الحوار الإسلامي المسيحي على منصة منتدى الثلاثاء

310

بحضور جمع من المثقفين والمهتمين، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي ندوة “الحوار الاسلامي المسيحي: الضرورات والتحديات” بمشاركة القس الدكتور رياض جرجور الامين العام للفريق العربي للحوار الاسلامي المسيحي، وذلك مساء الثلاثاء 9 ربيع الثاني 1442هـ الموافق 24 نوفمبر 2020م، وتناولت الندوة مواضيع ذات علاقة بالحوار، أبرزها: أهمية وضرورة الحوار في المنطقة العربية، وعرض لتجربة الحوار الاسلامي المسيحي، وتحديات وآفاق الحوار ومستقبله، والعلاقة مع الغرب والإسلاموفوبيا. وأدار الندوة الأستاذ بدر الشبيب الذي تحدث عن كون الأصل في الحياة هو التواصل والحوار من خلال التعارف ومن أجل بناء علاقة ترابطية بين بني البشر، موضحا أن الحوار أصبح أكثر الحاحا في هذه المرحلة نظرا للظروف التي نمر بها وخاصة على مستوى الديانات الابراهيمية. وعرف مدير الندوة المحاضر القس الدكتور رياض جرجور بأنه نال شهادة الدكتوراه في اللاهوت من جامعة McCormick (شيكاغو- الولايات المتحدة الأميركية)، وعُين أمينًا عامًا مشاركًا في مجلس كنائس الشرق الأوسط، كما يترأس منتدى التنمية والثقافة والحوار، ونظم لقاءات مشتركة من بينها “مسلمون ومسيحيون معًا من أجل القدس”، و “الحوار والعيش المشترك، ميثاق إسلامي – مسيحي”، ويسعى الآن مع الفريق العربي لإصدار وثيقة الاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين.

تحدث القس رياض جرجور في بداية الندوة حول الاحداث والتوترات المتواصلة وخاصة المظاهرات الأخيرة المضادة للعنصرية والتي انتشرت في امريكا واوروبا التي ينبغي أن تدفع لمواصلة الحوار بين مختلف الاطراف من اجل التخفيف من هذه التوترات الحادة.  ووصف السياق الاقليمي بأنه يتسم بعدة مظاهر ابرزها: عودة التدين منذ تسعينات القرن الماضي، وتحول الدين كعنصر أساس في صيرورة المجتمعات البشرية، ومآلات الحالة الدينية من صراع الحضارات وخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر، مضيفا أن المطلوب في الحوار هو العمل على ازالة الالتباسات عن الاديان، وتجاوز اعتبار الدين وكأنه مكون تكوينا نهائيا، ومعالجة النظرة المشوهة للذات وللآخر الذي من المفترض أن تكون موضوعية وواقعية، وتحاشي الوقوع في المطبات المعرفية كالمفاضلة والفوقية وإظهار التفوق.

وأوضح أن الحوار قد يكون حوارا عقائديا او حوارا للحياة والعيش المشترك او جامعا بينهما، والتجربة تثبت ان حوار العيش المشترك هو الاكثر الحاحا وإفادة للمجتمعات البشرية، معتبرا إياه أحد الوسائل والأولويات الضرورية لإنجاح الحوار بالإضافة إلى عملية رصد حالة العيش المشترك رصدا موضوعيا لمعالجة التصورات والاسقاطات المفروضة على المجتمعات. وحول الاسلاموفوبيا قال بأنها حالة من القلق والخوف من الاسلام نسجها الغرب واثار رعب المجتمعات منه فكريا وعمليا، ونتجت عنها مواقف وسياسات غير عادلة، موضحا أن الحوار ينطلق من حق الآخر في المعتقد واحترام خصوصيات ومعتقدات كل طرف، وحق أهل كل ديانة تعليم أتباعهم، وعدم المس بالرموز والمقدسات الدينية، ووقف الطرفين معا ضد المساس بأي رمز لأي منهما، حيث أنه لا يمكن لحرية التعبير ان تكون وسيلة للافتراء على الآخر وخلق الفتنة.

وأضاف الدكتور جرجور في جانب من حديثه أنه من المهم نقل الحوار الاسلامي المسيحي من النخب الدينية والثقافية الى القواعد الشعبية ومواجهة الجهل بالآخر وعمليات تشويه الصورة، ونشر وتدريس ميثاق اسلامي مسيحي، مضيفا أن من معوقات الحوار استخدامه لتبشير الآخرين، والمفاضلة واظهار التفوق، والجهل بالطرف الآخر. وطالب في حديثه بعقد لقاءات حوارية شرقية غربية متواصلة لمعالجة هذه الإشكالات والحديث حولها، قائلا بأن هناك حاجة لمعالجة آفة الأمية والجهل بالآخر وتشويه سمعته، منبها إلى مشكلة الهجرة الواسعة للمسيحيين العرب للخارج بسبب التوترات والصراعات الدينية في المنطقة وبسبب السلوك المتطرف والتوظيف السياسي للدين، وموضحا أنه على الرغم من عمق التحديات التي تواجه مشاريع الحوار، الا انه لا يزال الحوار هو الخيار الافضل المتاح، وعلينا التأكيد على ربطه بالمعرفة الموضوعية بدلا من الجهل.

واستعرض في جانب من حديثه تجربته في مجال الحوار الإسلامي المسيحي على مدى عدة عقود من خلال المؤسسات الاجتماعية والخدمية والأنشطة الفكرية في مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومنتدى التنمية والثقافة والحوار، والفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي. وعدد المؤتمرات واللقاءات الحوارية التي ساهم في تنظيمها طوال الفترة الماضية، والتي من أبرزها مؤتمر مسلمون ومسيحيون من أجل القدس عام 1996، وأكد في خاتمة حديثه انه لا يوجد خلاف اسلامي مسيحي في المنطقة على مستوى القيادات الدينية والسياسية، وهناك حالة من المصارحة والوضوح والتكامل بين مختلف الاطراف، مشيرا إلى أن جراح الحروب الاهلية لا تندمل بسهولة، وقد تظل حاضرة لعدة أجيال، ولهذا ينبغي العمل على ضبط خطاب الكراهية والتحريض عليها والعمل على تعزيز مفاهيم المواطنة ومعالجة التوترات وبناء السلم الاهلي.

وجاءت مداخلات المتابعين متنوعة وشاملة، فتساءل الأستاذ بدر الشبيب عن واقع العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة العربية وتقييمها حاليا، وطرح الدكتور احمد الهلال فكرة استهلاكية مفردة “الحوار” على جميع الأصعدة دون أن تؤتي ثمارا تذكر بسبب وجود إشكالات تطبيقية في عملية الحوار ذاتها حيث نقفز عن المثاقفة والمعرفة بالطرف الآخر. وتحدث الأستاذ أحمد الخميس عن دور المسيحيين العرب في اثراء الثقافة العربية في مراحل سابقة لكنهم انكفئوا في المرحلة الحاضرة متسائلا عن أسباب ذلك، كما طرح الدكتور محمد الزهراني اشكالا حول المواقف المتطرفة لبعض المسيحيين والغرب والصهيونية ضد المسلمين معتبرا ذلك سبب الخلاف الإسلامي المسيحي، متسائلا عن ارتباط مجلس الكنائس بأغراض سياسية غربية ووقوف بعض المسيحيين ضد الجامعة الإسلامية.

وتساءل الأستاذ صالح الشايع عن مدى حضور وحجم وفاعلية المبادرات الحوارية وتأثيرها في الساحة العربية، وقال الأستاذ منصور أبو خنجر أن الحوار على أساس التعايش قد يحدث مغالطات أحيانا من خلال تراجع مكانة العقيدة وموقعيتها بين العموم مطالبا بأن يكون الحوار بين النخب وليس العامة. وطرحت الأستاذة اميلين طنوس ان العولمة أثرت كثيرا على نمط الحوار وأن الفردانية دفعت الكثير نحو الذاتية وتحولت الاصطفافات إلى مواقف ثابتة بحيث لم تتمكن اللقاءات الحوارية من تغييرها، وأضاف الأستاذ وضاح دوري أن الحرب الأهلية في لبنان كانت بداية الانشطار بين الطوائف وعلينا ان نتعلم من الماضي لتجاوز الصدامات والانشطار المجتمعي.

ورد القس الدكتور رياض جرجور على أسئلة ومداخلات المتابعين بقوله أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة كانت جيدة في الماضي، ولكنها توترت في مراحل زمنية لاحقة بسبب انتشار حالة التطرف والعنف الموجه ضد الآخر وتوظيف الدين في السياسة، والآن هي في وضع أفضل بشكل عام مما كانت عليه. وأوضح أنه بعد أحداث 11 سبتمبر أشكل البعض على دور الحوار في الحد من النزاعات دون أن يقدموا أي بديل ممكن، مشيرا إلى أن الغرب أيضا يعاني من حالة الجهل بالآخر ومعرفته وأن الجهل يقود للخوف والعداوة، وأوضح أن الجيل السابق من المفكرين المبدعين المسيحيين العرب لن نشهد له تكرارا بسبب اختلاف تلك المرحلة عما نحن عليه الآن. وعلق المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب في نهاية اللقاء بالثناء على الجهود الكبيرة التي تبذل في الحوار الداخلي بين المسلمين والمسيحيين والمبادرات التدريبية للشباب على الحوار ودراسة دور الأديان في تعزيز الحوار ومفاهيم حقوق الانسان، مؤكد على الحاجة الماسة لعقد مثل هذه الندوات التي تساهم في التعريف بالآخر.

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد