دشن منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف موسمه الثقافي الثامن عشر باستضافة المهندس أحمد سلمان البدر المستشار السابق لوزير الصناعة والتجارة ورئيس شركة صحتك، في ندوة تحت عنوان “تأثير التكنولوجيا على خلق الوظائف في المملكة والشرق الأوسط ” وذلك مساء الثلاثاء 4 صفر 1439هـ الموافق 24 اكتوبر 2017، بحضور رجال أعمال وشخصيات اجتماعية وعدد من المثقفين والكتاب.
تضمنت الأمسية فعالياتُ مُصاحبة تَمثلت في تكريم الطالب حسين حبيب آل يعقوب من مدرسة النجاح الثانوية لحصوله على المركز الأول على مستوى المحافظة ووصوله إلى التصفيات النهائية على مستوى المملكة في مسابقة تحدي القراءة العربي في نسختها الثانية 2017م. كما شملت الفعاليات معرضا للوحات الفنان التشكيلي حسين المصوف، عضو جماعة الفنون بالقطيف والحائز على عدة جوائز محلية وعربية ودولية، حيث أمتع الحضور بحديثه عن تجربته المستوحاة من البيئة البحرية.
بدأت الندوة بكلمة الأستاذ زكي البحارنة رئيس اللجنة المنظمة للموسم الحالي الذي أشار فيها إلى أهمية مواكبة العمل الثقافي للمستجدات والتحولات السريعة على الساحة الاجتماعية والفكرية وملامستها ضمن الحوارات التفاعلية للمنتدى، كما أكد على استمرارية المنتدى في منهجية التواصل مع الأوساط الثقافية المختلفة الأهلية والرسمية. من جهة أخرى أشاد بشخصية الأديب الراحل الأستاذ حسن السبع قائلاً أن سيرته مثلت نموذجاً للمثقف الانسان وأن أدبياته في المقال والشعر والرواية شكلت ابداعاً يشار له بالبنان، وكان رحيله خسارة للوسط الثقافي الوطني.
أدار الندوة المهندس محمد الخباز عضو المجلس البلدي بالقطيف ممهداً لموضوع الحوار بالقول بأن كل مجتمعات العالم مرت بأزمات اقتصادية، وإن الذين استفادوا من تلك التجارب تطوروا وأصبحوا اليوم من أقوى المجتمعات، وكان التركيز على دعم ريادة الأعمال هو العامل المهم الذي ساعد دول الاقتصاديات المتطورة على تخطي ازماتها. كما عرف بضيف الندوة المهندس أحمد البدر الحاصل على بكالوريوس الهندسة ودرجة الماجستير في إدارة البرامج الكبرى من جامعة أكسفورد، وعمل مستشارا لوزير التجارة والصناعة، وترأس إدارة التشغيل بالمدن الاقتصادية، وعمل رئيسا مكلفا لبرنامج الاستراتيجية الوطنية للصناعة، كما عمل مديراً لإدارة التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ بهيئة المدن الصناعية.
بدأ المهندس البدر حديثه بتوضيح أهمية “ريادة الأعمال” في الدورة الاقتصادية، وبين أن بعض الشركات بدأت بأعمال متناهية الصغر ثم أصبحت لاحقا تقود مشاريع عملاقة تفوق ميزانياتها بعض الدول الغنية، مشيراً إلى النقلة العملاقة التي أحدثتها الهندسة الرقمية وبرامج التكنولوجيا الحديثة على ريادة الأعمال، ولذا فإن التكنولوجيا والاتجاهات المستقبلية أصبحا أمراً واحداً. بعد ذلك تطرق البدر لتأثير التكنولوجيا في ريادة الأعمال، حيث أشار في هذا الصدد إلى التغير الهائل في حركة الاقتصاد والتحول إلى التطبيقات الذكية واقتصاد المعرفة. وأشار أن من التحولات المهمة في عالم اليوم ما يسمى باقتصاد المشاركة الذي يقنن استهلاك الموارد ويساعد على تقليل الصرف ومن أمثلتها شركات (كريم وأوبر)، ومن أمثلتها أيضا إدخال الريبورتات في الأعمال خصوصاً في المصانع، الأمر الذي سيضع عبئ ثقيل على نظام التوظيف والوظائف مستقبلاً.
وأضاف أن من بين التحولات التوسع في مجالات “قاعدة البيانات الضخمة” كجمع المعلومات المختلفة والتفصيلية لطبيعة حياة الشعوب الاستهلاكية والخدمية، حيث تعمل مؤسسات عديدة ومتخصصة على جمع هذه المعلومات وتبادلها. وأكد أن هذا التغير بقدر ما يعمل على تقليص الوظائف، فإنه يخلق فرصا جديدة للعمل والاستثمار من خلال توظيف وسائل التكنولوجيا، داعياً الجيل الناشئ من الشباب إلى التهيؤ لاستثمار هذه الفرص بالانخراط في التخصصات الهندسية والتي لها مساس بالتكنولوجيا.
في جانب آخر، أشار الأستاذ البدر إلى النقاشات التي تدور في صندوق النقد الدولي والتي من ضمنها كيفية معالجة مشكلة تقلص الوظائف بسبب التطور التكنولوجي وضرورة خلق وظائف جديدة، حيث أشار إلى فكرة إعادة الاستفادة من الموظفين السابقين في إدارة الأعمال بشكل أفضل، وذلك من خلال ما يسمى ب”ذكاء الأعمال”. وانتقد المهندس البدر غياب الاستثمار الأفضل للتكنولوجيا من قبل الأفراد والشركات، مطالبا الشركات بأن تعيد تأهيل الموظفين والاحتفاظ بهم لأداء خدمات جديدة على أسس تقنية حديثة.
وتطرق المهندس أحمد البدر إلى جانب من تجربته الشخصية التي بدأت كموظف في عدة شركات، وخبر خلالها كيف تدار الشركات، وكانت له أربع محاولات متعثرة، ثم تحققت له النجاحات وكان أبرزها الدخول في منافسة مع ستين شركة من عدة بلدان عربية أواخر 2016م. وبعد تحقيقه المركز الأول على مستوى المملكة، جرت التصفيات النهائية في دبي بين خمس شركات متنافسة، حققوا فيها المركز الأول على العالم العربي في الشركات، وبهذا النجاح تلقت شركتهم مؤخراً دعوة من صندوق النقد الدولي بواشنطن للحديث عن التكنولوجيا بالشرق الأوسط ومدى تأثيرها في خلق الوظائف. وأكد في هذا السياق بأن ريادة الأعمال تبدأ من المحاولة والاستفادة من لحظات التعثر، والمبدأ السائد فيها “اسقط بسرعة وانهض بسرعة” ولا يوجد شيء اسمه الفشل، داعياً إلى الاقتداء بدول الاقتصادات الناجحة كماليزيا التي تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة فيها 70% بعكس تجربتنا المحلية التي اعتمدت منذ الطفرة النفطية على الشركات الكبرى بنسبة 80%
ودعا البدر جيل الشباب إلى الاستفادة من الفرص والتوجهات الرسمية والتطبيقات الالكترونية في انهاء المعاملات التي اعتمدت في السنوات الأخيرة، لأنها تساعد بشكل كبير للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. وأكد أن النجاح في ريادة الأعمال يعتمد على العزيمة والمثابرة، ليس على المستوى المحلي فقط فهناك فرص عديدة متاحة على المستوى العالمي، مشيداً في ذات السياق بالتحول الرائع للمؤسسات الرسمية للمملكة في تنفيذ البرامج التكنولجية كأبشر ومساند ويسر، قائلاً أن المملكة تتفوق على كثير من الدول الاقليمية والعربية في تلك البرامج .
بدأت جولة المداخلات بمشاركة الأستاذ صالح عمير مؤكداً على أهمية استثمار الشباب لتحصيلهم العلمي في الابداع والابتكار وعدم الاكتفاء بالدراسة النظرية، وعبر الأستاذ مالك عبد العال عن هواجس العديد من المواطنين من التوجهات الحالية لرفع الدعم عن الخدمات المعيشية مبينا أن الكثير من هذه التوجهات لا تزال غير واضحة. الشيخ حسين القريش أشار إلى ضرورة بلوة رؤية واستراتيجية واضحة للتعاطي مع التكنولوجيا الحديثة مطالبا بالعمل المستمر للحد من مختلف أشكال الفساد، وأشاد الأستاذ فرحان الشمري بفكرة دعم المشروعات الصغيرة داعياً لطرح المزيد من البرامج التي تشجع وتسهل للجيل الشاب الانخرط السلس في انشائها.
وتساءل الأستاذ علي الحرز حول غياب الخطط الجادة حتى الآن لاستيعاب مليوني خريج في سوق العمل، وعلق الأستاذ امين الصفار حول المبالغة في استخدام التقنية وأنه يجب أن لا يصل لحد الاستخدام التعسفي كما في استخدام البصمة حتى مع طلبة المدارس. واختتمت المداخلات بتعليق الدكتور عبد العزيز الحميدي بأن التغيير يخلق الفرص ولا حاجة للتوجس من اقتحام التكنولوجيا فالمستقبل سيكون واعداً بها.