الحداثة والاجتهاد أطروحة ومناقشة بمنتدى الثلاثاء

3٬838

نحو مقاربة معرفية لمسألة الحداثة والاجتهاد ناقش منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف في ندوته لهذا الأسبوع أطروحة الباحث الأستاذ زكي الميلاد حول تجديد مفهوم الاجتهاد كمبدأ للحركة والانطلاق نحو الحداثة، في ندوة حملت عنوان “الحداثة والاجتهاد: نحو مقاربة فكرية ومنهجية”، وذلك مساء الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1438هـ الموافق 21 فبراير 2017م.

وقد صاحب الندوة فعاليتان أولاهما المعرض التشكيلي للفنان ميرزا حسين الصالح أحد فناني الرعيل الأول الحائز على العديد من الجوائز التقديرية والأوسمة، والذي مثل المملكة في العديد من المعارض الخارجية، والثانية مشاركة للأستاذ محمود الدبيس الذي قدم تعريفا بمبادرة “معارف مقروءة” كمشروع ثقافي يهدف إلى خلق بيئة مشجعة لقراءة الكتاب عن طريق الاستماع لمقاطع نصية قصيرة في شتى مجالات المعرفة ضمن هندسة صوتية متقدمة.

وأدار الأمسية الأستاذ محمد المحسن رئيس اللجنة المنظمة بالمنتدى الذي مهد لموضوع الندوة بالقول بأن أزمة الفكر الإسلامي المعاصر وتشعبه بين الحداثة والاجتهاد وكذا مفهوم الاجتهاد وتطبيقاته، هي من الموضوعات الشائكة والتي أخذت من مفكري العالم العربي والاسلامي الكثير من الجدل. كما عرف المحاضر بأنه من مواليد محافظة القطيف في السعودية واهتم بقضايا الفكر الإسلامي حيث ألف 36 كتابا كما شارك مع باحثين آخرين في 30 مؤلفا، ونوقشن بعض أطروحاته الفكرية في رسائل جامعية عديدة.

بعد ذلك بدأ الأستاذ الميلاد ورقته بالقول بأن من الأطروحات الفكرية التي يتبناها الأطروحة التي ترى أن الاجتهاد في المجال الإسلامي هو المفهوم الذي يعادل أو بإمكانه أن يعادل مفهوم الحداثة في المجال الغربي، وذلك لكون الحداثة تتكون من ثلاثة عناصر أساسية وجوهرية وثابتة هي: العقل والعلم والزمن، وهذه العناصر الثلاثة بتمامها هي العناصر المكونة لمفهوم الاجتهاد، من هنا جاءت هذه المقاربة بين الحداثة والاجتهاد، بمعنى أنها مقاربة لها أساس ولها موضوع فكري ومعرفي وليست من نمط المقاربات المفتعلة. وأوضح أن مما يعترضنا في هذه الشأن، أن هذه العناصر الثلاثة (العقل والعلم والزمن) هي عناصر واضحة ومتجلية ومنكشفة في مفهوم الحداثة، لكنها في مفهوم الاجتهاد ليست بذلك الوضوح والتجلي والانكشاف، وهي بحاجة إلى برهنة وإثبات، وهذا ما سنقوم به، وقبل ذلك نحن بحاجة إلى استجلاء هذه العناصر في مفهوم الحداثة.

وأضاف أنه من جهة العلاقة بالعقل، لا يمكن تصور الحداثة بعيدا عن العقل والعقلنة، فقد بدأت الحداثة من مبدأ الانتصار للعقل، وسيادة العقل، وتنصيب العقل كمحكمة عليا حسب قول الفيلسوف الألماني كانت، وجاءت الحداثة لتعلن الانتصار النهائي والحاسم والحتمي للعقل في ساحة الفكر الأوروبي الحديث والمعاصر. وعن علاقة الحداثة بالعلم، أشار المحاضر إلى أن تاريخ تطور الفكر الأوروبي الحديث، ارتبط بحركة تقدم العلم، فإلى جانب المفكرين والفلاسفة كان هناك علماء الفلك والفيزياء والرياضيات. وعن علاقة الحداثة بالزمن، بين الأستاذ الميلاد أنه يمكن القول إن مفهوم الحداثة هو مفهوم زمني، مشتق من الزمن، وجاء متلبسا بالزمن، وقابضا عليه، والحداثة بهذا المعنى هي النظر إلى الزمن في كل آن، وعدم التوقف عن النظر إلى الزمن، أي أن الحداثة ناظرة إلى ما هو حديث الذي هو خلاف القديم، وإلى الزمن في حركته المتقدمة. أما عن علاقة الاجتهاد بالعناصر الثلاثة المكوّنة لمفهوم الحداثة، فقد ناقش الميلاد ذلك بقوله إن عنصر العقل يتكشف بوضوح كبير في كون الاجتهاد يعني إعطاء العقل أقصى درجات الفاعلية، من جهة الفحص والنظر، وإعمال الفكر وجميع العمليات الذهنية والاستنباطية الأخرى، وهذا ما يدل عليه حتى المعنى اللغوي الذي يعطى لكلمة الاجتهاد في معاجم اللغة العربية، مضيفا أن ما له دلالة على ذلك ما حصل في أصول الفقه من اعتبار العقل الدليل الرابع إلى جانب الكتاب والسنة والإجماع.

وأضاف أن عنصر العلم يتكشف بوضوح كبير أيضا في كون أن الاجتهاد مجاله يتصل بالعلم، وعلاقته بالعلم هي أوثق من أية علاقة أخرى، والعلم هو أقرب ما يدل عليه، فالاجتهاد يتحقق بالعلم ولا يتحقق بغيره، والمجتهد يعرف بالعلم والعلم الواسع والعالي، ولا يعرف من دونه، وكل مجتهد عالم، لكن ليس كل عالم مجتهد. وأوضح الأستاذ زكي الميلاد أن عنصر الزمن لا يقل تكشفا ووضوحا عن العنصرين السابقين، لكون أن فلسفة الاجتهاد تتصل بشكل وثيق بفكرة الزمن، إلى درجة يمكن القول إن الاجتهاد لا يكون إلا ناظرا إلى الزمن في كل آن وبلا توقف، وبوصفه زمنا متغيرا ومتجددا وسيالا، فلا يمكن فصل الاجتهاد عن فكرة الزمن، ومتى ما حصل مثل هذا الفصل على افتراضه، يتعطل دور الاجتهاد ويفقد فاعليته وديناميته، ولا يصدق عليه عندئذ صفة الاجتهاد حقيقة. ويتصل بهذا المعنى مقولة إقبال التي اعتبر فيها أن الاجتهاد هو مبدأ الحركة في الإسلام، فهذه المقولة ناظرة بشكل أساسي إلى علاقة الاجتهاد بالزمن، لكون أن الزمن هو حركة وحركة مستمرة، والاجتهاد هو مبدأ هذه الحركة. بعد ذلك بدأت المداخلات بتساؤل الأستاذ حسن جميعان حول توقف حركة الاجتهاد، وعن مدى ما يسببه تعارض بعض النصوص في تشكيل عائق نحو سعة وتضييق الاجتهاد.

الأستاذ نادر البراهيم علق بقوله أنه لا يمكن المقاربة بين مفهوم الاجتهاد ومفهوم الحداثة ذلك إن الاجتهاد لدى المسلمين بني على معتقدات تشكل حقائق لا يمكن القفز عليها والاجتهاد إنما هو لإثبات تلك المعتقدات والتبرير لها، وهذا يناقض مفهوم الحداثة الغربي التي بنيت منذ عهد التنوير على وجود حرية مطلقة غير مشروطة بحقائق مطلقة. وقال الأستاذ صالح العمير عبر عن أهمية توسيع حركة وفاعلية الاجتهاد في الأمة والاهتمام بتعرف الأمة على مجتهديها الذين أسهموا في معالجة قضاياها. الأستاذ محمود الدبيس تحدث حول أهمية الاشتغال على معالجة اشكاليات ومعوقات تقبل الحداثة، واعترض الكاتب بدر الشبيب على فكرة منح العقل سلطة موسعة في الفكر الاسلامي قائلاً بأن ذلك يصح فقط على المستوى النظري والبحث، ولا مجال للمقارنة بيننا كمسلمين مع سلطة العقل في الفكر الغربي.

الأستاذ علي الحرز عبر عن دهشته حول المفارقة بين غزارة الانتاج الفكري التنويري في دول المغرب العربي وبين انخراط عدد كبير من شبابها في تنظيمات ارهابية متطرفة، وتساءل الأستاذ زكي البحارنة حول ما يمكن أن يشكل تناقضاً في طرح الأستاذ الميلاد بين اشتراطه للانطلاق نحو الحداثة عبر مفاهيم خاصة بنا كمسلمين، وبين عدم تأييده للقطيعة مع الحداثة الغربية، وتحدث عن أن المنطلق للحداثة للعالم الاسلامي يجب أن يبدأ من اصلاح البنى الأساسية للنهضة كالتعليم والصحة وإصلاح النظام العام.

وكانت آخر المداخلات للأستاذ على السويد الذي تساءل حول حقيقة تأثر الحداثة الغربية بالحضارة الاسلامية في العصور السابقة. في الجزء الأخير للندوة أورد الأستاذ الميلاد عدة آراء معقباً على المتداخلين قائلاً بأن الأفكار الحديثة المعبرة عن حاجة حقيقية للمجتمع تولد من خلال حراك، الأمر الذي يعكس وجود آراء متعددة فتأخذ بعدها الزمني لتستطيع غرس نفسها لتكون مقبولة شريطة ألا تصاب هذه الأفكار بالانهزام أمام الضغوط. أما بالنسبة لإشكالية منح سلطة العقل في الفكر الاسلامي يقف عند حدود النظرية والبحث فذكر الأستاذ الميلاد إلى أنه لا يختلف مع مضمون هذه الاشكالية غير أنه أراد التأكيد على أن “أصول الفقه” شكل نقلة نوعية في جعل العقل في هذه المنزلة، مشيراً إلى رأي الدكتور الفضلي في ذلك بقوله” إن المصدر الأول الذي مثل نبعاً إلى كل أصول الفقه هو سيرة العقلاء” بمعنى أن العقل هو الذي أنجب هذا العلم الرفيع والمحكم. وحول مقاربة “الاجتهاد والمعاصرة” كبديل لمقاربة “الاجتهاد والحداثة”، فأشار الميلاد إلى أن ذلك البديل لا يعطي تلك المقاربة القيمة الفكرية الحقيقية لأن المعاصرة من المعاني البسيطة إذ هي تعني “مواكبة العصر” في حين أن الحداثة أعمق وأشمل من المعاصرة يساهم في إيقاظ وتجديد مفهوم الاجتهاد.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

التقرير على اليوتيوب:

 

 

المحاضرة الكاملة:

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد