتطور مع تطور الانسان وينبغي العمل على تصحيح وإصلاح الهوية لتكون متوافقة مع عصرنا الحاضر، وتحدث المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب حول أهمية تناول هذا الموضوع الشائك الذي يسهم في معالجة أزمة قائمة في العديد من المجتمعات المسلمة ويضع حدودا واضحة ومتصالحة بين هذه الانتماءات كي لا يشكل التعارض بينها حدوث أزمات وصراعات.

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد