في أمسية أدبية رائعة، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الإمام عبد الرحمن الفيصل الدكتور مصطفى الضبع في حوار تحت عنوان “القيم الجمالية والانسانية في الأدب”، وذلك مساء الثلاثاء 14 صفر 1440هـ الموافق 23 اكتوبر 2018م، والتي حضرها لفيف من أدباء وشعراء ومثقفي المنطقة.
وصاحب الندوة عدة فعاليات شملت تكريم الأستاذة كفاح البوعلي مديرة مؤسسة دار راوي للنشر والتوزيع، وصاحبة أول مكتبة أطفال متخصصة في المنطقة الشرقية، حيث تحدثت عن تجربتها العصامية في تحقيق عدة انجازات على صعيد ثقافة الطفل. وتضمنت الفعاليات معرضا صوريا للفنان الفوتغرافي مجدي آل نصر، وهو الحاصل على شهادة التصوير الاحترافي من معهد نيويورك للتصوير الفوتوغرافي وأول سعودي يحصل على لقب BPSA المختص بالمشاريع الفوتوغرافية عام 2018م لدى الجمعية الأمريكية للتصوير الفوتوغرافي. كما شملت الفعاليات فيلماً قصيراً حول أمراض الدم الوراثية، إضافة إلى عرض كتاب الأسبوع “البلاغة والتطبيق”. وقد حل الباحث والأديب السيد عدنان العوامي كضيف شرف في هذه الأمسية، وهو صاحب ديوان “شاطئ اليباب”، وقدم عدة أبحاث ودراسات نقدية في مجال التاريخ والأدب، وقد شرف السيد العوامي جميع المشاركين في هذه الندوة بتسليمهم دروع التكريم من المنتدى.
أدار اللقاء الأستاذ محمد الخباز ممهداً لموضوع الندوة بالإشارة إلى الاتجاهات التي حاولت توجيه الدراسات الأدبية نحو نزعة العلم الطبيعي بإدخال المصطلحات العلمية وعبارات الأنظمة والمناهج، والاتجاهات التي التزمت ابقاء دراسة الأدب داخل حقل الدراسات الإنسانية. كما عرف بالدكتور مصطفى الضبع الحاصل على دكتوراة النقد الأدبي الحديث 1997م ودرجة الأستاذية في البلاغة والنقد والأدب المقارن عام 2010م وله العديد من الكتب والأبحاث، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة.
استهل الدكتور الضبع ورقته بالحديث عن الإنسان بين القيمة والأدب بالقول أن القيمة إدراك إنساني لما يجب أن يكون عليه الوضع المثالي الأنسب لوجوده، فالقيمة تجربة والأدب اكتناز للتجربة، فما الأدب إلا تعبير عن تجربة إنسانية. وأضاف أن لحظة التفكير فيما يحققه الأدب تدخلنا على منطقة قيمة الأدب للإنسان، لافتأ النظر إلى أن القيمة تدرك بالوعي لا باللفظ المباشر، فالقرآن الكريم لم يذكر القيمة مباشرة ولم يشر إليها بشكل مباشر وإنما استخدم (مادة قيم) في الفعل “أقم” 11 مرة مرتبطة بإقامة الصلاة في ثمانية منها وثلاثة ارتبطت بالوجه “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ” (الروم 43). وربط المحاضر معنى القيم بالدين خمس مرات “الدين القيم”، ولفظ القيامة سبعون مرة، وأضاف أن سؤال القيمة هو سؤال معياري كيلا يتساوى الضحل والعميق والنفيس والرخيص، وأن القاعدة الأهم من القواعد الإنسانية التي قامت عليها الحياة ألا تساوي بين البشر أو الأشياء في قيمتها.
تناول المحاضر بعد ذلك منظومة القيم والتنمية الإنسانية بالقول بأن القيمة تمثل نوعا من الأدوات الناعمة (السوفت وير) المشغل والمستثمر لبيئة الأدوات الصلبة (الهاردوير)، فكل ما يحيط بنا من تجهيزات مادية هو بمثابة أدوات صلبة، والأفكار والتصورات والقيم هي بمثابة الأدوات الناعمة، معرجاً على رأي زكي نجيب محمود في وظيفة القيم بأنها تقوم في نفس الإنسان بالدور الذي يقوم به الربان في السفينة، يجريها ويرسيها عن قصد مرسوم، وإلى هدف معلوم. وأوضح أن فهم الإنسان على حقيقته هو فهم القيم التي تمسك بزمامه وتوجهه، ولا يتحقق الوجود الإنساني إلا بمنظومة قيم حاكمة تعمل طوال الوقت على تنمية التجربة الإنسانية في انتقالها من جيل إلى جيل، فمنظومة القيم بدورها منظومة تربوية بالأساس فكل تجربة إنسانية تكون بمثابة حامل لمنظومة من القيم.
ومثل في هذا السياق تجربة شهرزاد مع شهريار في قدرتها على نقل منظومة من القيم المعالجة للملك المريض حيث أنها لم تذكره بنقطة ضعفه ولم تلعب على عيوبه بقدر ما اشتغلت على نقاط قوته. وفي بعد آخر، تحدث الدكتور الضبع حول القيمة بين الشعر والسرد بالقول أن خطاب الشعر يعتمد نسقين لتقديم القيمة، الأول النسق العام وهو النسق الأبرز والأظهر، يأتي صريحا واضحا بنص اللفظ ودلالته، والنسق الخفي ليس مصرحا به ولا هو ظاهر للجميع، أما النسق الثاني فهو السرد حيث يقدم القيمة من خلال الإيحاء وخاصة في كلية النص، مستشهداً بنصوص لعدة شعراء منها شعر أبي تمام:
وَلَولا خِلالٌ سَنَّها الشِعرُ ما دَرى بُغاةُ النَدى مِن أَينَ تُؤتى المَكارِمُ
وشعر خليل مطران :
قِيمَةُ الظَّاهِرِ لاَ تَأْبَهْ لَهَا إِنَّمَا الْقِيمَةُ لِلفَضْلِ اللُّبَابْ
وفي موضوع القيمة الخفية في الشعر جاء في قصيدة ابن زريق البغدادي:
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
وفي نهاية ورقته، تحدث الدكتور الضبع حول تجلي القيم في النصوص السردية حيث تطرق لرواية “العجوز والبحر” لأرنست هيمنجواي، ووصف السيد أحمد عبد الجواد لنجيب محفوظ بأنه نموذجا إنسانيا سيطر على الوقت وهو نموذج مثالي للتنمية البشرية. وأردف بالقول أن النص – فى أحد وجوهه – تشكيلا من المقولات المتداولة عبر تفاصيله (الحوار – السرد)، ويمكن للمتلقي استكشافها تأسيسا على صداها وفعلها عبر النص، ويكون من دورها الكشف عن الرؤية الكلية للسارد ومن قبله المؤلف الضمنى، حيث يتبنى المتلقى هذه المقولات بوصفها هدفا لرســالة يتلقاها عبر النص، مستشهدأ بمجموعة من مقولات نجيب محفوظ منها “النقد وعي، والوعي تنوير، والتنوير لا يتحقق إلا بالخبرات الإنسانية، والخبرات لا تتأتى إلا بالممارسة الوعي النقدي – القيمة المضادة”، وقوله كذلك “تمارس القيمة دورها الاجتماعي بوصفها ضابطا معيارا يقاس عليها حيث رسوخ الكرم يكشف عن نقيضه، ومعرفة الخير تؤهل وتيسر لمعرفة الخير”.
في أولى المداخلات أشاد الأستاذ وليد الهاشم بالمحاضرة وأشار إلى تنامي الوعي بين الشعر والقارئ، متحدثاً حول أدب القصور وادب المهمشين في الأدب العربي، وأن من أهم الأخطاء هو وقوع الوعي بالقيم الانسانية تحت أسر المثالية المفرطة، كما أبدى وجهة نظره بأن التفريق بين النقد والوصف والرؤية توجد ضبابية. الشاعر رائد الجشي أشار إلى أن المحاضر تناول النصوص الأدبية الصريحة ولم يتناول النصوص الرمزية أو الأدب المبهم مما يجعل مساحة النقاش أو الاختلاف تتضاءل، وركزت الأستاذة هدى القصاب مداخلتها على أهمية ممارسة القيم على صعيد السلوك والتعامل الانساني والابتعاد عن المفارقات بين نص الكاتب أو الشاعر وسلوكه القيمي، كما جادل الباحث السيد عدنان العوامي المحاضر في دقة القول بأن الحب ملازم للوطن، مشيراً إلى أن بعض حالات القسوة قد تنزع هذا الحب الفطري لدى الانسان.
وفي نهاية اللقاء تحدث ضيف الشرف الأستاذ عدنان العوامي عن تميز المنتدى بالاستمرارية والإبداع المتواصل مما يجعله متجددا وجاذبا للمهتمين، شاكرا إدارة المنتدى على جهودها المتواصلة.
التقرير على اليوتيوب:
المحاضرة الكاملة:
كلمة الفنان مجدي آل نصر:
كلمة الأستاذة كفاح أبو علي: