ضمن اهتمامه بمختلف قضايا المجتمع، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف الباحث الشيخ رياض أحمد آل سليم في ندوة ثقافية تحت عنوان ” التعليم الديني وأثره على المجتمع” وذلك مساء الثلاثاء 18 صفر 1437هـ الموافق 1 ديسمبر 2015م، وبحضور جمع من علماء الدين ورجال الثقافة والفكر.
وقبل بدء الندوة وضمن برامج الفعاليات الاجتماعية، تحدثت الفنانة دلال الجارودي عن تجربتها في العمل الفني وتناولت مساراتها في اقامة المعارض الفنية في المملكة وفلسفتها للفن حيث تركز في اعمالها على مفهوم الورقة وتشبيهها بحياة الإنسان. كما تحدثت الأستاذة ايمان الشيخ عن تجربة مبادرة “نحو قطيف خضراء” والتي تهتم بتوسعة الرقعة الزراعية في المحافظة وتوعية المجتمع بأهمية ذلك.
قدم مدير الندوة الأستاذ عبد الباري الدخيل المحاضر الشيخ رياض آل سليم المولود في مدينة المبرز بمحافظة الأحساء، ويواصل دراساته العليا في المعاهد الدينية والذي أصبح مدرسا فيها، ومؤسس ومدير مركز الرسالة للدراسات الإسلامية والإنسانية، وله العديد من المؤلفات منها: “الحوزة والمجتمع بين التفاعل والتكامل”، “مسيرة التجديد في علم الأصول”، “يابني آدم لا يفتننكم الشيطان”.
استهل المحاضرفي بداية حديثه بالآية القرأنية “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم ايآته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة”، واصفاً إياها بالمفتاح الذي من خلاله يمكننا أن نتعرف على هوية الرسالة ومحتوياتها وأهدافها، وكيفية تعلمها وتبليغها. وأكد أن الحديث عن التعليم الديني هو نفس حديث الرسالة الإسلامية بشموليتها وتفاصيلها وقنوات إيصالها وأدوات تطبيقها، وأن هنالك ثلاثة اسئلة يجب معرفتها قبل الحديث عن التعليم الديني لأنها تتمحور عن الدين نفسه، وهذه الأسئلة هي كيفية تصور الدين في عقولنا، وتمثله في وجداننا، وتجسده في حياتنا وسلوكياتنا.
وأوضح الشيخ رياض السليم بأن عدم طرح هذه الأسئلة وتناولها بموضوعية هو السبب في جميع أزمات الفكر الديني القديم والمعاصر، وأنها تأتي تراتبية كي تشكل رؤية منظمة سلسة قابلة للفهم وصالحة للعمل. وحول جواب السؤال الأول الذي يتعلق بتصور الدين في عقولنا، بين المحاضر بأن هذا النوع من الأفكار يسمى عقيدة أو “فقه أكبر”، ويسمى بلغة العصر “ايدلوجيا” وهي ما تتضمن الأجوبة لأهم الأسئلة البشرية، كرؤيتنا نحو الله، ونحو الإنسانية والكون والحياة، وهي تشكل القاعدة الفلسلفية التي تبنى عليها بقية الأفكار.
وتبقى هذه أفكارا مجردة إلى أن يؤمن بها الشخص فتنعكس في وجدانه ومشاعره وعواطفه ومواقفه، وتتحول إلى مبادئ وتسمى في كتب التراث بالأخلاق أو “الفقه الأوسط”، كما تسمى بلغة العصر القيم (اكسولوجيا). وتقسم هذه المنظومة من الأفكار إلى ثلاثة أقسام هي فلسفة الحق (المنطق) وفلسفة الأخلاق وفلسفة الجمال. وهذه الافكار تنظم سلوك الفرد مع نفسه ومع ربه فتنتج لدينا “فقه العبادات”، وهي عبارة عن قضايا تعبدية توقيفية محضة بين العبد وربه بهدف مرضاته. وعندما تتحول هذه الأفكار والقيم لتنظيم وتقنين سلوك الإنسان مع الآخرين ينتج لدينا “فقه المعاملات” وهي عبارة عن قضايا عقلانية يمارسها البشر منذ القدم ويطوروها، كما أن “فقه المعاملات” يضبط ثلاثة أنظمة عقلانية وهي النظام الإجتماعي، والإقتصادي، والسياسي.
وأفاد الشيخ آل سليم بأن هذه الرؤية المتعلقة بالدين قد تكون واضحة لدى الكثيرين، ولكنها تغيب عند الدخول في التفاصيل، فهناك من يتعمق في العقيدة فيغرق في الجدل فتصبح العقيدة كورم سرطاني وتتزاحم لديه الأفكار الثانوية الجدلية وتحل محل الأفكار الأساسية، وهناك من يتوسع في الفقه فتغيب عنه منظومة القيم التي هي القاعدة التي يبنى عليها الفقه، ويصاب إما بالجمود والرجعية أو بالخيال والافتراضات العقيمة. وأكد بأن المجتمع بحاجة إلى إعادة صياغة افكار العقدية بصورة جذابة سلسة في كل مجاري الحياة لتنعكس على السلوكيات والعلاقات الإجتماعية والتربوية والسياسية.
وأوضح المحاضر بأن الأزمة الثانية تتمثل في فهم منهج الدين نفسه، فالآية الكريمة لخصت دور الرسول (ص) في ثلاثة أبعاد وهي التزكية وتعليم الكتاب،وتعليم الحكمة. وهذه الأدوار ترتبط بالمناهج المعرفية التي تحكم كل العلوم البشرية وهي (الفرقان والبرهان والقرآن). وبين أن الأزمة المنهجية تنشأ عندما يتم الاستناد على منهج واحد وإلغاء المناهج الأخرى، وأشار إلى أن الشريعة لا تتحقق إلا من خلال المنهج، فبالشريعة يكتمل المنهج، حيث أن الهدف من الشريعة هو خلافة الانسان على الارض من خلال العبادة وتعمير الارض وهداية الناس وإنقاذهم من الضلالة ورسم طريق السعادة وتحقيق الرحمة الإلهية.
وتطرق الشيخ آل سليم بعدها للحديث عن الأزمة الفكرية الثالثة في فهم الدين بسبب وضع الأديان الأخرى كمعيار لفهم الدين، وأن المستشرقين اوقعوا عن قصد أو غير قصد مقارنات جدلية بين الإسلام والمسيحية وحاولا اسقاط نفس النظريات عليهما معا، وعلى نفس النسق شارك كثير من المسلمين وتبعوا مفكري الغرب. واستشهد بمثل فكرة فصل الدين عن الحياة، وفكرة رجل الدين وسلطة الكنيسة وإسقاطها على مؤسسات التعليم الديني، وفكرة الحق الإلهي وإسقاطها على الخلافة والولاية. وأوضح أن الاسلام نظام متكامل، وله نظرياته المختلفة عن الاديان الاخرى والتي هي أكثر شمولية.
وتناول المحاضر في الندوة اشكالات التعليم الديني وأبرزها في البعد الفكري ويشمل هوية المدارس الدينية ومؤسسات التعليم الديني، وعلاقة العلوم الدينية بالعلوم الاخرى، وغياب أهداف التعليم الديني ووظائف العلماء. وفي البعد التربوي أوضح أن من بينها عدم وجود الخطط التربوية والاعتماد على الاساليب التقليدية في التعليم، وعدم الاهتمام بتربية شخصيات قوية وتأهيلها، وتقديس الكتب القديمة والخوف من الإستغناء عنها. كما تناول إشكالات التعليم على المستوى الإجتماعي متمثلا في البيئة التعليمية والظروف السياسية والعلاقات الاجتماعية والعادات والتقاليد في الحوزات الاكادمية.
وبدأت المداخلات بسؤال من الأستاذ رياض بو خمسين حول مشكلة النص وتفعيله لدى أتباع المدرسة الإخبارية، وطالب الدكتور عبد العزيز الحميدي الانتقال إلى البعد الانساني في التفكير ليكون أكثر شمولية واستيعابا. وطرح الأستاذ جعفر الشايب رأيا يناقش فكرة الدولة المدنية في مقابل الدولة الدينية التي طرحها المحاضر، مؤكدا على أهميد حيادية الدولة عن معتقدات الناس ودينهم حتى لا تكون منحازة لطرف دون غيره من المواطنين فيها.
كما طرح الأستاذ عمار العبود سؤالا حول النموذج التركي في الجمع بين العلمانية والدين، وتناول الأستاذ علي البحراني موضوع المقارنة بين المجتمعات الإسلامية والغربية حيث أن بينهم بونا شاسعا وفجوة لا يمكن ردمها. وتساءل الأستاذ أحمد الخرمدي حول أهمية التعددية الفكرية في تجاوز الكثير من الأزمات القائمة، ودعا الأستاذ حسن آل جميعان إلى القطيعة مع التعليم الديني الذي يعتبر أحد اسباب التشدد والتطرف في المجتمعات الإسلامية. وطرح الأستاذ أمجد الحربي اشكالية قدسية التفسير والبقاء عليها والتشبث بها رغم بروز العديد من النظريات العلمية الحديثة، كما علق الأستاذ منصور سلاط على المقارنة مع المدارس الفكرية الغربية بأن النظرة ينبغي أن تكون موضوعية وشاملة كي يمكن الاستفادة منها بشكل عام.
المحاضرة الكاملة: