في حضور نوعي حاشد ، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي المفكر السياسي الدكتور توفيق السيف في ندوة حملت عنوان “الإسلام السياسي وتحديات التجديد” وذلك مساء الثلاثاء 18 ربيع الثاني 1435هـ الموافق 18 فبراير 2014م . أدار الأمسية الإعلامي الأستاذ ميرزا الخويلدي الذي افتتح اللقاء بحديث عن صعود الحركات الاسلامية في العالم العربي الذي أحدث خضات عنيفة على الصعيد الفكري والسياسي والأمني ، وأكد على أن هذه الحركات استفادت من الربيع العربي في تحسين ظروفها وطرح ذلك جدليات ترتبط بتكوين هذه الحركات ومنهجها الفكري وخطابها السياسي والدور الذي تؤديه في تقسيم المجتمعات وصولا لعلاقتها بالدولة الوطنية .
وعرف مدير الندوة بالمحاضر الدكتور توفيق السيف بأنه مفكر وباحث في الفكر الإسلامي ومشتغل بالعمل السياسي وكاتب له العديد من الدراسات التي أثرت الفكر الإنساني وقدمت قراءات نقدية للفكر الديني تحديدا وعلاقته ببناء الإنسان والدولة والمجتمع وخيارات المستقبل .
افتتح الدكتور توفيق السيف حديثه حول صعود الحركات الإسلامية الذي ترافق مع إنشقاق في المجتمعات العربية بسبب إنكسار النظام القديم وظهور تعبيرات جديدة عن المصالح الممكنة وتحولها إلى كيانات حديثة ، معرفا بجماعات الإسلام السياسي بأنها كل جماعة تعتمد مرجعية إسلامية وتعد نفسها كفاعل في المجال السياسي أو تهدف لتحقيق أغراض سياسية ، مشيرا إلى أن المصطلح غربي المصدر ويطلق على نحو إجرائي . وتحدث الدكتور السيف عن أن التحدي الذي يواجه الإسلام السياسي هو ذاته الذي يواجه الحركات السياسية الأخرى التي صعدت خلال الربيع العربي .
وبين السيف أسباب صعود الجماعات السياسية في المنطقة العربية بهذه الصورة بأن جمودا شاملا حل بالمنطقة العربية طوال العقدين الماضيين لم يحصل فيه أي تغيير في السياسات والأنظمة في الوقت الذي كان العالم يتغير ويتحول بشكل عميق وفي مختلف المجالات ، فالصين مثلا اتبعت سياسة إقتصادية جديدة خلال هذه الفترة غيرت من المنظومة الإقتصادية الكونية ، وحدثت تطورات سياسية جذرية مهمة في عدة دول كتركيا مثلا ، كما دخل العالم في مرحلة ثورة المعلومات التي أحدثت تغيرات هائلة في المجال الثقافي و الإنتاج العلمي .
وأشار إلى أن المنطقة العربية ظلت بعيدة عن التحولات السياسية باتجاه الديمقراطية ، وهذا بدوره أدى إلى خلق هوة كبيرة بين المنطقة العربية وبقية دول العالم ، من هنا فإن أبرز التحديات التي تواجه القوى الجديدة هو سد هذه الهوة أو تقليصها ، حيث أن الجواب على هذا التحدي يكمن في التجديد الذي يعني تجديدا في فهم الحياة والنظرة إليها بشمولية وأفق واسع ومنفتح . وأكد الدكتور السيف أن الإسلاميين يتحملون عبئا أكثر من غيرهم من الجماعات السياسية لأن لديهم إشكالات مختلفة ، فمثلا أن معظم الحركات الاسلامية عملت كجماعة دعوية يدور مداها حول المدرسة والمسجد وأن مشاركتهم السياسية كانت جانبية في تسيير بعض الأمور وليس في صناعتها . وأوضح أن الإسلاميين بذلك يواجهون تحدي الإنتقال من الدعوة لما ينبغي أن يفعله الناس إلى إدارة الدولة وإقامة العدل وإجتثاث الفساد والتخلص من الفشل ، وذلك يعني الإنتقال من الكلام عن تكاليف الاخرين إلى بيان كيف سيقومون بدورهم ، وهذا التحدي الحقيقي ، أي الإنتقال من دور الداعية إلى إدارة الدولة وهو إنتقال ثقافي عميق .
وأوضح أن التحدي الثاني الذي يواجه الإسلاميين هو التحول من كونهم ممثلين لإيدولوجيا خاصة تؤمن بها هذه الجماعة إلى ممثلين عن كل الشعب ومعبرين عن مصالح كل مكوناته دون أي تمييز بين مختلف الجهات . وبين أن الدعويين اعتادوا على إبلاغ الناس ان سبب تأخرهم هو الإبتعاد عن الدين ، بينما ليس ذلك هو السبب الوحيد حيث توجد حكومات متقدمة وهي غير دينية ، وهذا يطرح تساؤلات حقيقية حول دور الدين وموقعه في الحياة ، وأوضح أن الاسلاميين لم يبلوروا فكرة واضحة حول الدولة ، فليس لديهم أطروحات ناضجة ومتبلورة حول مفاهيم أساسية كالديمقراطية وسيادة القانون والحريات والمساواة بين الناس ، وهو أمر مشترك في الحركات الدينية السنية والشيعية .
وأوضح أن سيادة القانون هي أحد الأسس الكبرى في الدولة الحديثة وكذلك المساواة بين الجميع فيما يرتبط بالمجال العام ، ومثلها وحقوق الأقليات حيث لا توجد دولة صافية بدون عرقيات بل تتعدد القوميات والإثنيات بشكل طبيعي . وإستشهد بمصر مثلا كونها دولة طائفية في عهديها الملكي والجمهوري في نظرتها للأقباط بإعتبارهم جسر للنفوذ الأجنبي كما هو الحال بالنسبة للمسيحين في جنوب السودان والأكراد في العراق والشيعة في الخليج . وتحدث حول مفهوم المساواة في الدولة الوطنية الحديثة التي هي ملك لجميع أبنائها ، فالجميع مواطنون ويشتركون في ملكية أرض وطنهم وتتولد عن ذلك حقوقا متساوية ، مشيرا إلى أن هذه الثقافة ليست شائعة لدى الحركات الإسلامية وليست موجودة في التراث الإسلامي وليست مؤصلة فقهيا .
وحول القضايا الملحة التي تواجه الحركات الجديدة ، فقد أكد المحاضر على ضرورة التعاطي معها على أساس التجديد في الفكر وفي فقه إدارة الدولة ، ولخصها بأنها تتركز في ثلاثة إتجاهات رئيسية : أولها قضايا من أساس ميكانيكية الدولة كموضوع السياحة التي تولد ٣٠ بالمئة من الوظائف في مصر مثلا وما يتبعها من أنظمة وإجراءات بعضها ضد متبنيات الإسلاميين وكذلك الإرتباط بدول كالولايات المتحدة التي تشكل مصدرا أساسيا لدعم الإقتصاد وهو ما يستحيل التوقف عنها بغض النظر عن مشروعيتها . وأوضح أن الإتجاه الثاني قضايا تعبر عن تطلعات الطبقة الجديدة الذين أوصلوا الجماعات الإسلامية للحكم ، ويتطلعون لتحقيق مصالحهم ومكاسب من النظام الجديد ، أما الإتجاه الثالث فعبر عنها المحاضر بأنها قضايا تمس إستقرار المجتمع سياسيا .
وتناول الدكتور السيف في نهاية محاضرته مجموعة ملاحظات تتعلق بمجالات التجديد في فكر ومناهج الجماعات الإسلامية السياسية منها أن الحق في إدارة الدولة لا يستتبع أي حق في الإستئثار بمواردها كالثروة والإعلام والسياسة ، وأن تاييد الناس للخيار الإسلامي يعني البحث عن نظام بديل أصلح وأكثر تطورا وتمدنا ولا يعني نظام يعتمد على تطبيق الفهم الفقهي التقليدي المختلف تماما عن حاجات هذا العصر ، وأخيرا فإن القراءة التقليدية للإسلام طائفية ومبنية على التمايز وليس الجمع فهي تدير طائفة وليس دولة . من هنا يؤكد المحاضر على ضرورة الحاجة إلى قراءة جديدة للإسلام تفصل بين الفقه الموجه للأفراد وذاك الموجه للجماعات .
وختم المحاضر في تعليقاته على مداخلات الحضور بإشارات منها أن التحديات القائمة تواجه الإسلاميين وغيرهم من الجماعات السياسية أيضا ، وهي تدعو الإسلاميين لمراجعة مبتنياتهم الفكرية ويجب أن لا يشعرهم ذلك بالقلق من النقد الذي هو واجب في هذه المرحلة ، موضحا أن لكل جيل من أجيال المسلمين حق مطلق في إعادة صياغة دينه بنفسه – كما فعل من سبقونا – وليس هناك قسر في الإلتزام بدين السابقين فهم صنعوا دينا وأورثونا إياه .
وجاءت مداخلات الحضور العديدة حول الأفكار التي تناولها المحاضر ، فتساءل الأستاذ حسن القمارة عن مدى تأثير فشل الإخوان المسلمين على بقية الحركات الإسلامية ، وتحدث الأستاذ حسن الجميعان عن نظرة الإسلاميين إلى الفرد بوصفه مفردا أو كجزء من الجماعة ، وحول الإسقاطات التاريخية في إدارة الحكم وكأنهم في زمن الخلافة وليسوا في الزمن الحالي . وأشار الباحث محمد الشيوخ إلى أن الإخوان المسلمين مارسوا إستفرادا بالحكم ، وأنهم تناغموا مع شعارات الجماهير ولكنهم إنقلبوا ضدها لاحقا ، كمأ ابدى الأستاذ رضا البوري ملاحظات حول المحاضرة كونها انطباعية مبديا تحفظه عما ورد من حديث حول الإشكالات التي طرحها المحاضر عن تجربة الإسلاميين في إيران .
وتناول الأستاذ فاضل العماني موضوع إشكالية فشل الجماعات الإسلامية عما إذا كان نتيجة في ذات أنموذج الإسلام السياسي أم في التراث والفهم الديني المتناقض ، وطرحت الأستاذة شادية البيات إشكالية التعارض في تجديد الخطاب الديني والعلماني كي يتواءما مع صعوبة ذلك لتعارضهما . وتساءلت الأستاذة خلود المسيري عن مدى أهمية النجاح الإقتصادي لبعض الدول ، ومساهمة المرأة في الإنتخابات البلدية القادمة .
وتحدث الكاتب الأستاذ زكي أبو السعود عن سيطرة الإسلاميين طوال الفترات الماضية وأنهم عملوا على إستبعاد القوى السياسية الأخرى وقمعها كما في السودان وإيران ، مشيرا إلى أن مستقبل الإسلام السياسي يتحدد بخروجه من العباءة التقليدية وتبني تجديد الواقع ومطالب الجماهير ليكون قوة سياسية فاعلة دون أي احتكار كما في التجربة المغربية . أما الدكتور مسفر القحطاني فتحدث عن ضرورة الغوص في البحث حول جذور المشكلات ومعاودة النقد وطرح الأسئلة ومن بينها فيما يتعلق بظاهرة الإسلام السياسي ، مشيرا إلى أن ظاهرة القفز كانت بارزة في دول الربيع العربي بإعتبار أنها فرصة للوصول إلى السلطة .
وطرح الأستاذ مصطفى الشعلة أهمية بحث مواقع الإخفاقات والنجاحات للإسلاميين في تجارب مختلفة ، أما الأستاذ عبد الخالق المرزوقي فتحدث عن أن الحديث حول الإسلام السياسي يتم بالجملة وليس بتفاصيلها فقادة حركة النهضة مثلا عاشوا فترة طويلة في اوروبا وتابعوا تطورات الحراك الإسلامي في مختلف الدول كمصر مما أعطاهم متسعا أفضل للتعاطي السياسي المنفتح ، كما أن الحركات الإسلامية بحاجة ماسة إلى الفقيه السياسي لصياغة رؤية جديدة لموقعية الدولة . وطرح الأستاذ علي الحمد إشكالية التعارض بين مراعاة منفعة الجماهير في مقابل إيدلوجية الجماعة السياسية حين وصولها للحكم ، بينما أكد الأستاذ غسان الخنيزي على أن الحركات السياسية الإسلامية هي أحزاب عقائدية مبنية على الهوية وليس على البرامج السياسية .
وأشار الأستاذ إبراهيم السيد إلى أن البناء الحضاري للأمة يكون من خلال مراجعة الواقع ونقده ، ومراجعة التراث ونقده وقراءة تراث الغرب وإعادة إنتاجه بما يتفق ومنظومتنا الحضارية ، أما الأستاذة إيمان الصفارفتساءلت عن مدى تأثير سقوط الاخوان على قوة الإسلاميين وشعبيتهم .