احتفاءا باليوم العالمي للتسامح، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف ضمن برنامج موسمه الثقافي الخامس عشر ندوة حوارية تحت عنوان “مجتمعنا وضرورة التسامح الديني” وذلك بتاريخ 25 محرم 1436هـ, الموافق 18 نوفمبر 2014، بمشاركة الدكتور عادل محمد العمري، وبإدارة الاستاذ عبد الباري الدخيل. وقد حضر الندوة جمع من المثقفين والإعلاميين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي في المنطقة.
في بداية الندوة تساءل مديرها الأستاذ عبد الباري الدخيل عن حاجة المجتمع للتسامح الديني، خصوصاً في ظل الصراعات والنزاعات القائمة على أساس ديني، وحالات القطيعة والتنافر التي تهيمن على مجتمعنا العربي، مستشهداً بتجارب مجتمعات أخرى وظفت التسامح بصورة ايجابية كي تحقق تعايشا أفضل بين مكوناته، وذاكرا آيات من القرآن الكريم تؤكد
على أهمية التسامح الديني. وعرف مدير الندوة بضيفها الدكتور عادل محمد العمري، بأنه من مواليد القصيم بوسط المملكة، وأنهى دراسته الجامعية من جامعة الامام محمد بن سعود الاصلامية بالرياض حيث حصل على شهادة الدكتوراة منها، ويعمل أستاذا مساعدا في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة القصيم، كما أنه كاتب في الصحافة المحلية، وله عدة أبحاث ودراسات متنوعة.
بدأ الدكتور محاضرته بالحديث عن الأثر الذي يمكن أن يسبب التشدد المذهبي والديني والمخاطر التي يتركها في المجتمع، مشيرا إلى أن جريمة الدالوة في الأحساء والتي وقعت مؤخرا هي إحدى افرازات التشدد المذهبي، مؤكداً على ضرورة نشر مبادئ وثقافة التسامح في المجتمع وتجريم هذا الأفكار التي تنافي هذا المبدأ. وتطرق في حديثه أيضا إلى التطور الذي أحرزته المجتمعات المدنية في الغرب والشرق والتي نتجت عن الإقرار بمبدأ التسامح وتكريسه في الثقافة العامة وفي الممارسة العملية. وتناول الدكتور العمري موضوع التنوع والتعددية الدينية والمذهبية والتي تكون خيارات الإنسان افلرد فيها محدودة حولها، فالبيئة التي يولد فيها الإنسان هي من تؤثر على تحديد خياره الديني والمذهبي، وهي التي تساهم في غرس معتقداته الدينية. ونبه إلى أن التسامح ضمن هذا المفهوم يعني القبول بالتعدد الديني وخيارات الأفراد في معتقداتهم، وينبغي أن لا يقتصر التسامح على الأقوال والمواعظ بل لا بد أن تدعمها السلوكيات لئلا يكون حبيس هذه الألفاظ الفارغة.
واستعرض المحاضر تطور مفهوم التسامح فكريا ودينيا، وتحدث عن الاشكاليات المتعلقة بمفهوم التسامح الديني في المشهد المحلي من خلال عرضه لمحوري إسلام النص وإسلام المذاهب كما أسماهما، باعتبار أن عملية مذهبة النصوص وتطويعها لخدمة المذهب حرفتها عن هدفها الأساس وجعلت منها افكارا تثير الكراهية وتحض عليها تجاه المختلفين مذهبيا. وأوضح أن استنباط الأحكام من خلال الإجتهادات الضيقة خلقت تناقضا بين ما توصل إليه هذه الإجتهادات وبين مقاصد النصوص الأساسية من تراحم وتواصل وتسامح وتفاهم. ونوه إلى أن الفكرة السائدة في مجتمعنا حول التسامح تميل إلى التعريف الحرفي للكلمة بمعنى العفو والتنازل، بينما التسامح يعني هو الاعتراف والاقرار بحق كل فرد في ممارسة مختلف حقوقه بحرية، فعندما نتحدث عن التسامح الديني فتعني الإقرار بحق صاحب أي دين أو مذهب حتى لو اختلفنا معه في ممارسة حرية الدينية.
وعلل الدكتور العمري سبب انتشار ذلك بالتوظيف السياسي للخلافات بين الأديان والمذاهب، وتحويلها لمبررات للصراع واستغلال الأحداث التاريخية ضمن هذا السياق، مؤكدا على أن الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، مؤكداً على أن الصراع بين الشيعة والسنة هو في الأساس سياسي، وأنه لو لا وجود التطرف السني لما نشأ التطرف الشيعي والعكس صحيح، وأضاف أن من مسببات الكراهية أيضاً تسييس الدين والمذهب، والتهاون في نبذ الفكر الطائفي، وعدم توفر مجال لممارسة الحرية الدينية، وفي إطار تعزيز التسامح الديني في المجتمع ومعالجة آثار التشدد والكراهية، أكد الدكتور العمري على مطالبة العلماء والمثقفين في المملكة باستصدار قانون لتجريم الطائفية من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية. وأشاد بمبادرة الواعين من شخصيات المجتمع السياسية وخطواتهم من أجل نبذ الطائفية، داعياً الجميع لمواجهة المفاهيم المغلوطة وممارسة النقد المذهبي ذاتيا، ومعاقبة كل من يسئ للرموز الدينية، ونبذ الخطاب الديني الذي يؤجج الكراهية.
وانتقد الدكتور عادل العمري المناهج الدراسية التي تتمحور حول استحضار الماضي من أجل النزاعات الطائفية، منوها إلى أنها تساهم في تكريس ثقافة العنف، داعيا الجهات الرسمية إلى منع إصدار وطباعة الكتب التي تعترض لأي مكون من مكونات الوطن، ومطالبا بإيقاف الخطابات التحريضية والتي تساعد في نشر الكراهية بين المواطنين. وأكد على أن التسامح مبدأ لابد من تعزيز ثقافته في مختلف المؤسسات الوطنية، بصفته مبدأ لا يمكن التنازل عنه، مطالبا بأن تتوفر آليات وطنية مناسبة تهدف لتعزيز مبادئ وأفكار التسامح الديني في المجتمع، منها التعريف المناسب بمختلف المذاهب من قبل أصحابها، وإتاحة المجال في وسائل الإعلام للحضور المناسب لرموزها. وأشار إلى أن غياب حالة التسامح في المجتمع المحلي من أسبابه التجهيل المتواصل ضد الآخرين ورسم صور نمطية مغلوطة عنهم.
وأجمع الحضور في المداخلات بأن دعوات التحريض هي المسبب الرئيسي لإشكالية سيادة التطرف الديني في المجتمع، وطالبوا بضرورة الإصلاح الفكري والذي لا يتم الا من خلال الإصلاح السياسي، مؤكدين على أن السياسة بدون فكر تفشل مبادرات التسامح. واشار رئيس اللجنة المنظمة للمنتدى الأستاذ عيسى العيد إلى ضرورة اسقاط مفاهيم الآيات الواردة حول التسامح الديني في القرآن الكريم على أرض الواقع، لأن ما نشهده الآن هو خلاف ذلك تماما.
وذكرت الأستاذ سلوى السيف في مداخلتها موقف أحدى مدرسات التربية الدينية حيث قامت بتمزيق كتاب الدين لطالبة بالصف الأول والتي كانت تحمل صورة شيخ من الطائفة الشيعية، والذي أثار لدى الطالبة العديد من التساؤلات بسبب هذا التصرف المستفز. وتحدث الدكتور توفيق السيف عن مفهوم الحرية الدينية وعلاقتها بالتسامح حيث قال أن التسامح يعني أن تؤمن بأن الآخر له الحق بممارسة معتقداته كما لك الحق أيضا في ذلك، مشيرا إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى جهود مضنية وطويلة للوصول إليه.
المحاضرة الكاملة: