استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 26 صفر 1434هـ الموافق 8 يناير 2013م الدكتور مشاري بن عبد الله النعيم المشرف على مركز التراث الوطني العمراني التابع للهيئة العامة للسياحة والآثار في ندوة تحت عنوان “الاستراتيجية الوطنية للتراث العمراني”. وأدار الندوة المهندس نبيه البراهيم الذي عرف بالمحاضر بأنه من الشخصيات الوطنية المعروفة في مجال التراث العمراني تعليماً وكتابة وممارسة مستعرضا سيرته الذاتية والأكاديمية وخبراته العملية في العديد من المؤسسات التراثية الوطنية والاقليمية والدولية.
وكذلك مشاركاته في تحكيم العديد من المشاريع المعمارية والجوائز الدولية، كما أنه كاتب متخصص في مجال العمارة والعمران حيث نشر مئات البحوث والدراسات المحكمة والمقالات في مجالات العمارة باللغة العربية والإنجليزية، وترجم بعضها إلى لغات أخرى. كما أبان المهندس البراهيم علاقة التراث بالإنسان معتبراً التراث العمراني هو نتيجة تراكم تجارب إنسانية متواصلة وهو المرجع التاريخي لهذه التجارب.
الندوة بدأت بعرض لمشروع التثقيف المعرفي بجمعية الصفا الخيرية بصفوى (مشروع واكب) الذي قدمه الأستاذ علي محمد آل ناصر مستعرضاً فيه فكرة المشروع التي تعني بإثراء الحراك المعرفي والثقافي من خلال تبادل الخبرات والمهارات ومختلف المعارف بين أبناء المجتمع وعمل ودورات تثقيفية في مجالات متعددة طول المواسم الأربعة منذ إنشائه عام 2009م، حيث أقام حوالي 200 فعالية شارك فيها حوالي 9000 مشترك. كلمة المنتدى التي ألقاها عضو اللجنة المنظمة الأستاذ محمد آل محسن تطرق فيها إلى اهتمام المنتدى بقضايا التراث من خلال استضافاته المتكررة لمتخصصين في المهرجانات التراثية وتاريخ المنطقة وقضايا السياحة والآثار في المواسم السابقة، مؤكداً على مكانة ضيف المنتدى ودوره الحيوي والفعال في تعزيز الاهتمام بالتراث العمراني على مستوى المملكة بشكل عام.
تحدث الدكتور مشاري النعيم حول المركز الوطني للتراث العمراني الذي يهدف لجمع كل الأنشطة والبرامج المرتبطة بالتراث العمراني والتنسيق بين مختلف الجهات الرسمية والأهلية ليعزز ضرورة الاهتمام بمواقع التراث العمراني، وإعادة الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهذه المواقع. وأو ضح أن الاهتمام بالتراث العمراني منبعه أنه يشكل تاريخ وهوية الإنسان وهو – كما تعرفه اليونسكو – هدية الماضي للمستقبل، كما أنه يحوي على مختلف الأبعاد الجمالية والتاريخية والإنسانية، مؤكداً على ضرورة إنقاذ هذا التراث وتحويله لمصدر اقتصادي وثراء ثقافي وذلك يتطلب تظافراً لجهود الجميع.
وحول التراث العمراني في السعودية أشار المحاضر إلى أن هنالك تراث مدهش ومتنوع بشكل كبير، فكل منطقة من مناطق المملكة تتميز بأنماط مختلفة من التراث العمراني مختلفة تماماً عن سواها مما يتطلب جهوداً مكثفة لتنظيم وتأهيل المواقع التراثية فيها ضمن النسق العمراني المختصة به. وتحدث الدكتور النعيم عن أبعاد الخطة الوطنية للتراث العمراني مشيراً إلى أنها تعتبر حجر الأساس في العمل الاستراتيجي لتطوير التراث العمراني من خلال تبلور رؤية واضحة ومتكاملة عنه على مستوى المملكة بشكل عام، مشيراً إلى أن المنطقة الشرقية وخاصة محافظة القطيف تعتبر من أبرز المناطق التي تحتضن مواقع أثرية وتراث عمراني متنوع. وأوضح أن المسار الأول في الخطة الوطنية للتراث العمراني يقوم على حماية هذه المواقع وتسجيلها في السجل الوطني للتراث العمراني الذي تم استحداثة مؤخراً من خلال التوثيق والتصنيف، وربطه بنظام حماية التراث العمراني وهو يختلف عن نظام حماية الآثار التي هي مملوكة للدولة بخلاف مواقع التراث العمراني المملوكة للمواطنين. وبين أنه تم الاتفاق مع شركة متخصصة تقوم بأرشفة معلومات مختلفة على المواقع التراثية خلال خمس سنوات وتسجيل ما يقارب عشرة آلاف مبنى وموقع.
أما المسار الثاني فيرتبط بالتنمية والتطوير وذلك لإعطاء هذه المواقع ملامحها الثقافية، حيث أن بعضها بحاجة لخطة انقادية للحفاظ عليها، ويشمل ذلك أيضاً تطوير القرى التراثية لإعادة الحياة الاجتماعية والاقتصادية فيها، واستعادة السكان الأصليين لها، وفتح المجال للزوار، وتطوير المنشآت المتكاملة فيها لتشكل محطة سياحية متكاملة، وإيجاد مستخدمين فعليين فيها كي تتحول لمراكز إنتاج اقتصادية من خلال إتاحة فرص استثمارية وتجارية للأسر المنتجة والحرفيين والشباب. وأكد على أن ذلك يتطلب وعي المواطن بأهمية المواقع التراثية وقيمتها الحالية والمستقبلية. أما المسار الثالث في الخطة الوطنية للتراث العمراني فهو الاستفادة من المجال التقني في إعادة ترميم المباني والمواقع التراثية، حيث أن المعرفة التراثية فقدت مع مرور الزمن.
وضمن هذا المسار تم إنشاء المركز الوطني لبحوث العمارة الطينية في جامعة الملك سعود بالرياض، وتعزيز معرفة المتخصصين بهذا العمل في المكاتب الهندسية والاستشارية . ويتطلب ذلك تبني الدولة لمثل هذه المشاريع، واعتماد كود بناء خاص لكل منطقة حيث يشمل جميع الإجراءات التي تحكم عملية البناء، كما ينبغي توفير ممكنات لتطوير التراث العمراني.
وتحدث المحاضر عن موضوع التعليم والتدريب باعتباره مساراً رابعاً في الخطة الوطنية للتراث العمراني، كتدريب طلبة الجامعات والبدء في برنامج وطني للتدريب في التراث العمراني ، وإعداد مناهج تعليمية لكل المراحل للتعريف بأبعاد التراث العمراني حيث أن الكثير من السعوديين لا يعرفون بلدهم بل لا يعرفون مدنهم التي يعيشون فيها ولا حتى التاريخ الاجتماعي والأسر المستوطنة فيها. وأوضح أن هنالك مقاومة ورفض من الكثيرين لفكرة التوجه لتدريس التراث العمراني في الجامعات.
المسار الخامس الذي أسهب فيه المحاضر هو التوعية والمشاركة الاجتماعية عبر إقامة ملتقى التراث العمراني في مختلف مناطق المملكة وتدشين موقع التراث العمراني www.nbhf.org.sa الذي يحتوي على مواد تثقيفية وتعليمية متنوعة وتسجيل لجولات افتراضية لأربعة وأربعين موقعاً تراثياً، ويضم كذلك مقالات يومية تحتوي على كتابات نقدية أو تجارب شخصية حول مختلف قضايا التراث العمراني. كما تم أيضا إنشاء جمعيات تعاونية في مختلف المناطق للعمل مع الهيئة العامة للسياحة والآثار للاهتمام بمواقع التراث العمراني فيها. كما بين المحاضر أن التوعية الاجتماعية تشمل الجوانب القانونية والتعليمية والثقافية والتنظيمية، مشيراً إلى أن الهدف هو مأسسة المحافظة على التراث العمراني.
وحول المسار السادس بين الدكتور مشاري النعيم أنه يرتبط بتشغيل مواقع التراث العمراني وإدارتها وإقناع المواطنين للعودة لاستيطان هذه المواقع عبر المشاركة تقنياً وفنياً ومالياً لتشغيل هذه المواقع، بهدف معايشة هذا التاريخ بأسلوب معاصر وخدمات راقية، وتكون في أحياء تراثية وبيئة عمرانية وليست كحالة تمثيلية . وبين أن المسار السابع يتعلق بالتمويل لترميم مواقع التراث العمراني التي هي ليست ضمن مشاريع الدولة بل يمكن دعمها من خلال قروض لتطوير داخل المباني، أما ما حولها من طرق وخدمات فهي من مسئوليات الدولة، موضحاً أن ترميم المباني التراثية مكلف كثيراً.
بعد انتهاء المحاضرة تحدث رسام الكاريكاتير الفنان ماهر عاشور عن تجربته في رسم الكاريكاتير من خلال عمله في الصحافة المحلية ومشاركته في العديد من المعارض المتخصة في مختلف الدول العربية داعياً إلى الاهتمام بهذا الفن المعبرعن الهم الإنساني بصورة واضحة. وجاءت المداخلات مثيرة في نقاش طويل ومتنوع، حيث تحدث فتحي البنعلي عن ضعف الاهتمام من قبل البلديات وهيئة السياحة بالمواقع التراثية وإهمالها، أما المهندس زكي البريكي فطالب بتعزيز العلاقة والعمل المشترك مع المكاتب الهندسية وتعميم المخططات التراثية بدلا من الاعتماد على طرق البناء الحديثة، والمخططات الهجينة البعيدة عن تراث المنطقة.
وتساءلت الكاتبة فاطمة القحطاني حول عدم المحافظة على قلعة تاروت ودارين حيث انها مهملة ولا توجد لها حماية. وتناول عضو المجلس البلدي المهندس عبد العظيم الخاطر موضوع الحفاظ على التراث باعتباره جاء متأخراً وخاصة في محافظة القطيف مؤكداً على أهمية إعادة احياء بعض المواقع التي اندثرت. وعلق المهندس عبد اللطيف البنيان مدير فرع المنطقة الشرقية للهيئة العامة للسياحة والآثار حول الخدمات التي تقدمها الهيئة من قروض عبر بنك التسليف وبرامج لترميم المباني التراثية، ومشاريع تمت تنفيذها في جزيرة تاروت خلال الفترة الماضية. وطالب أحمد عثمان الداوود بتحديد منهجية للاستثمار في التراث، متسائلاً عن استمرار هدم المواقع التراثية في المدن المقدسة مع التوسعات المستمرة فيها.
المحاضرة الكاملة: