في أجواء مفعمة بالتفاعل والحماس، وبحضور نخبة من المهتمين بالفنون الشعبية، ألقى الباحث في تاريخ التراث والفنون الشعبية الدكتور سمير الضامر محاضرة في الندوة التي أقامها منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 1 شعبان 1439هـ الموافق 17 أبريل 2018م، تحت عنوان “الفنون الشعبية والتنمية الاجتماعية”، وأدارها الإعلامي حبيب محمود.
تم عرض فلم قصير “إنسان” من اخراج حسين العباس عبارة عن حوار ذاتي حول مفاهيم التعددية والتنوع في الوطن، بعد تم تكريم الطالبة جود موسى النمر الحاضزة على عدة جوائز في مجال كتابة وتأليف قصص الاطفال منها الجائزة الأولى لأجمل محتوى قصصي لقصص الأطفال. وتحدثت كذلك التشكيلية زهراء المتروك عن تجربتها الفنية وعن أعمالها المعروضة في قاعة المنتدى التي نالت استحسان الحضور حيث تناولت فلسفة هذه الأعمال ورؤيتها حول الفن التشكيلي واساليبها في أدائه.
استعرض مدير الندوة الابعاد الاجتماعية والثقافية للفنون الشعبية مؤكدا على أهميتها في دراسة أي مجتمع وتاريخه، مشيدا بالتجربة الثرية التي يقدمها الدكتور سمير الضامر في مجال أبحاث التراث والفولكلور الشعبي وجمعه، مستعرضا سيرته العلمية والعملية في هذا المجال. بدأ الدكتور الضامر محاضرته بعرض فلم مختصر يجمع أشكالا من الفنون الفولكلورية الشعبية في المنطقة الشرقية تم توثيقها وتسجيلها في مراحل ماضية، مشيرا إلى أن الفنون الشعبية هي فنون جماعية، أفرزتها الحالات الاجتماعية والثقافية للمجتمعات القديمة، ومن سمات هذه الفنون أنها تُتوارث وتتلقاها الأجيال وتتناقلها، ولا نستطيع – غالبا – أن نجد لها مُؤلفاً، فالمُؤلف هو الشعب، وهو الضمير الجمعي الذي يعبر عن عواطفه وانفعالاته وأفراحه وأحزانه وطقوسه بطريقة منظمة غاية في النظام، وهذا النظام مُنتج من منتجات الشعب العاميّ؛ الشعب ابن الأرض وابن الطبيعة، وليس ابن الأيديولوجيا، حيث هناك فرق كبير بين نتائج الثقافة الطبيعية، ونتائج الثقافة الأيديولوجية.
وأضاف أن أشكال الفنون الشعبية تتنوع وتتعدد، فمنها ما يتصل بفنون الأغاني كأغاني العمل في الفلاحة، والمالد النبوي والأفراح، والأناشيد والأهازيج بمختلف مناسباتها، وأغاني ترقيص الأطفال، والحكايات الشعبية، والعادات والتقاليد، واللهجات والمفردات، والنكت والأمثال، والشعر الشعبي والمنولوجات، والألعاب الشعبية، والسير الشعبية وفنون الراوي والرواية. ومنها ما يتصل بالحرف وفنون صناعة الفخّار وسفّ الخُوص، والحفر والنحت والخياطة والملابس وصياغة الحلي والعمارة والدمى والوشوم والزخارف والجداريات. والبحث العلمي في توثيق الفنون الشعبية يقوم على تصنيفها إلى نوعين: فنون شعبية شفاهية، وفنون شعبية مادية، ومهما تم التصنيف الدقيق إلا أن هذه الفنون تتداخل على بعضها، ويشكل بعضها إفرازا وسببا في نشأة الآخر، فالعمل في الفلاحة مقترن بشكل كبير بأداء فنون شعرية بطريقة صوتية مؤثرة، وبطريقة في أداء الجسد كما يعمل الفلاحون في موسم الحصاد.
وأوضح أن المتتبع للفنون الشعبية في المملكة العربية السعودية، بل وعموم الخليج العربي، سيجد أننا نستطيع أن نكوّن خريطة شاملةً ومتنوعة لعدد من الفنون في كل المناطق، بمختلف بيئاتها: البحرية والريفية والصحراوية والجبيلة. وأهمية هذه الخريطة أنها: توثق للفنون ومسمياتها، ترصد أماكنها، تترجم للذين مارسوها والذين رووها للأجيال، تحلل البنيات الأساسية التي قامت عليها هذه الفنون، تدرس الأصول الثقافية وملامح البدايات التي نتجت من خلالها هذه الفنون، تبحث -أيضاً- في طبيعة الإنسان المُنتج لهذه الفنون، وتقدم النتائج لتكون مساندةً ومعززة لصياغة التنمية البشرية والثقافية للدولة الحديثة.
وبيّن المحاضر أن التنمية الثقافية التي تعطيها الفنون الشعبية هي تنمية داخلية، تظهر مع الوقت في السلوك والذوق والوجدان، هذه التنمية هي قوة ناعمة تدعم البنية الداخلية للإنسان فتظهر نتائجها في علاقاته وتخطيطاته وتدابيره وجماليات حياته في اللبس والمعمار والفن والتسامح والعلاقات الطيبة مع الإنسان والحيوان، ولهذا دلائل وشواهد كثيرة في الفنون والحكايات الشعبية، وهذه التنمية فيها توازن مابين الروحي والمادي، صاحبها فنان كبير، ومتدين كبير في نفس الوقت، لا مشكلة عنده بين الديني والدنيوي، وكل شيئ له وقته ومزاجه. واستعرض الدكتور الضامر في حديثه نماذج من قلق الهوية تجاه الفنون الشعبية وخاصة من أصحاب بعض الأيديولوجيات المتطرفة، فسعوا إلى تحريمها وجعلها هي العيب والفساد والانحلال، ومن نماذج التعبئة الفكرية في هذا المجال ما كتبه محمد محمد حسين (1912-1982) في كتابه “حصوننا مهددة من داخلها”، وأنور الجندي (1917- 2002) في كتابه: “إحياء التراث الجاهلي والوثني تحت اسم الفلكلور: التراث الشعبي”، وغيرهما من الكتاب والخطباء والدعاة.
ووصف الدكتور الضامر حالة الفنون الشعبية محليا بأنها حالة بائسة، لا مؤسسة لها ترعاها، ولا تستفيد منها التنمية البشرية، وهي في حالة تشرذم وتشتت، وليس هناك إعلام خاص بها يوثقها ويعطيها مكانتها اللائقة بوصفها هوية شعبية وطنية إنسانية. وهي جاهزة لحاجتنا للبرامج السياحية وبعض المهرجانات. وأكد على أن الفنون الشعبية لها حضور عالمي، وهي تعد من ضمن حركية التنمية في العالم، وتعمل على المحافظة على الفنون الشعبية، وعمل المتاحف والمراكز الخاصة، والمهرجانات الدولية، ولها أقسام متخصصة في البحوث والدراسات الثقافية والشعبية في الجامعات والمراكز، تدرس أنظمتها، ولهجاتها، وملابسها، وعلاماتها، وتعيد توظيفها وإنتاجها في كافة أشكال الفنون الإبداعية كالسينما والمسرح والألعاب الإلكترونية والتعليم وفنون الشوارع، وقصص الأطفال، وتعمل المسابقات والجوائز الداعمة لهذا النوع من التنمية الثقافية.
وختم الدكتور سمير الضامر حديثه بتقديم عدة توصيات لإعادة الاهتمام بالموروث الشعبي وتفعيل الفنون في المشهد الثقافي والاجتماعي وذلك من خلال: منح تصاريح سهلة ميسرة لإنشاء فرق للفنون الشعبية، دعم تلك الفرق وتيسير مشاركاتها في المهرجانات الداخلية والخارجية، إعادة الاعتبار للنهام والراوي والمطرب الشعبي ومنحهم منصات لمقابلة الجمهور في المجمعات التجارية والمهرجانات السياحية، تأهيل رواة و راويات للحكايات الشعبية وتسهيل مشاركاتهم في مدارس التعليم العام لإثراء الطلاب والطالبات، عمل مسابقات ودورات لفنون الإيقاعات الشعبية وإبراز المتميزين لإظهار الهوية الشعبية للفنون الإيقاعية الوطنية، تسهيل تصاريح فرق التطوع، ومراكز البحوث لدراسات الثقافة الشعبية بشكل عام والفنون الشعبية بوجه خاص.
بدأت مداخلات الحضور بتساؤل من الأستاذ علي الحرز حول مشروع الفنان طارق عبد الحكيم لتوثيق الفنون الشعبية في المملكة، وعن تأثير الحالة الدينية في ضمور الفنون والفلولكلور بكل أشكاله وألوانه، وطرح الأستاذ نادر البراهيم تأثير التحولات السياسية في دعم وتعزيز اتجاهات دينية معينة ساهمت في اقصاء الحياة الفنية وضمورها واعتبارها من المحرمات. وتناول الدكتور احمد سماحة دور الجاليات الغربية التي عاشت في المنطقة في دراسة وتوثيق التراث الشعبي وسعيهم لفهم المجتمع من خلال ثقافته وتراثه، وأضاف أن الفنون الشعبية تهدف أيضا إلى تفريغ شحنات الألم والتعب في المراحل التي كان الناس يبذلون مجهودات جسدية كبيرة.
وتحدث الأستاذ علوي الخباز عن العلاقة بين التراث الشعبي بسيكولوجية الإنسان المنتج له، حيث أن المادة التراثية المنتجة كانت تلتصق بحاجة الانسان وتعبر عن همومه وانتاجه المحلي وليس المستورد من هنا جاء تعلقه واهتمامه بها، وتساءل الأستاذ محمد الهلال عن مسببات ارتباط الفنانين الشعبيين بأعمالهم على الرغم من أشكال المعارضة والضغوط التي تواجههم. وطرح الأستاذ فاضل معتز ضرورة التوثيق باستخدام النوتات الموسيقية للأعمال الفنية وعدم الاقتصار على التسجيل الشفوي والكتابي، كما أشار الأستاذ فاضل عمران إلى وجود حالة الكسل في أعمال التدوين والتوثيق للتراث الشعبي موضحا أن القفزة التنموية لم تكن طبيعية لتحافظ على الموروث الشعبي. واقترح الأستاذ صالح العمير اضافة التراث الشعبي كمادة تعليمية في المدارس لربط الأجيال الجديدة بها، وشكر راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضر والحضور على المشاركة في الحوار الجاد حول هذا الموضوع البالغ الأهمية للمجتمع والوطن في هذه المرحلة الانتقالية.
التقرير على اليوتيوب:
المحاضرة الكاملة:
كلمة الفنانة زهراء المتروك:
كلمة الطالبة جود النمر: