استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 15/3/1425هـ الموافق 4/5/2004م ضمن برنامج الموسم الثقافي الرابع الكاتب والإعلامي المعروف حسين شبكشي متحدثا حول “قضايا المواطنة في الخطاب الإعلامي”، وأدار الندوة الصحفي الأستاذ ميرزا الخويلدي الذي قدم تعريفا مختصرا بالضيف، مستعرضا بعضا من سيرته الذاتية حيث أنه عضو في عدد من الجمعيات والغرف التجارية، نشرت له العديد من المقالات في مختلف الصحف العربية، سبق له تقديم برنامج أسبوعي في قناة العربية بعنوان “التقرير”. يكتب عمودا يوميا في صحيفة “الشرق الأوسط”.
بدأ الأستاذ شبكشي بالحديث أولا عن تجربته القريبة مع الصحافة لكونه سليل أسرة وثيقة الصلة بالصحافة والإعلام لثلاثة أجيال متتابعة من ناحية عم والده ووالده اللذين رأسا تحرير صحف بارزة، وانتقل للحديث عن تطور الخطاب الإعلامي في السعودية، حيث وصفه بأنه كان حتى فترة قريبة يتسم بالرتابة والتقليدية في العرض والنقل منفصلا عن هموم وتطلعات قرائه ومتابعيه لافتقاده الموضوعية، واعتبر حادثة الحريق بإحدى مدارس مكة هو يوم ميلاد التجربة الإعلامية الحديثة، حيث أنها شكلت نقطة تحول في طرح مفاهيم ومفردات إعلامية حديثة وجديدة على المجتمع السعودي، كالشفافية والمحاسبة وجعلت من المواطنين قريبين ومتفاعلين مع وسائل الإعلام المحلية.
كما أشار إلى أن هذا الانفتاح الإعلامي بدأ يفرز نحوه اتجاهين متعارضين في المجتمع، أحدهما يدفع بالمزيد من الانفتاح، والآخر تيار يهدف إلى المحافظة على النمط السائد للخطاب الإعلامي، معتبرا ذلك من علامات التحول الطبيعية في المجتمعات، وأنه تفاعل طبيعي مع ما يدور في العالم من مفاهيم وأطروحات حديثة، وتحدث مفصلا عن مشروع العولمة الحديث وإفرازاته لخطابات عنيفة وعنصرية تتداخل مع الشؤون الداخلية للمجتمعات، وتأثير ذلك على الخطاب الإعلامي في السعودية، والذي عزز التخوف من هذا المشروع فبدا وكأنه يدعو إلى التمنع من قيام أي علاقة إيجابية مع الآخر.
وحلل الكاتب شبكشي بعض التحولات الجديدة التي دخلت في الخطاب الإعلامي في السعودية، ومن أبرزها التعبير عن مختلف مكونات المجتمع السعودي وأطيافه المتعددة، كما طرحت مفردات وقضايا محورية جديدة تتعلق بحاجات المواطنين وقضاياهم، ومن أبرز ذلك موضوع، التعليم بكل جوانبه، والدعوة إلى خلق الأرضية السوية لتعليم منطقي وعقلاني، وموضوع العمل عبر توفير التكافؤ في الفرص بين الجميع من أجل حياة كريمة، كما طرح موضوع الوضع المالي والميزانية ومناقشتها ونالت حيزا كبيرا من القبول الشعبي، ثم تطور الوضع لطرح موضوع القضاء وتطويره إداريا ونظاميا، وبعدها تم طرح قضية الإصلاح من مختلف جوانبه ونال تغطية واسعة في مختلف وسائل الإعلام. وذكر الأستاذ شبكشي أنه ليس صحيحا ربط مطالب الإصلاح بمشروع خارجي؛ حيث أنها كانت قائمة منذ سنوات طويلة، وهي إرث اجتماعي محلي يدعو إلى الحوار والإصلاح الداخلي.
وذكر ضيف المنتدى أن الصحافة السعودية قد سبقت الإعلام الرسمي المسموع والمرئي بأشواط كبيرة من خلال طرحها لهذه المفاهيم الجديدة، مع أن القنوات الفضائية السعودية الخاصة ساهمت بدور كبير في تبني وطرح هذه المفردات والمفاهيم الجديدة، كما أسهمت أيضا في الحضور الإعلامي للمثقفين السعوديين الذين بدؤوا في التعبير عن تنوعهم الفكري وأطيافهم الاجتماعية المختلفة.
وأشار الأستاذ شبكشي إلى أن التحدي القادم للإعلام السعودي هو القدرة على الانتقال من النظرية إلى التطبيق، حيث أن تشكل الهوية السعودية الجديدة يتطلب خلق الفكرة الوطنية الواحدة التي تكون ما أطلق عليه الشيخ حسن الصفار “السلم الاجتماعي” وهي القدرة على التعايش والتوافق بين أفراد المجتمع وفئاته المختلفة، محددا مسؤولية الإعلام بنقل هذه المفاهيم وطرحها على شكل برامج حوارية وإخبارية ومسلسلات اجتماعية، ودعا إلى ضرورة قيام وسائل الإعلام أيضا بتبسيط الأفكار والمفاهيم العامة إلى مفردات واضحة وسهلة الفهم وقريبة من إدراكهم بغرض ردم الفجوة القائمة بين الخطاب النخبوي والجماهيري، كما دعا رجال الأعمال بضرورة الاستثمار في مثل هذه المشاريع الإعلامية لإنتاج أفلام ومسلسلات وكتب تخاطب هذه الشرائح المختلفة، كي يمكن التعايش مع هذه المفاهيم بالصوت والصورة والكلمة.
وفي ختام حديثه، تناول الأستاذ شبكشي مفردة “المواطنة” داعيا إلى رفع وتيرة التعاطي معها بشكل دقيق ومفصل، باعتبارها الأرضية الصالحة لمقاومة أي خلل في تطور المجتمع بما في ذلك الإرهاصات الكبيرة التي يمر بها الوطن، وعلى رأسها قضية الإرهاب. وحول متطلبات مواجهة التحديات القائمة، دعا ضيف المنتدى الإعلام إلى بلورة رؤية دقيقة تقوم على إيجاد جامع مشترك للمسلمات الوطنية والنظر إلى مستقبل جيل الشباب والأجيال القادمة.
وقام حضور المنتدى من إعلاميين ومثقفين بعرض مداخلاتهم حول موضوع الندوة، فتحدث الدكتور عادل الغانم حول مصداقية الإعلام في ظل وجود العديد من الثوابت والمحددات التي تحد من حرية الإعلام من مناقشة القضايا الحساسة التي يمر بها المجتمع، كقضية ترشيد المال العام والطائفية وغيرها من القضايا. كما تحدث الأستاذ عبد الرؤوف الغزال عن الحرية المتاحة أمام الصحافة، وضرورة توسيع مساحة التعبير عن الرأي في هذا المجال. وعقب الأستاذ أثير السادة حول مفهوم المواطنة وضعف وسائل الإعلام المحلية في تناولها بصورة دقيقة وشاملة، منوها ببعض التجارب الجريئة للصحافة السعودية، كجريدة الاقتصادية.
كذلك تحدث الأستاذ علي الدبيسي حول دور الإرادة السياسية في تطوير الخطاب الإعلامي السعودي ودفعه كي يمارس دوره بصورة جيدة، وأشار الأستاذ حسين العوامي إلى ضرورة البحث عن مكامن الخلل في تبلور الحرية في وسائل الإعلام السعودية، سواء كان من الجهات المسئولة أو القائمين على الإعلام أو القراء من أبناء المجتمع. وأشار الأستاذ أنيس القديحي إلى أن ملكية الدولة لوسائل الإعلام منذ عام 1964م ساهمت في الحد من انطلاق الصحافة، وهي جزء من حالة عربية عامة في حينها.
بعد ذلك، تحدث الشيخ حسن الصفار عن حالة الخوف لدى بعض القائمين على الإعلام، والتي تدفعهم إلى عدم الانفتاح على الآخر بل والتضييق عليه، داعيا إلى أهمية الإصرار على التعبير عن الرأي لتوسيع هامش الحرية، وكذلك تحمل المسئولية تجاه المدافعين عن ذلك. كذلك تحدث الدكتور يوسف مكي عن أهمية التأكيد على الأمل في العمل المطلبي، واستعادة كتابة تاريخه، مركزا على ضرورة الاهتمام بالقاعدة الشعبية.
الدكتور حسن البريكي، تحدث عن أهمية البحث والدراسة في معادلة قوى الثبات والتغيير، وتأثيرها الاجتماعي؛ حيث أن المطالبة بإصلاحات برلمانية طرحت منذ بداية الستينات الميلادية، ولكن الإعلام حاول تجاوز هذه الانجازات الوطنية. وتحدث أخيرا الأستاذ زكي أبو السعود عن أهمية وجود نصوص دستورية واضحة لتعزيز الحرية الإعلامية، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود العديد من البدائل الإعلامية حاليا، ومشيرا إلى ضرورة قيام جمعيات مهنية مختلفة تتعاطى مع حاجات المجتمع.
وقد قام الأستاذ حسين شبكشي بالرد وتداول الرأي حول جميع مداخلات ومشاركات حضور المنتدى، التي انتهت بحماس وتفاعل كبيرين.