ضمن برنامجه الحافل، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي في موسمه الثالث عشر محاضرة تحت عنوان “مسألة تطبيق الشريعة في ظل الدولة المدنية” قدمها الباحث عبد الله بن محمد المالكي، وأدارها الأستاذ محمد الشيوخ ، وذلك مساء الثلاثاء 23 ربيع الثاني 1434هـ الموافق 5 مارس2013م.
قبل المحاضرة، وضمن التفاتة المنتدى للانشطة الأهلية وابرازها، ألقى الأستاذ أمين الزهيري مسؤول العلاقات العامة ببرنامج “مستقبلي” نبذة تعريفية حول البرنامج وهو مشروع أهلي معني بتوجيه الطلبة من خريجي الثانوية لإختيار التخصصات الجامعية المناسبة ، من خلال لقاءات وورش عمل تعقد لهم مع اكاديميين متخصصين.
في بداية الأمسية عرف مدير المحاضرة الأستاذ محمد الشيوخ بالباحث عبدالله المالكي المهتم بالبحث في الفكر الاسلامي وحاصل على درجة الماجستير من جامعة أم القرى في الدراسات الإسلامية ، وقد صدر له كتاب يحمل عنوان “سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة …نحو فضاء أمثل لتجسيد مبادئ الإسلام” ، كما أن له عدة حوارات ومناقشات في قضايا نقد الفكر الاسلامي المعاصر. عبر المحاضر عن سعادته بأول زيارة له لمدينة القطيف وحضوره منتدى الثلاثاء معتبرا مشاركته تعزيزا للتواصل بين ابناء الوطن الواحد ، وتعميقا للحوار الفكري والنقدي بين النخب المثقفة في المملكة.
وافتتح المالكي حديثه بالتأكيد على أن القضايا الكبرى بحاجة إلى مناقشة مستمرة ومتواصلة من قبل مختلف النخب وأنه لا يمكن احتكارها من قبل مثقف معين بذاته أو مجموعة مثقفة ، وكل ذلك يقود الى الدور المهم الذي يلعبه المثقف. والمح الى ان النقاش في مسالة تطبيق الشريعة يعتبر مفروغا منه في أذهان أكثرية أبناء الامة، وكذلك الحال حول ضرورة الدولة المدنية التي اصبحت مطلبا للاسلاميين أيضا.
وتساءل المالكي مستفهما عن امكانية تطبيق الشريعة في ظل الدولة المدنية إذا ما تم التسليم بضرورتها للمجتمع المسلم؟ وأردف بأن تطبيق الشريعة في ظل الدولة المدنية يقود الى حتمية الارتباط بالشريعة للفرد المسلم . وذكر أن مفهوم تطبيق الشريعة لم يأخذ مداه الحقيقي في البحث فكلا التيارين الاسلامي والعلماني لديه تصور مختلف عن مسألة تطبيق الشريعة يستند عليها في الوصول الى رؤيته وهناك من لا يرفض الشريعة بل بعض منها في التطبيق.
وأكد المحاضر على أنه ينبغي قراءة مفهوم تطبيق الشريعة وفق مقاصدها قبل الوصول الى القبول او الممانعة ، وضرورة مناقشة مفهوم الدولة عوضا عن الجدل حول الشريعة ، ثم شرح بأن الإشكال الحاصل هو في تغير الدولة على مدى العصور ، إذ ان المفهوم تطور بشكل كبير، ومن الضروري تحويل النقاش من مسألة مرجعية الدولة أي ثنائية الشرع والعقل، إلى مناقشة أصل مفهوم الدولة وتطوره. واستشهد المالكي بأن المشكلة الحاصلة بعد الربيع العربي ليست حول تطبيق الشريعة ، بل في ان التغيير – كما في الدستور المصري – لم يستهدف لاعادة صياغة الدولة وموقعيتها، فأصبح أي حزب يحكم يهيمن، و ذلك لأن الدولة في المنطقة العربية مهيمنة والمجال العمومي مختفي.
وشدد على أن السجال الكلاسيكي حول العلاقة بين الدين والعلمانية ينبغي ان ينتهي وينتقل الى شكل الدولة ومفهومها وعلاقتها بالمجال العمومي والمجتمع المدني. وبين أن مشكلة الدولة العربية هي انها لم تتطور منذ نشأتها ، مشبها إياها بالكأس الممتلئ بالدولة بالدولة ومؤسساتها ، وأن الاحزاب السياسية تمثل الأحبار حيث تحول هذا السائل الى لون الحزب ولا يوجد متسع للمجال العمومي ، بينما في الدول المتقدمة يكون الحجم الذي تشكله الدولة محدودا فأي حزب يصل للحكم يشغل حيزا محدودا من الكأس، ويبقي مساحاته الأخرى شفافة وشاغرة.
وقال المحاضر ، أن تطبيق الشريعة ليس مصطلحا مقدسا ، بل ينبغي مناقشته ونقده لكونه مصطلح سياسي و ليس ديني ، وقد نشأ منذ منتصف القرن الماضي عند تشكل بناء الدولة العربية الحديثة بعد سقوط الدولة العثمانية من جراء الغاء مجموعة من القوانين المتشددة وازاحة بعض احكام العقوبات. وأوضح أن سؤال تطبيق الشريعة لم يكن حاضرا عند المفكرين الاسلاميين الاوائل ، بل كان السؤال حول الشورى (البرلمان) واهل الحل والعقد (نواب البرلمان) والبيعة (الاختيار والانتخاب) وكلها تتعلق بشكل النظام السياسي .
واستدل المحاضر ، بأن الشيخ محمد رشيد رضا وهو المؤسس الابوي للفكر السياسي تحدث عن خلافة الضرورة، وأن أبو الأعلى المودودي ركز على الهوية واصبح هذا الموضوع لديه طاغيا على سؤال النهضة ، وكان يقول بأن الدولة الاسلامية تربي أفرادها على أن يكونوا صالحين ، فيما كان سؤال تطبيق الشريعة أكثر وضوحا لدى سيد قطب حيث أكد على تطبيق الشريعة ، وبرز هؤلاء بصورة أكبر من مالك بن نبي الذي اعتنى بشروط النهضة. كما أوضح المالكي أن المودودي تحدث عن الديمقراطية الثيوقراطية، حيث اوضح بأن وظيفة الدولة هي اقامة مدينة الله في الارض ولا بأس ان تكون منتخبة فالدولة في الاسلام هي التي تصنع المجتمع المسلم.
وأشار المالكي الى ان الفكر العلماني عندما دخل المجال العربي جاء بصورة فجة تؤكد على الفصل بين الدين والدولة ، وإحداث القطيعة بينهما ، وتفريغ الدولة من كل القيم الدينية، مما نتج عنه موقف متطرف في المقابل لدرجة حلول الدين في الدولة. وبرزت من خلال ذلك الفكرة الاسلامية لمواجهة العلمانية والتي خلقت حالة وثنية تؤله وتقدس فيها الدولة ، وذلك ابعدها عن كونها منتج بشري فتحولت محاولة الفصل بينها وبين الشريعة الى اتهام بالكفر.
وأوضح الاستاذ عبد الله المالكي بأن نشأة العلمانية في مراحلها الاولى هدفت الى الفصل بين الإلهي والبشري ، وعبر عنه بأن ذلك هو جوهر التوحيد الذي جاء به الاسلام ، فالدولة لها مجالها والدين له مجاله، وان الثنائية الصحيحة هي الدين والمجتمع وليس الدين والدولة ، حيث أن علاقة الدين بالمجتمع اعمق من علاقته بالدولة . وأشار إلى أن تطبيق الشريعة من قبل أي مجتمع هو الزامي من حيث الديانة ، وهو مناط بالارادة الذاتية الفردية ، اما تطبيق الشريعة بالمعنى القانوني فيعني التنظيم وفق القواعد من دون التصادم مع الثقافة والبيئة.ومن خلال تعليقاته على الأسئلة أوضح الأستاذ المالكي أنه ليس صحيحا أن ياتي المفكر بإحضار انموذج مقولب كي يعتبر مثاليا للتطبيق أو أن يكون الاقرب للدولة المدنية بل يترك للمجال العمومي للوصول الى افضل انموذج تتحقق فيه الشروط المناسبة .
وبين أيضا الاطار المنهجي لعلاقة الشريعة بالدولة المدنية عبر مجموعة قواعد أبرزها : اجماع جمهور المواطنين للخضوع للقانون ، أن تكون السلطة التنفيذية منتخبة وتمثل ارادة الشعب وتعكس مصالحه ، التمييز بين التشريع الالهي المطلق والتطبيق القانوني او التشريع القانوني ، أن تشريع القوانين حق اصيل للشعب وحده عبر هيئات منتخبة ، التمييز بين المجال الخاص والمجال العام ، أن تطبيق القانون الشرعي ينبغي ان يكون في ظل دولة الحد الادني او الدولة المحدودة ، وأخيرا أن يكون تطبيق الشريعة في ظل مجال عمومي مفتوح.
وأنهى المحاضر حديثه بالتأكيد على أن سيادة الامة اعلى من سيادة الاغلبية سواء كانت جماعة أو حزبا ، وكذلك على ضرورة التفريق بين الديمقراطية المغلقة التي تنتج حزبا واحدا والديمقراطية المفتوحة التي تنتج تعدديه سياسية ، وبين أن النظام المفتوح يقود الى مجتمعات حرة قادرة على تحديد التطبيق الاسلم والانسب للشريعة .
قبل المداخلات تحدث الفنان التصويري احمد الزاهر عن تجربته الفنية في التصوير الضوئي مستعرضا نماذج من الصور الضوئية التي فازت في مسابقات دولية ، حيث أقام معرضا فنيا في المنتدى للاسبوع الثاني على التوالي.
بدأت المداخلات بإشادة الدكتور توفيق السيف بالمحاضر باعتباره من خيرة الشباب الذين يمتلكون تفكيرا عميقا، وحسا نقديا ، وجرأة في الطرح ، وأضاف تعليقا على مادة المحاضرة بأن فكرة الدولة هي من تصنع المجتمع جاءت للمسلمين من اليونايين وهي فكرة باطلة، كما أن الدولة العربية هي التي تسيطر على الحزب وكل من يدخل فيها تصهره ، وليس العكس، وأن الجدل حول الدولة الدينية والدولة المدنية هو جدل بيزنطي، إذ لا بديل عن الدولة الدينية في المجتمعات المسلمة على اقل تقدير.
وطرح الشاب مهدي السنونة فكرة حول كون الشريعة وتطبيقاتها ما هي الا افراز للانظمة السياسية وتابعة لها ، والمجتمع يتاثر بها دون أن تكون مستندة على مصادر أصلية أو نابعة من فهم موضوعي للدين ، وأشار الى ان مفهوم الدولة لا يزال غامضا وملتبسا في المنطقة العربية . وتحدث الشيخ حسن الصفار مؤكدا على وجوب تحرير ارادة الامة من هيمنة الدولة كأولوية من أولويات التغيير ، كما أنه يجب طرح الاراء والافكار بطريقة اكثر جرأة ووضوح وان كانت صادمة في البداية.
وطالب الكاتب حسين العلق باعادة قراءة مفهوم تطبيق الشريعة الذي يأخذ حيزا كبيرا من التفكير والنقاش في الاوساط الثقافية والسياسية دون أن يحقق تقدما ملموسا . أجاب ضيف الندوة على الأسئلة والمداخلات التي وردت في النقاش.