رئيس ارامكو السابق يتحدث عن تحديات القيادة بمنتدى الثلاثاء

322

 

في حضور ملفت وكثيف، افتتح منتدى الثلاثاء الثقافي موسمه السابع عشر باستضافة الأستاذ عبد الله بن صالح بن جمعة الرئيس السابق لشركة أرامكو السعودية لإلقاء محاضرة تحت عنوان “تحديات القيادة في المؤسسات الكبرى”، وذلك مساء الثلاثاء 17 محرم 1438هـ الموافق 18 أكتوبر 2016م.

وافتتح اللقاء مدير الندوة الأستاذ ميرزا الخويلدي الذي وصف المحاضر بأن حياته طالبا ومهنيا واداريا وانسانا ومثقفا وقارئا نهما مصدر الهام واثراء معرفي لا يتوقف، وأن حياته كانت مفعمة بالطموح والتحدي والسباق مع الزمن لتحقيق النجاح، وأنه من مواليد مدينة الخبر شرق السعودية ودرس العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في كل من القاهرة وبيروت ثم اكمل برنامج التطوير الإداري في جامعة هارفارد، وطوى في شركة أرامكو 41 سنة من العمل في مجالات مختلفة بينها 14 سنة رئيسا للشركة وكبير إدارييها التنفيذيين، وهو أحد الشخصيات العالمية المعروفة في مجال الطاقة والزيت والغاز، وعلى الصعيد الثقافي فعرف عن عبد الله جمعة أنه قارئ نهم وبمختلف اللغات ومتذوق وحافظ للشعر وقدم عملا ادبيا متقن الأداء يعيد انتاج ملحمة “جلجامش” بروحها الشعرية ذات المضامين الآسرة.

وألقى بعد هذه المقدمة صاحب منتدى الثلاثاء الثقافي الأستاذ جعفر الشايب كلمة ترحيبية بالحضور وأشاد فيها بالضيف مشيرا الى مقترح لتحويل تجربته الطويلة في مجال القيادة الى مادة تدريبية للقيادات الشابة في وطننا من خلال إقامة أكاديمية متخصصة في هذا المجال تحمل اسمه. واستعرض فعاليات المنتدى طوال الستة عشر عاما الماضية حيث أقام 359 ندوة شارك فيها 544 ضيفا وعشرات المعارض الفنية وتكريم العديد من المؤسسات والشخصيات، ولفت إلى أن المنتدى حاز على تكريم وزارة الثقافة والاعلام عام 2010م وجائزة “شايو” لحقوق الانسان من بعثة الاتحاد الأوروبي بالمملكة عام 2015م، واقام المنتدى عدة شراكات مع مؤسسات ثقافية محلية وإقليمية. كما شكر الداعمين للمنتدى من رجال الأعمال والمسئولين في المحافظة على تعاونهم ودعمهم.

بدأ الأستاذ عبد الله جمعة حديثه بنقل تجربة مرت بها شركة أرامكو السعودية ابان حرب الخليج الأولى التي فرضت على الشركة ظروفا غي متوقعة وبالتالي تعاملت معها بصورة استثنائية، ووصف حال الشركة وموظفيها وعوائلهم وقت الحرب حيث أصيبوا بالهلع والخوف في الوقت الذي كان على الشركة العمل على تعويض النقص في سوق البترول العالمي بزيادة الإنتاج. وأوضح ان إدارة الشركة نجحت تقنيا في إدارة الأزمة بصورة باهرة وأنجزت ذلك بصورة باهرة، مشيدا بدور الأستاذ علي النعيمي حينها. وأوضح أن إدارة الشركة اكتشفت أن الموظفين كانوا قادرين على تشغيل كل المعامل بصورة جيدة، إلا أنهم اكتشفوا أيضا أن الإدارة لم تتمكن من التعامل مع حالة الخوف والهلع لدى موظفي الشركة بصورة فعالة، وهو درس مهم في ضرورة استخدام ما أطلق عليه “المهارات الناعمة” وهي التعامل مع البشر والوصول إليهم كي يستوعبوا اهتماما وظروف وأهداف الإدارة وهي من أصعب المهام في المؤسسات الكبرى.

انتقل المحاضر للحديث بصورة مفصلة وشيقة حول بعض أساليب “المهارات الناعمة” مستشهدا بالعديد من الأمثلة الواقعية والمحلية، منها قدرة القيادة على صناعة فريق متوافق واعطائهم ثقة في قدراتهم وخاصة في البيئات المتعددة الثقافات والتفاعل بينها، وأهمية التواضع لدى القائد والاستماع لمنسوبي المؤسسة والفريق العامل معه لتشكيل رأي مشترك حيث أن مهرة الاستماع هي من أهم المهارات المطلوبة. كما أشار أيضا إلى أهمية إبداء الاهتمام بكل موظف باعتباره عنصرا مهما في منظومة العمل وإشعاره بدوره في إنجاح المؤسسة، وكذلك أهمية إعطاء الحرية للموظف كي يبدي رأيه فهناك ثراء في الآراء والأفكار عندما تتاح الفرصة للتعبير عنها مستشهدا بمشروع حملة الابتكار الذي أطلق في شركة أرامكو عام 2002م ونتج عنه حوالي 10 آلاف فكرة جديدة كل عام في مختلف المجالات والكثير منها تم تطبيقه او حصلت على براءات اختراع او تحولت الى مشاريع تجارية، وأعرب عن تطلعه حينها لأن يكون الشخص الذي يخرج المارد من القمقم.

وواصل عبد الله جمعة حديثه حول “المهارات الناعمة” ليضيف أسلوب الاستمرارية وعدم الاسترخاء، موضحا أن الاطمئنان يقود الى وقوع كوراث وهو ينطبق على كل شيء بما في ذلك مباريات كرة القدم حيث ينبغي ان تكون هناك يقظة وانتباه طول الوقت مهما كانت الظروف مؤاتيه. وأضاف أيضا إلى ضرورة التعلم من الأخطاء وتحويلها الى دروس في النجاح مستشهدا بالعديد من الأمثلة التي وقعت في شركة أرامكو كحالة الانشغال عن المشاريع القائمة بمشاريع جديدة، موضحا أن القرارات الجيدة هي نتيجة قرارات سيئة اتخذت سابقا. وأخيرا أوضح أن من أهم أساليب “المهارات الناعمة” استشراف وقراءة المستقبل فالقيادة ينبغي ان تدرك وتستوعب المتغيرات وأن تكون لديها القدرة على فهم الظروف المستقبلية واستيعابها مستشهدا بالتوجه مبكرا لدى الشركة للانفتاح والعمل في الصين وشرق اسيا منذ فترة طويلة.

وفي حواره الشيق مع الأستاذ ميرزا الخويلدي، تحدث الأستاذ عبد الله جمعة عن تجاربه الحياتية فبدأها بالحديث عن أسرته فوالدته الحافظة للقرآن والتي كانت تعلمه للطلبة من الجنسين كانت أيضا تستمع للموسيقى وعندما يناقشها البعض تقول لهم بأنكم جئتم بدين جديد، كما تحدث عن دور زوجته أيضا في تربية أبنائهما ونجاحهم في الحياة بشكل مستقل. وردا على سؤال حول العمل بعد التقاعد أشار جمعة الى أهمية الاستفادة من الوقت في القراءة والاطلاع والمشاركة في مجالس إدارات المؤسسات الخيرية والتي تقوم بخدمة المجتمع، كما تحدث عن تجربته في الرياضة أثناء انضمامه لعضوية المنتخب، وأكد على أهمية التوازني بين المهارات الناعمة والصلبة، وعن اهتمامه بكتابة تراث المنطقة والمهمشين في مدينته القديمة حيث جمع الكثير منها.

بدأت بعدها المداخلات من قبل الحضور، وكانت المشاركة الأولى للأستاذ محمد جعفر المكسين الذي أشار إلى أن الشركة لابد لها أن تلتفت لمجال الصحة والتعليم وأن تطور فيهما بقدر المستطاع من خلال الشراكات مع مؤسسات علية وطبية عالمية متخصصة، وطلب الأستاذ علي الحرز تسليط الضوء على كتابه المترجم “جلجامش”، وتساءل الشاب حسن الشخص عن الطرق المثلى التي يجب على الشباب المتطلعين أن يسيرو عليها في ظل الصعوبات والتحديات الحالية، وتساءل أيضا محمد طاهر عن صفات القيادة وهل هي مكتسبة أو موروثة. وطرحت الأستاذة نسيمة السادة عن أسباب التغير في ثقافة موظفي أرامكو في السابق عن الفترة الحالية حيث كانوا اكثر التزاما وانضباطا، مجيبا عليها بأن ثقافة المجتمع كلها تغيرت وأصبحت هناك ضرورة الآن إلى أعادة تثقيف الموظفين الجدد لأن الثقافة والفر تغير بينما في السابق كانوا مهيئين، وأن شركة أرامكو الحالية هي 15 مرة أكبر مما كانت عليه وقتما كانت امريكية.

وفي رده على سؤال الأستاذة عالية آل فريد حول بيروقراطية الأجهزة الحكومية أوضح أن هناك بيروقراطية ولكنها أفضل بكثير من العديد من الدول التي زارها. وحول سؤال الأستاذ زكي أبو السعود عن مشاركة المرأة في عمل شركة أرامكو، أجاب بأن دورها كان مميزا وأنها أكثر إنتاجية في الدراسة والعمل مطالبا إلى ضرورة نقل هذه التجربة للمؤسسات والشركات الأخرى وأن قرار ادخال العنصر النسائي كان نابعا من داخل الشركة نفسها. وتساءل الأستاذ صالح عمير حول التعامل مع المقاولين في أرامكو في توظيف السعوديين، وطلب الأستاذ أمين يعقوب مقارنة بين أساليب الإدارة العالمية المختلفة والتي أجاب عنها الضيف بصورة مفصلة موضحا ضرورة تعلم ثقافة المجتمعات الأخرى التي نتعامل معها. وطرح الأستاذ محمد الخباز سبب غياب التوجه للطاقة المتجددة وتأخر ذلك في شركة أرامكو، وطرق خلق حس المسئولية لدى الموظفين حيث أوضح المحاضر أهمية اشعار الموظفين بأنهم شركاء في المصلحة لتعزيز دورهم في إنجاح المؤسسة. وردا على سؤال الأستاذ علي البحراني حول وصفة النجاح للوصول إلى سدة القيادة، أجاب الأستاذ عبد الله جمعة بأنه ينبغي التوازن بين القدرة والطموح لدى الأفراد كي تكون خطواتهم محسوبة ومتواصلة.

وردا على سؤال الأستاذ علي الرضي حول الوضع الاقتصادي الحالي أجاب الحاضر بأن عايش تفاوتا في أسعار النفط وقت إدارته لأرامكو من 10-160 دولار للبرميل موضحا أن الدورة الاقتصادية تأخذ مجراها الطبيعي وأن الوضع الاقتصادي الحالي ليس بذلك السوء كما في دول أخرى. وتساءلت الأستاذة رجاء البوعلي عن كيفية التعامل مع إدارة لا تهتم بتطوير موظفيها، كما طرحت الأستاذة سارة الجشي سؤالا عن سبل تنمية العمل من قبل رواد الأعمال في هذه المرحلة. وأشار الأستاذ أحمد الخرمدي إلى أهمية التوجه لقطاع الشباب ومعالجة المعوقات التي تواجههم، كما تحدث الأستاذ نبيه البراهيم عن تجربته في العمل مع فريق اداري لمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي الذي أنشأته شركة أرامكو والذي سيتم افتتاحه قريبا. بعد هذا السيل من المداخلات والحوارات التي أجاب عليها كلها باستفاضة الضيف الكريم، تم تقديم درع تكريمي له من قبل صاحب منتدى الثلاثاء الثقافي الأستاذ جعفر الشايب الذي شكره على جميل مشاركته وحضوره في المنتدى.

رابط الخبر اضغط هنا

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد