تصدر موضوع الساعة “ضريبة القيمة المضافة” مائدة الحوار لمنتدى الثلاثاء الثقافي هذا الأسبوع خلال ندوة عقدت تحت عنوان “ضريبة القيمة المضافة.. الدوافع والنتائج” باستضافة المصرفي الأستاذ أمين محمد الصفار وذلك مساء الثلاثاء الأول من ربيع الثاني 1439هـ الموافق التاسع عشر من ديسمبر 2017م وسط حضور كبير ومتنوع وحوار تفاعلي بناء استفاض بالمعلومات والأسئلة والأفكار. وصاحب الندوة عرضا لفلم قصير “مخيال” الذي شارك في مهرجانات وطنية وعربية، وكذلك مشاركة الفنانة التشكيلية الأستاذة عصمت محسن المهندس بمعرضها الفني للأسبوع الثاني على التوالي الذي يحكي تجربتها الفنية التي تنشد إلى مقاربة الحداثة. كما كان ضمن فعاليات الندوة تكريم الدكتور اسلام المصلي الأستاذ بجامعة أوريغون الأمريكية لإنجازه عدة براءات اختراع في مجال الحاسب الآلي، من بينها لوحة مفاتيح خاصة للبرمجة.
بدأت الندوة التي أدارها الأستاذ محمد المحسن مفتتحاً إياها بالإشارة إلى أهمية التحولات الاقتصادية الجارية في المملكة ضمن رؤية 2030م والتي من بينها فرض ضريبة القيمة المضافة، حيث تتطلب القاء المزيد من الضوء على تفاصيلها لما لها من تأثير على مستقبل المسار التنموي والموقعية العالمية للمملكة. وعرّف بالمحاضر الأستاذ أمين الصفار الحاصل على تخصص نظم المعلومات الإدارية، ودبلوم عالي في إدارة الجودة، وله مشاركات عدة في دورات وورش عمل في المجال المصرفي. بدأ الأستاذ الصفار حديثه بالإشارة إلى ما استجد في الموازنة العامة لعام 2018م بتخفيض الاعتماد على النفط بنسبة 50% كمدخل للحديث حول مصادر إيرادات الدول التي من أهمها الموارد الطبيعية والضرائب والرسوم.
وأوضح صور الضرائب المعمول بها في مختلف دول العالم بأنها قد تكون ضرائب مباشرة كضريبة الدخل، أو غير مباشرة كالضريبة على المبيعات التي تفرض على المستهلك النهائي من خلال آخر عملية بيع، وضريبة القيمة المضافة التي عرفها المحاضر بأنها ضريبة غير مباشرة تفرض على جميع السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها من قبل المنشآت مع بعض الاستثناءات. وأشار المحاضر إلى آلية فرض ضريبة القيمة المضافة بأنها تأتي في كل مرحلة من مراحل “سلسلة الامداد” ابتداءً من الإنتاج ومروراً بالتوزيع وحتى مرحلة البيع النهائي للسلعة أو الخدمة، موضحا أن عائد تطبيق القيمة المضافة على ميزانية المملكة يتراوح بين 40 و 50 مليار ريال. كما أوضح الصفار أن فرض الرسوم أسهل على الأفراد من فرض الضريبة إلاّ أن فرض الضريبة أكثر عدالة من الرسوم بسبب دعم الفئات المحتاجة من عوائد الضرائب.
من جانب آخر تناول الأستاذ الصفار بعض أهم الدوافع التي بسببها تلجأ دول العالم لفرض ضريبة القيمة المضافة – والمطبقة حالياً في 150 دولة – من بينها المردود الإيجابي المتوقع على خطط التحول الاستراتيجي كرؤية 2030، حيث يكون الهدف من الضريبة هو إصلاح التشوهات الاقتصادية مثل حالات التستر، وغسل الأموال، واقتصاد الظل حيث تشكل العمالة الأجنبية البيئة الحاضنة لها. كما ذكر الأستاذ الصفار أن من الدوافع أيضاً تحفيز قطاعات الاقتصاد في تنويع مصادر الإيرادات وكذلك زيادة القدرة على المنافسة مما يساهم في التحكم في التضخم، وتحسين جودة السلع والخدمات وتقليل هوامش الربح نتيجة زيادة المنافسة. وأضاف أن الضريبة تساهم في زيادة نسبة الشفافية، وترشيد الانفاق العام والخاص، موضحاً أن أهم مكسب لتطبيق القيمة المضافة هو التعرف على الوضع الاقتصادي وبنيته الحقيقية من خلال المعلومات التي ترد من جهات اقتصادية موثوقة بصورة دقيقة.
وأكد المحاضر أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة سيكون أمرا صعبا على المستهلك في البداية ولاسيما أنها تصل في الواقع إلى ما بين 17% إلى 30% غير أنها ستؤدي بعد فترة من الزمن إلى زيادة الثقافة العامة حول حقوق المستهلك وسيكون الفرد أكثر مطالبة بحقه. أما انعكاسها على العمل التجاري فستساهم ضريبة القيمة المضافة في جعله أكثر تنظيماً واعتماداً للتوثيق الدقيق للعملية المحاسبية، وسيكون البقاء في السوق للمؤسسات الأقوى والأكثر تنظيماً، موضحاً أنه كلما زادت كفاءة تطبيق الضريبة كلما بدت نتائجها أسرع. وتطرق الأستاذ الصفار لأهمية موضوع قياس أثر الضريبة وانعكاسها على الاقتصاد الوطني مطالبا بضرورة قيام مؤسسات متخصصة بذلك، لافتاً النظر إلى أن تزامن تطبيق الضريبة مع رفع أسعار الخدمات والطاقة سيؤدي إلى صعوبة قياس أثر تطبيق الضريبة بسبب التداخل الحاصل. كما بين المحاضر بعض السبل المعنية بتقليل الآثار السلبية لتطبيق الضريبة على الأفراد كترشيد الانفاق وزيادة الادخار، وتغيير العادات الغير رشيدة، ونشر ثقافة الانفاق الرشيد في العائلة.
وتناول المحاضر أبرز التحديات التي تواجه تطبيق ضريبة القيمة المضافة كمفهوم جديد، حيث أشار إلى أن البنية في الأجهزة الضريبية في منطقة الخليج لا تزال غير فعالة إدارياً وتنظيميا، وتعتبر الهيئة العامة للزكاة والدخل هي الجهة المعنية الآن بإدارة جباية وتحصيل الضرائب والمقاصة ومحاربة التهرب الضريبي ومتابعة غيرها من المسائل المتعلقة. ومن التحديات أيضاً قلة المحامين والمحاسبين الضريبيين، الأمر الذي سيخلق فرصاً مستجدة للأعمال والوظائف، كما أن هناك حاجة لتشكيل محاكم مختصة، ومدى القدرة على الاستفادة من حجم المعلومات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة من تطبيق ضريبة القيمة المضافة. في جولة المداخلات، علّق عضو المجلس البلدي المهندس محمد الخباز على أهمية استعداد المؤسسات الصغيرة لتطوير أدائها الإداري والمحاسبي بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة من أجل الاستمرارية في السوق والتقاط الفرص التنافسية، وركز رئيس لجنة التنمية الاجتماعية السابق السيد علوي الخباز على أهمية حماية المنتجات الغير تجارية كالحرفية والزراعية.
الفنان ميرزا الصالح طالب أن تعامل المؤسسات الصغيرة بمعدل مبيعات أقل من المعلن لاحتساب الضريبة لأن طبيعة مستوى البيع منخفض، وعقب الفنان محمد المصلي بالقول أنه لا يمكن مع فرض الضرائب أن تتحسن معيشة متوسطي ومحدودي الدخل وأن موارد منطقة الخليج يمكنها أن تسد المصرفات دون الحاجة لضريبة القيمة المضافة. من جهته أكد عضو مجلس الشورى الدكتور محمد الخنيزي على أهمية الرقابة على عوائد ضريبة القيمة المضافة وتطوير الأداء الإداري والمحاسبي للقطاع الذي يتولى هذه المسئولية لتصبح لهذه العوائد فوائد ملموسة للفئات الأكثر حاجة للدعم، وناقش الأستاذ نادر البراهيم في مجمل إيجابيات فرض ضريبة القيمة المضافة وذهب إلى أن عوائدها غير قادرة على تقليص بعض المشكلات الاقتصادية كالبطالة، ورأى أنه لم يتم توضيح أسباب فرضها بشكل متكامل حتى الآن. وخلافا لذلك أكد الأستاذ موسى الشايب على إيجابيات فرض ضريبة القيمة المضافة في مكافحة التستر وتطبيق الحوكمة بدليل أن الدول الناجحة تمارسها وقد ساعدتها على النجاح، وعبر الأستاذ حسن المبشر عن قلقه من تطبيق الضريبة معللاً أن الوضع العام للأسر الضعيفة والمتوسطة غير مؤهل مالياً للتعامل معها.
وطرح الأستاذ مبارك الميلاد عدة تساؤلات حول الوعاء الضريبي والديون المعدومة، كما تساءل الأستاذ عبد المجيد الزريقي عن انعكاس ضريبة القيمة المضافة على المسرحين من أعمالهم خلال هذه الفترة. وأشار المصرفي زكي أبو السعود إلى أن اتجاه دول الخليج لفرض ضريبة القيمة المضافة جاء في ظل أوضاع اقتصادية وسياسية غير مستقرة كما أن البنية الإدارية غير متكاملة فيرى أن تطبيق ضريبة القيمة في مثل هذه الظروف سيتضرر منها المستهلك النهائي بشكل كبير، وتساءلت الأستاذة زهراء المتروك عن آلية حماية المستهلك مع احتمالات التلاعب المتوقعة مع بدء فرض الضريبة.
وتساءل الأستاذ عبد الله البريكي عن العلاقة بين ضريبة القيمة المضافة وحساب المواطن، بينما ذهب الأستاذ فرحان الشمري إلى أن تخفيض الاعتماد على النفط في الميزانية العامة بنسبة 50% بالتزامن مع فرض الضريبة قد تكون له عواقب سلبية. وطالب الفنان كميل المصلي برفع الضريبة عن الاقتصاد الإبداعي وأكد على أهمية حماية المستهلك من جماعات اقتصاد الظل، كما أشار الأستاذ كفاح الخنيزي إلى أهمية تقييم ومراجعة قرار الضريبة بعد فترة قصيرة من تطبيقه حماية للفئات المحتاجة، وتساءل الأستاذ حسين آل سيف عن المعيار الذي من خلاله نعرف تحقق العدالة الاجتماعية من خلال عوائد ضريبة القيمة المضافة.
التقرير على اليوتيوب:
المحاضرة الكاملة:
كلمة الدكتور اسلام المصلي: