منابر للوجاهة وغياب الهوية

481

 

هذا الرصد يحاول أن يكشف عن تاريخ المجالس الثقافية وفعالياتها ومآلاتها الاجتماعية وانعكاس كل ذلك على المحيط الجغرافي القريب والبعيد منها.

منذ منتصف القرن الماضي والساحة الثقافية السعودية تشهد حضوراً متزايداً للملتقيات وللمنتديات وللصالونات وللمجالس الثقافية التي تنوعت بيانات المانفستو لها بناء حواملها الثقافية، ومرجعياتها الفكرية، بالإضافة إلى عوالم تغيّر الجغرافيا الشاسعة للمملكة، وعلى اختلاف ثقافة أعضائها وانتماءاتهم، حيث تعددت تخصصاتها بين الأدب والسياسة والاقتصاد والثقافة والشعر والفكر والفلسفة.

لقد اجترحت هذه المجالس أسئلة كثيرة متعلّقة بواقعها الاجتماعي، وبقيمتها الثقافية، وبمدى جدواها، وهل هي قادرة على أن تكون صوت المجتمع النخبوي الموازي لتشكلات الخطاب الأحادي الذي كان يغلب عليها اللمسة الدينية، أم أنها مجرد صوت آخر للمنابر الرسمية، وما هي قدرتها على تشكيل هوية حقيقية خاصة بها، أم أن الكروموسومات الثقافية اتّخذت شكلاً واحداً لها طوال هذه السنين. وهل اختلف خطابها خلال الخمسين السنة الماضية، أم أنها بقيت في حالة كلسية، لا سيما بعد انقضاء طاحونة رياح الربيع العربي، وبعد التغيرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على المملكة في الآونة الأخيرة، المتمثلة في التحول الوطني ضمن رؤية 2030، وفي الموقف السعودي الرسمي من الخطاب الصحوي الذي كان يغذي معظم المنتديات الثقافية بردود الأفعال.

وبعد ذلك كله، كيف تقيّم الملتقيات والمنتديات والمجالس نفسها بعد موافقة مجلس الوزراء بإنشاء 11 هيئة ثقافية جديدة وتفويض وزير الثقافة سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، بممارسة اختصاصات رئاسة مجالس إداراتها، حيث ستتولى الهيئات مسؤولية إدارة القطاع الثقافي السعودي بمختلف تخصصاته واتجاهاته، وستكون كل هيئة مسؤولة عن تطوير قطاع محدد، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة والاستقلال المالي والإداري وترتبط تنظيمياً بوزير الثقافة، الأمر الذي ربما يقوّض من حضورها.

يرى بعض المراقبين للمشهد الثقافي السعودي بأن غياب الجمعيات السياسية والاتحادات والنقابات أوجد فراغاً ثقافياً انعكس على خيار المثقفين في إدارة شؤونهم والتواصل فيما بينهم للتثاقف، وتبادل المعرفة، وفتح ملفات فكرية واقتصادية وسياسية تلامس الداخل السعودي أو الخارج العربي والإقليمي والعالمي. ويتأكد هذا الخيار لدى المجالس التي ينحدر أعضاؤها من مرجعيات عروبية أو شيوعية أو ناصرية أو يسارية أو بعثية أو إخوانية، فبعد أن أقفلت هذه الآيدلوجيات دكاكينها بدأ فلول المثقفين بإعادة صناعة الحلم عبر محاولة خلق منصات ثقافية يمررون من خلالها ما يؤمنون به على المستوى السياسي والثقافي.

هذه المنصات -كانت ولازالت على شكل منتديات أسبوعية أو شهرية أو موسمية أو انتقائية بين حين وآخر- تعمل وفق تنظيم ذاتي يعتمد على الأعضاء المؤسسين، وبدعم شخصي منهم، إما على شكل اشتراك مالي شهري، أو عبر إيجاد داعمين من رجال الأعمال، أو أصحاب السمو. وهذا الخيار الأخير أوقع المجالس في مصيدة عدم القدرة على الاستقلال الذاتي. فما إن يحلّقون في منطقة جديدة إلا وجدوا أنفسهم محاطين بالألغام.

 

غياب الإحصائيات

لو استثنينا مطالعات الصحف المحلية الخاصة بالتغطيات الثقافية فإنه ليس هنالك إحصائيات استطاعت رصد العدد الحقيقي للمنتديات والمجالس والصالونات الثقافية في السعودية، غير أن المتابعين كانوا يتلمسون أشهرها بحسب الحضور والعمل والفعاليات المعلنة. فهنالك حلقة الرياض الفلسفية، تأسست عام 2008م.، ومجلس ألمع الثقافي بأبها، تأسس عام 2012م، ومنتدى الفنار الثقافي بسيهات، تأسس عام 2014م، وديوانية الملتقى الثقافي بالقطيف، تأسس عام 2004م، ومنتدى عبقر بنادي جدة الأدبي، تأسس عام 2014م. هذا بالإضافة إلى الأندية الأدبية: وهي أندية لها استقلاليتها الاعتبارية وتتبع لوزارة الثقافة والإعلام، وموزعة في 16 فرعاً في مدن سعودية مختلفة، وهي كيانات ثقافية منبرية مهتمة بالشعر والسرد وطباعة الإصدارات الأدبية وتنظيم الأماسي. ومن أهم الأندية (جدة، والرياض، والشرقية، وأبها، وجازان، ونجران، والطائف، والباحة)، وأيضاً الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وهي كيان ثقافي اعتباري مهتمة بالمسرح والسينما، بالإضافة للتشكيل والفنون الشعبية والموسيقى وترعى الأدباء والفنانين السعوديين، وتتبنى المواهب الشابة، وتقوم بتمثيل المملكة في الخارج والداخل على المستويين العربي والعالمي، ولها 16 فرعاً موزعاً في مدن مختلفة بالمملكة.

ولو اقتربنا -فقط- من المجالس الثقافية الأسبوعية التي حملت اسم اليوم الذي يقام فيه المجلس فيمكننا رصد تقريبي لأهم هذه المجالس القديمة والحديثة، مع ملاحظة أن بعضها قد توقف لأسباب مختلفة، منها غياب الدعم، أو تفرق المؤسسين والأعضاء، أو لأسباب تعود لتحفظات غير معلنة من جهات رسمية.

ويمكن الإشارة إلى أهم وأقدم المجالس على النحو التالي: خميسية الوفاء الثقافية بالرياض 1962م، وثلوثية محمد سعيد طيب بجدة، و أحدية الشيخ أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري بالرياض 1977م، وأحدية راشد المبارك بالرياض 1981م، وخميسية الشيخ حمد الجاسر الثقافية بالرياض 1983م، وثلاثية عمر بامحسون بالرياض 1989م، واثنينية العفالق الثقافية بالأحساء 1989م، وأحدية المبارك الثقافية بالأحساء 1990م، وثلوثية المغلوث بالمبرز 1992م، واثنينية الشيخ عثمان الصالح الثقافية بالرياض 1993م، وثلوثية فايز الحربي 1995م، واثنينية أبو ملحة الثقافية في مدينة أبها 1999م، واثنينية النعيم الثقافية بالأحساء 1999م، وأحدية محمد عبدالله البابطين بالرياض 2000م، ومنتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف 2000م، واثنينية تنومة الثقافية 2001م، واثنينية عبدالمقصود خوجه بجدة 1982م، وثلوثية المشوح بالرياض 2001م، وأحدية عبدالله بن عمر نصيف 2001م، وأحدية سليمان الرحيلي 2002م، وأحدية المنتدى النسائي الثقافي بمكة المكرمة 2002م، وأربعائية الفريح بحائل، وسبتية موسى القرني في المدينة المنورة، ومنتدى الخميسية بجازان تأسس عام 2006م، وغيرها.

رغم وجود هذا العدد الكبير من المجالس الثقافية الأسبوعية في مساحة جغرافية متنوعة من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق إلا أن معظم هذه المجالس لا يمكن المراهنة عليها إذا تعلّق الأمر بتأثيراتها الاجتماعية في النسيج الشعبي، فمعظمها مجالس ذات طابع شخصي، أو احتفالي دعائي، لاسيما تلك التي تنتسب لإرث قبلي أو عائلي. الأمر الذي دفع الكثير من الدارسين إلى التساؤل عن هويتها، وعن أثرها، وجدواها الثقافي أو السياسي، ومدى قدرتها على رفع مستوى الوعي المجتمعي، خصوصاً بعد تحوّل معظمها لمجرد مجالس أدبية تعود لرجال أعمال أو عوائل عريقة اتخذوا منها منصات دعائية ليكملوا من خلالها وجاهتهم الاجتماعية عبر دعوتهم للوجوه الإعلامية والدعوية والثقافية دون أن تكون للفعاليات المقدّمة أي مساس بأي قضية حساسة في البلاد.

هذه الكثرة -باستثناء بعض المجالس- لم تولّد حالة ثقافية نوعية يمكن الاتكاء عليها في الأخذ بيد المتلقين إلى منصة آمنة. وحتى هذه المجالس النادرة التي تعمل بوعي انحسرت وتلاشت شيئا فشيئاً، وانسحبت في الظل، لا سيما بعد إقرار نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الذي أربك الكثير من القائمين على المجالس الثقافية خشية الوقوع في دائرة المساءلة القانونية. فقد تلقّت -خلال السنوات القليلة الماضية- بعض المجالس تحفظات رسمية على بعض فعالياتها أو نوعية ضيوفها عبر إيقاف المجلس أو الاكتفاء بإلغاء الفعالية أو أخذ التصاريح من الجهات المختصة. الأمر الذي جعل من بقية المجالس العاملة مجرد واجهة شكلية لرأي شعبي يغلب عليه التصالح مع الرأي الرسمي.

وبالعودة للورقة التي أعدها الباحث السعودي محمد عبدالرزاق القشعمي، والتي كان قد قدّمها في منتدى الثلاثاء الثقافي في وقت سابق، يرى القثعمي أن «الآراء مختلفة حول أهمية المجالس الثقافية في الوقت الحاضر وما تهدف إليه. منهم من قال: إن المقصود منها الوجاهة، ومنهم من قال: إنكم أعطيتموها أكثر مما تستحق، وهي مجرد لقاءات إخوانية (لطق الحنك) والسواليف، هل لمجرد أنها مواعيد محددة؟ كدورية أو (دارية)- كما يقول العوام- وإنكم أحطتموها بهالة لا لزوم لها ودور لاتستطيع القيام به، ومنهم من دافع عنها على اعتبار أنها نافذة مشرعة على مصراعيها ليدخل الضوء وليستفيد روادها بكل مايطرح فيها من موضوعات ثقافية أو اجتماعية، ولتساعد على إثراء الحركة الفكرية والأدبية. ومنهم من قال إنها ستسحب البساط من تحت أقدام الأندية الأدبية والجمعيات الفنية، لأن تلك الأندية لم تستطع حتى الآن أن تضطلع بدورها الحقيقي الذي أنشئت من أجله، ولهذا فقد أصبحت تلك الصوالين أو المجالس هي الأمل الوحيد لسماع الحقيقة دون رقابة بالرغم من قلة روادها، ومنهم من قال إن روادها مكمل لدور الأندية الأدبية فلا تعارض بينهما».

وفي السياق نفسه يرى الدكتور صالح بن علي أبو عرّاد أن: «المجالس الثقافية في مجتمعنا المعاصر ليست إلا أحد أنماط المنتديات الثقافية في المجتمع، والتي تُمثل في مجموعها (النوافذ التي يُطل من خلالها الفكر والثقافة)، وما ذلك إلا لأنها منتدياتٍ تجري فيها اللقاءات الثقافية بين مختلف شرائح المجتمع على الطبيعة، وتشتمل على بعض الفعاليات كالحوار، والمحاضرة، والندوات، واللقاءات العلمية، ونحوها».

ولكن ماذا عن المجالس الثقافية الأسبوعية، وهل اختلفت عن المجالس العامة، لا سيما وأنها تعمل وفق جدول أسبوعي منظم قائم على تنوع الطرح بين الثقافي والسياسي والاقتصادي والأدبي والشعري والفكري وغير ذلك.

بحسب الخثعمي فإن مدن المملكة عرفت تلك المجالس أو الصوالين أو الملتقيات أو الندوات الأسبوعية ومن أهمها (ندوة الرفاعي) التي بدأت قبل سبع وأربعين عاماً بالرياض عام 1960م، وقبل ذلك كان يقيمها حيث يقيم بمكة المكرمة وقد استمرت حتى وفاة صاحبها عام 1993م. فانتلقت إلى منزل أحد روادها، وهو محمد أحمد باجنيد، وسميت صالون الوفاء. وكذا منتدى الأمير خالد الفيصل الأسبوعي بالرياض منذ حوالي عام 1966م، ثم انتقل معه إلى أبها عام 1971م، عند انتقال عمله إليها.

وفي هذا الصدد يقول راعي منتدى الثلاثاء الثقافي في المنطقة الشرقية الكاتب جعفر الشايب: «انطلقت فكرة المنتدى من الشعور بأهمية عقد ملتقى للنخبة الثقافية والاجتماعية في المنطقة لتداول الرأي حول مختلف القضايا العامة وليكون قناة تواصل بين مختلف الفئات الاجتماعية في منطقة القطيف؛ بينها وبين المثقفين في مختلف أنحاء المملكة. وقد بدأ المنتدى أعماله عام 2000 بجلسة أسبوعية (مساء كل ثلاثاء) دعي إليها في البداية مجموعة من مثقفي المنطقة وشخصياتها الاجتماعية والدينية».

ويتابع: «استطاع المنتدى -خلال عمره القصير- أن يؤسس لنشاط ثقافي متميز يتسم بالانفتاح على الآخر والتواصل معه. فقد تنوع الحضور من مختلف مدن المنطقة ومن أعمار متفاوتة وذوي اتجاهات فكرية متعددة، كما شملت المواضيع قضايا دينية وسياسية وثقافية مختلفة، وشارك في محاضرات المنتدى العديد من المثقفين من مناطق المملكة المختلفة ومن خارجها وناقشوا قضايا ذات اهتمام مشترك. كما ساهم المنتدى في إيجاد أرضيات مشتركة للعديد من القضايا والمشاريع الاجتماعية والمحلية».

وعن اثنينية عبد المقصود خوجة في جدة، وهو منتدى أدبي يحضره جمع من المثقفين من داخل المملكة وخارجها. وقد أنجزت «الاثنينية» توثيق فعاليات تكريم خمسمائة عالم ومفكر وأديب من العالم عبر مسيرتها. يقول خوجة: «جاءت المنتديات الأدبية كواحد من هذه الروافد، تظهر تارة وتختفي أخرى حسب توفر المناخ الملائم لنموها وازدهارها، وكثيراً ما تتضافر جهود بعض المثقفين الذين شغلت الكلمة حيزاً كبيراً من فكرهم ووقتهم فتُنبت تلك المنتديات أجمل الأشجار المثقلة بثمار العلم والأدب والشعر والفكر. وفي هذا الإطار قامت «الاثنينية» ترجمةً لما يعتمل في نفسي تجاه الحركة الأدبية والثقافية عامة وبصفة خاصة في المملكة العربية السعودية، وبدأت كمنتدى أدبي للاحتفاء ببعض رموز الشعر والأدب والفكر منذ عام 1982م، كما استمدت جذورها من حفلات التكريم التي كان يقيمها والدي (رحمه الله) على ضفاف مواسم الحج لكبار الأدباء والشعراء والعلماء الذين يأتون ضمن وفود بلادهم لأداء مناسك الحج. واستمر خط «الاثنينية» البياني في التصاعد لتكريم أصحاب الفضل الذين أثروا الساحة الأدبية بعطائهم، باعتبار أن الكلمة ليس لها وطن، والإبداع ملك للجميع. وبالتالي توسعت دائرة اهتماماتها لتشمل رجالات الأدب والثقافة والعلم والفكر وغيرهم من المبدعين من مختلف أنحاء العالم العربي».

ولم يكتف المشهد الثقافي بهوس المجالس الأسبوعية العامة الذي يرتادها الرجال والنساء معاً، بل خصصت بعض المثقفات ذات التوجه المحافظ مجالس أدبية خاصة بهن، حيث لا يحضرنها سوى النساء فقط. وعن ذلك تقول اللجنة المنظمة لأحدية المنتدى النسائي الثقافي في مكة المكرمة: «هو حلم نما وترعرع في نفوس الكثيرات من سيدات مكة وكان لنا شرف تمثيله على أرض الواقع إذ إنّ الفكرة تجسدت حقيقة باجتماع العضوات المؤسِّسات لأول مرة في جمادى الأولى عام 2003م، وكان للدكتورة وفاء المزروع شرف استضافته بمنزلها. ويهدف المنتدى إلى دعم مسيرة المرأة السعودية المثقفة وتصحيح مسيرتها الأدبية والثقافية والعلمية والاجتماعية، والتعريف بالأدب والتاريخ السعوديين والأديبات السعوديات وتعميق أدوارهن ونشر رسالتهن وتوضيح دورهن في خدمة المجتمع».

ومن جانب مختلف عن بقية أصوات المجالس الثقافية الأسبوعية والعامة فقد سعت ثلوثية محمد سعيد الطيب بجدة إلى أن تكون ذات طابع عروبي وطني سياسي مهتمةً بالقضايا الحساسة التي ترسم مصير البلاد والمواطن، وذلك عبر مشاركات شهد لها المتابعون بأنها كانت الأكثر جرأة وشجاعة فيما يخص الفساد والرؤية الوطنية وإمكانية التغيير السياسي في البلاد. وربما هذه التداعيات دفعت بالطيب إلى التأكيد المستمر على أن «الثلوثية» مجلس خاص، يحضره كل أطياف المجتمع، ولا يمثّل أي تيار فكري. غير أن مثل هذه التصريحات يفهمها المتابعون على أنها مجرد تصريح دبلوماسي من رجل دبلوماسي.

ومن جانبه يشير عضو منتدى الفنار الناقد والقاص عيد الناصر إلى أن الملتقيات الأهلية، سواء كانت أسبوعية أو غير ذلك، تشكل حالة إيجابية في المجتمع لعدة أسباب؛ منها أن عدد الحضور محدود، وهذا يعني توفرمساحة للحوار وللاختلاف. إذ في العادة ما يكون سقف الحرية أرفع من السائد (على الأقل من الناحية النفسية)، الأمر الذي يوفر مناخاً لاختبار وصقل الذات والتدريب على الحوار والجدل والنقد والصراع مع الذات. ومن ثم هناك إمكانية لاتساع الرؤية والانفتاح على الآخر الذي عادة ما نتوهم معرفته ونحن لم نتحدث معه بتاتاً. هذه الملتقيات هي أشبه ما تكون بالحاضنة التي تساعد الراغبين في الاستفادة منها لتجربة قدراتهم وثقافاتهم وتنميتها قبل الدخول إلى الساحات الأوسع في مجالات الإعلام والثقافة والفنون. ورأيت بعض الأشخاص ممن خرجوا من بعض هذه الملتقيات بنتائج جميلة، فصار منهم كاتب القصة، والصحافي والإعلامي إلى آخره. ولكن، علينا اليقظة إلى أنه بدون التحليق في الوهم فإن هذه الملتقيات من الطبيعي أن تحمل أمراض مجتعها على مستوى الأشخاص والعقليات والسلوكيات».

الآن، وبعد مضي أكثر من نصف قرن على تأسيس أول مجلس أسبوعي في المملكة يتفق المثقفون القائمون على المجالس على أن التاريخ بقي شاهداً على مرحلة ثقافية بالغة التغييرات شاركت المجالس الأسبوعية في رسم بعض ملامحها، غير أن معالم الطريقة فلتت من بين أيديهم، فلم تعد المجالس قادرة على تمثّل أهدافها التي أسست عليها في جمع تفرقهم. وحتى تلك المجالس التي كان يجب أن تجمع اختلافهم، وتهيئ لهم المناخ الملائم للحوار تحوّلت إلا كانتينات ذات صوت ثقافي واحد، تجتمع في أروقته الشلل الثقافية ليناقشوا قضاياهم المتفقين عليها سلفاً دون الحاجة إلى الاختلاف الذي تفرضه طبيع المجالس الثقافية الحرة.

 

رابط الخبر اضغط هنا

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد