اختتم منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف موسمه الثالث عشر باستضافة رجل الدين البارز سماحة الشيخ حسن الصفار، وذلك مساء يوم الثلاثاء 4 رجب 1434هـ الموافق 14 مايو 2013م ، في أمسية تحت عنوان “أي ثقافة نريد في المجتمع السعودي؟”. في بداية الأمسية، قدم عضو اللجنة المنظمة للمنتدى الأستاذ موسى آل هاشم عرضاً مرئياً حول منجزات المنتدى خلال موسمه الثالث عشر، مستعرضاً أبرز محاضرات هذا العام والتي بلغت 27 محاضرة شارك فيها 36 ضيفا، وتنوعت مواضيعها في مجالات الثقافة والإعلام والأدب والسياسة و الحقوق والفن والتعليم. كما أقام المنتدى خلال هذا الموسم أربعة عشر معرضاً فنياً في مجالات التشكيل والتصوير الفوتوغرافي وفن الكاريكاتير لفنانين وفنانات من أبناء المنطقة عرفوا بتجاربهم الفنية. واستضاف المنتدى 20 نشاطاً اجتماعيا لمؤسسات وأفراد لهم مساهمات مختلفة لتطوير وتنمية المجتمع. وأعقب ذلك نقاش مع الحضور تناول عدة مقترحات وأفكار لتطوير عمل وبرامج المنتدى.
في كلمته الافتتاحية، تحدث مدير الأمسية الأستاذ زكي البحارنة عن أزمة الثقافة والفكر في المنطقة العربية والصراعات الاجتماعية وانعكاس ذلك على المشهد الثقافي المحلي، إذ يبدو ذلك جليا على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الإقبال على معارض الكتاب وتزايد مؤتمرات الحوار الرسمية والأهلية وتعدد المنتديات الثقافية، وهو مايدفع الى طرح التساؤل؛ أي ثقافة نريد في ظل هذه التحديات والتوجهات المتباينة.
بدأت المحاضرة بإشارة الشيخ حسن الصفار إلى العلاقة الجدلية التي تجمع الثقافة بالواقع الاجتماعي وارتباطهما الوثيق، فالثقافة رغم تأثرها بالواقع المعاش فهي المؤثر الأساس في تكوين أي صورة للواقع الاجتماعي، إذ إنها تساهم في تشكيل سلوك الأفراد ونظرتهم عن واقعهم، وعما يدور حولهم. و أضاف ان تقويم الواقع الثقافي والتفكير في سمات الثقافة المطلوبة يتطلب تشخيص المرحلة التي يعيش المجتمع ضمن اطارها، حيث أن لكل مرحلة لونها الثقافي الخاص؛ فالعيش في مرحلة الانكسار تؤدي بالمجتمع الى دوامة التبرير وانتشار الغيبيات وتفشي ثقافة المؤامرة و نظرياتها بعكس مرحلة التطلع.
وأكد الشيخ الصفار على أن المجتمع المحلي يعيش مرحلة نهضة وتوثب للتقدم والتغيير والسعي للأفضل، مدللا على ذلك بوجود العديد من المؤشرات، منها ارتفاع مستوى التعليم والإقبال على التعليم العالي وانتعاش الأنشطة الثقافية والفكرية، وارتفاع حصيلة انتاج وطباعة الكتب وبيعها وكثرة المنتديات الثقافية، بما في ذلك وجود التطلعات السياسية التي تزداد بروزاً في المجتمع وتوجهه نحو التغيير والتطوير فيما يتعلق بواقعه السياسي، حيث أصبح أفراده أكثر ثقة وأكثر رغبة في التعبير عن الآراء والأفكار والتطلعات.
وعلى ضوء ما ذكره سابقاً، تساءل الشيخ الصفار عن الثقافة التي يحتاجها المجتمع في هذه المرحلة وعن التحديات والصعوبات التي تواجهه أثناء خوضه فيها، مبينا وجود صراع حاد بين اتجاهي النهضة والركود. وأوضح أن هناك مقاومة لثقافة التغيير والإصلاح من قبل المؤسسات ذات المصلحة لإبقاء الواقع على ما هو عليه في هذه المرحلة. وبين الشيخ أن متطلبات الثقافة الجديدة التي يحتاجها المجتمع في هذه المرحلة يمكن أن تتركز في اتجاهات ثلاثة.
الاتجاه الأول يتلخص في تأكيد ثقافة الأمل والتفاؤل والثقة بالذات التي تنمي القدرة على الاستمرارية والكفاح الطويل، وذلك يعد من متطلبات مرحلة النهوض، مستشهداً بثورات الربيع العربي عززت الأمل لدى المجتمعات العربية وزرعت الثقة في ذواتها، على الرغم من أن هناك من يبث ثقافة اليأس والإحباط، ويدعو إلى الفشل وتشويه التجارب وتفسيرها بالمؤامرة التي تنشر الفوضى، مؤكداً على أن حالة التغيير القائمة تمر في سياقها الطبيعي وإن شابتها العقبات، وأنه ليس من سبيل لعودة الاستبداد ولا إصلاح دون تضحيات.
أما الاتجاه الثاني، فعبر عنه الصفار بالتوجه المستقبلي الذي يهتم بالتجديد والنظرة المستقبلية والاستفادة من التجارب والعبر التي يزدحم بها التاريخ بدلا من التوقف عندها والانشغال بها، مشدداً على ضرورة الخروج من كهوف التاريخ واعمال العقل دون التنكر للقناعات والمعتقدات. وشدد على أهمية البعد عن الجدل الطائفي الذي يدخل ضمن سياق الإنشغال بالماضي عوضاً عن الاهتمام بالحاضر، والملاحظ بوضوح في الفضائيات والمنابر الدينية المنشغلة بنبش التاريخ.
وطالب الشيخ الصفار في حديثه حول التوجه الثالث للثقافة بتعزيز ثقافة المسئولية الجماعية ونبذ ثقافة التواكل والتراخي، فلكل فرد في المجتمع دوره الفاعل و الذي يستوجب العناية والتقدير لأي جهد أو مبادرة تهدف لإعلاء قيمة المجتمع وخدمة الأفراد فيه، بغض النظر عن الانتماءات والتوجهات المختلفة. وأكد في هذا السياق على موقفه ووقوفه مع التنوع والتعددية في طرح الأفكار والتوجهات العامة.
وأشار إلى أن ثقافة التواكل و إلقاء المسئولية على الآخرين تسبب في ضياع حقوق المجتمع وتخلق حاله من الضعف وعدم الإنتاجية فيه، بينما الثقافة المسئولة تحرك جميع عناصر وأفراد المجتمع للعمل بجد من أجل تطويره وتنميته. وفي معرض إجابته على أسئلة الحضور التي بدأها الأستاذ جعفر النصر متحدثا عن واقع المنبر الحسيني الذي ما عاد مواكبا لعجلة سير المجتمع وهو يعد أحد مصادره الثقافية، بين الشيخ الصفار أن المنبر الحسيني بدأ يتغير نوعيا رغم أن ذلك لم يملأ كل الحيز الذي يشكله وأن للجمهور اتجاهاته وتأثيره في ذلك، بحيث يقوم بفرض توجهات محددة على الخطيب.
فيما تناول الشيخ حسين الصويلح المسئولية الملقاة على عاتق المجتمع المحلي الذي تشرف بنزول آخر الرسالات السماوية ودورها المفترض ان تلعبه في ريادة النهضة بدلا من التركيز على نقض وتشويه ثقافات المجتمعات الأخرى، ليجيبه الشيخ الصفار بأن نزول الرسالة السماوية لا يعطي أي امتيازات دائمة للمجتمعات وأن ذلك مرهون بدورها وموقعها.
وتناول الكاتب حسين العلق في مداخلته الأنظمة الاستبدادية والطبقات الدينية المتخلفة والتي اعتبرها من أهم أسباب التخلف التي تعاني منها المجتمعات العربية، فأوضح الشيخ الصفار أن وجود أنظمة سياسية قمعية يتطلب إظهار ثقافة نهضوية وأفكار تنويرية لتجاوز الضغوط السياسية. وردا على تعقيب الأستاذة هدى القصاب حول توجه بعض المربيات لنشر ثقافة الغيبيات في الوسط الطلابي، وتساءل الكاتب فاضل العماني عما يواجه المنشغلين بالثقافة من أصحاب النفوذ وسلطة المجتمع، بين المحاضر وجود اتجاهين حول الثقافة الغيبية اتجاه تقليدي وآخر تنويري وأن هناك ضعف في جرأة الثقافة التنويرية وأن ذلك يعود إلى سلطة المجتمع القوية والمؤثرة والخوف والتراجع رغم تبني أكثر الناس للأفكار التنويرية.
أما الكاتب علي شعبان فقال أن المنتديات والأنشطة الاجتماعية هي جزء من الحالة الثقافية، لكنها تتعثر بسبب الانشقاقات والخلافات الداخلية، فأوضح المحاضر أن التشظي ينبغي أن لا يحبط العاملين عن مواصلة العمل والنشاط . وفي الختام تحدث راعي المنتدى المهندس جعفر الشايب عن مسيرة المنتدى طوال ثلاثة عشر عاما الماضية، شاكراً جميع المحاضرين والمشاركين في فعالياته وأنشطته ومعبرا عن رغبة جادة في تطوير برامج المنتدى في المواسم المقبلة لتجاوز المصاعب والعقبات التي لا يخلو منها مثل هذا النشاط.
المحاضرة الكاملة: