في أمسية تاريخية وطنية رائعة، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف ضمن برنامجه للموسم الثقافي الثاني عشر الأستاذ حمد الحمدان والأستاذ باقر الشماسي في ندوة بعنوان “أضواء على الحركة العمالية في الخمسينات” ليسلطان الضوء على جوانب من تلك المرحلة لما لها من أهمية قصوى في ذاكرة هذا الوطن.
في البداية صرح مدير الندوة الأستاذ حسين العلق أن هذا المساء خُصص للاطلاع على كنز نضالي يفترض أن يقدمه الضيفان الأستاذ حمد الحمدان والأستاذ باقر الشماسي بمناسبة رحيل إحدى القامات الكبيرة التي تركت بصمتها على تاريخ هذا البلد نحو السعي للإصلاح السياسي والدستوري على مدى عقود من حياتها وهو الراحل عبد العزيز السنيد.
قدم الأستاذ حمد الحمدان نصاً شامخاً بعنوان (هكذا مات عبدالعزيز السنيد واقفاُ)، استعرض في نصه مسيرة هذا المناضل الذي فقده الوطن يوم السبت الموفق 18 فبراير 2012 عن عمرٍ مديد اتسم بالعطاء الوطني والإنساني وتميز بالتضحية الذاتية لم يترك لنفسه شيئاً رغم كل المغريات و العروض، كان عفيف النفس، طاهر اليد، مستقيم السلوك، يتماهى مع طهر فكره الوطني والإنساني وقناعاته السياسية، إنه تاريخ مراحل نقل على أكتافه عذاب وأتراح وراحة وبهجة وأفراح حقب ملموسة محسوسة.
و تطرق الحمدان في حديثه إلى عودة السنيد للوطن في أوائل الخمسينات من القرن الماضي وانضمامه للعاملين بشركة أرامكو، حينما أكتشف هو وعدد من الشباب المتعلم المدرك واقع العمال السيء، فبادروا عام 1953 إلى تأسيس اللجنة العمالية كثمرة لعملهم المنظم، وبجهود علمية متقدمة والتي انتخب الفقيد السنيد رئيساً لها، كان من بين أعضائها إبراهيم الفرج ويلقب بـ ( السيفتي ) والناقبي الراحل صالح سعد الزيد وعبد الرحمن البهيجل وسائق مدير الشركة مستركفرسل وسعيد نجيب وجاسم سلام وعبد العزيز الصفيان وعمر وزنه.
وأضاف الأستاذ باقر الشماسي نصفاً آخراً من تأريخ تلك المرحلة، فقد عرض مكانة السنيد الخاصة والتي لا تكاد تمحى من ذاكرة شعب هذا الوطن بكل أطيافه وشرائحه وملله المتعددة وخصوصاً في المنطقة الشرقية، فكان الناس منبهرين معجبين بهذا الرمز، وبرفاقه الشجعان، وبحسن قيادتهم في جنب صفوف العمال، وتوحيد كلمتهم، وتوعيتهم بحقوقهم، والتضحية لنيل هذه الحقوق كاملةُ غير منقوصة.
وعرض الشماسي مشهدٌ تاريخي في ذات الوقت، بين فيه حال العمال الموجعٌ للغاية، كانت رواتبهم كل نصف شهر؛ يعني بالأجر اليومي حيث يتقاضى العامل 3 ريالات يومياً، ويسكن في خيام لا تقيهم عن البرد ولا عن لهيب فصل الصيف وهو 6 أشهرٍ ونيف، كما وأنهم محرومون من العلاج، كما لا يحق لهم المطالبة بإجازات سنوية، ويعملون في اليوم 8 ساعات وحتى منتصف يوم الخميس، وبعد ظهر يوم الخميس يرحلون إلى مدنهم وبلداتهم بالمنطقة الشرقية في تريلات طول الواحدة حوالي عشرون متراً.
وأستطرد واصفاً المشهد النقيض لسابقه، كان الخواجات الأمريكان هم الذين يتنعمون بالخيرات، بدءاً من رواتبهم الخيالية حينذاك، وإجازات شهرين سنوياً، ومستشفى ضخم ومتكامل التخصصات والأجهزة الطبية الحديثة، وبلدةً تسمى سنير ستاف، تتوفر فيها كل وسائل الترفيه المميزة من فلل فخمة يتوسطها 20 متراً مربعاً من الأرض المنبسطة الخضراء، وبركة للسباحة، مفروشة بأعلى المستويات من الأسرة والسجادة الثمينة ،وهذا عدا المطاعم المتوفرة في الحي من سينما وإلى آخره. ولكن هذه الحركة النضالية انتصرت بفضل صلابة قادتها، وتوحيد صفوفهم وإيمانهم المطلق بمشروعية مطالبهم.
واستعرضت بعد ذلك، الفنانة التشكيلية الأستاذة حواء المغيزل مشوارها الفني، الذي بدأ باللوحة الواقعية كمعظم الفنانين، وانتقل بالتدريج إلى أساليب متعددة، تدعمت بالدراسة المستمرة إلى أن وصلت إلى الأسلوب الذي نال المساحة الأوسع للتعبير.
بدأ المداخلات الأستاذ جعفر النصر بإلقاء كلمة تعبيرية عن الوفاء لهذا الإنسان الذي أحب الناس وأحبه الناس، والذي يعتبر رائداً من رواد الحركة الوطنية وسيبقى اسمه مقترناً دائماً بالحديث عن الوطن وتاريخه، وقد رأى النصر أن الحديث عن الحركة العمالية قد جاء جنباً إلى جنب مع تأبين هذا الفقيد.
وشكر الأستاذ نجيب الخنيزي الأستاذ جعفر الشايب على هذه المبادرة في تأبين الفقيد الغالي، والذي يمثل صفحة مضيئة بيضاء في الذاكرة الوطنية والتاريخية، فقد لعب هو ومؤيديه دوراً رائداً كبيراً في مجال النضال الحقوقي والمطلبي والسياسي، كما أنه كان أحد رواد التنوير والنهضة الفكرية والثقافية في المنطقة الشرقية، فقد مثل فكراً تقدمياً إنسانياً منفتحاً على كل المنجز الوطني والعربي والإنساني ككل.
وأكد الأستاذ عبدالله عبدالباقي على دور السنيد، الذي ظل مستمراً في رؤيته التقدمية ورؤيته اليسارية حتى لحظة مماته، فإن نظام العمل والعمال يستفيد منه كل عمال الوطن الآن، وفيه الكثير من القضايا لصالح الطبقة العاملة ولصالح الناس ولصالح العمال نتيجة لمثل وجود هؤلاء اليساريين المدافعين عن الطبقة العاملة.
وختم مدير الندوة الأمسية باستعراض تجربته في العمل لدى شركة ايطالية عام 2001م، بين من خلالها ما يتحمله السعودي من أجل لقمة العيش، مؤكداً على أن المواطن من واقع تجربة سعودية، ليس شخص كسول كما يدعي البعض، على العكس فهو يسعى كي يشتغل ويعيش ولكن أعطه راتب يستطيع أن يعيش به ويفتح له بيت.
المحاضرة الكاملة: