المناهج الدينية والتطرف في منتدى الثلاثاء الثقافي

3٬703

استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف في أمسيته الأسبوعية للموسم الثاني عشر مساء الثلاثاء 2 صفر 1433هـ الموافق 27 ديسمبر 2011م الأستاذ حسن بن سالم لمناقشة موضوع المناهج الدينية والتطرف، وأدار الجلسة الحوارية الأستاذ موسى الهاشم الذي رحب بالضيف والحضور، وأشار في تقديمه إلى أنه في ظل الظروف والمتغيرات المتسارعة يأتي طرح هذا الموضوع بهدف تدعيم الوحدة الوطنية والدعوة إلى تعميقها في المناهج التعليمية من خلال التركيز على القيم المشتركة، والمطالبة بتنقيتها من أفكار الإقصاء والشحن الأيدلوجي تجاه الآخر، معرفا بالأستاذ حسن سالم بأنه من مواليد عام 1975م وهو خريج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعمل في مجال التعليم مدة أربعة عشر عاما، وهو كاتب معروف في الصحافة المحلية، وأجريت معه عدة لقاءات حوارية متلفزة.

بدأ الأستاذ حسن سالم حديثه بعبارة للرئيس الأمريكي ليندون جونسون والتي أكد فيها أن الحل لجميع مشكلاتنا ومشاكل العالم تكمن في كلمة واحدة هي التعليم، وقال بأننا لكي نفهم ما وصلنا إليه في وقتنا الحاضر، يجب أن نفهم المراحل التي مرّ بها التعليم لدينا منذ بدايات تأسيسه، وقراءة السجال الواسع بين مؤيدي ومعارضي تطوير المناهج ضمن فترات زمنية مختلفة. وأوضح أن الحديث عن المناهج الدينية في المملكة العربية السعودية يعبر عن صراع طويل لأكثر من خمسين عاما في الرؤية والتصور بين تيارين مختلفين هما تيار ديني محافظ يريد أن يفرض رؤية متطرفة ومتشددة للمناهج من خلال نفوذه وتمكنه الرسمي وتيار حداثي يسعى للتغيير والتحديث.

استعرض الاستاذ سالم مراحل تطور التعليم في المملكة موضحا أن التعليم النظامي بمفهومه الحديث لم يعرف الا بدءاً من العام 1344هـ (1924م) حيث أنشئت مديرية المعارف وتأسست معها المدارس الابتدائية التقليدية. وفي سنة 1930م ظهرت أولى بوادر الاعتراض على ما يدرس في تلك المدرس في القصة الشهيرة التي أوردها حافظ وهبه في كتابه “الجزيرة العربية في القرن العشرين”.

وفي عام 1373هـ (1953م) أنشئت وزارة المعارف، و تم بعد ذلك البدء بتطبيق منهج جديد للمرحلة الابتدائية روعي فيه زيادة حصص بعض المواد الدراسية وإدخال مواد جديدية، وأصبح التعليم اكثر عصرية من خلال تنظيم وتنوع المواد الدراسية، وهنا ظهرت مجددا عدداً من الإعتراضات في صورة خطابات رسمية من قبل رجال الدين الرسميين والتي كانت تتمثل في الإعتراض على تخفيض نصاب حصص المواد الدينية، وتدريس بعض العلوم والفنون التي تتعارض من وجهة نظرهم مع العقيدة الاسلامية كتدريس اللغة الإنجليزية وبعض العلوم كالجغرافيا التي تقول بكروية الأرض وغيرها. وفي أواخر الستينات، ظهر صراع من قبل التيار التحديثي عبر كتابات عبد الكريم الجهيمان وغيره من الكتاب الذين حاولوا وكتبوا كتابات نقدية في واقع المناهج التعليمية.

وفي المقابل كانت مجلة الدعوة – وهي اللسانٌ الناطق للتيار الديني – تعبر عن رفضٍ لتلك الأطروحات التي كانت تكتب في بعض وسائل الإعلام سواءً في الداخل أو يستعان بها في وسائل الإعلام في الخارج كمصر ونحوها. ومع تنامي المد الصحوي في الثمانيات ظلت المناهج محافظة ولا تقبل المساس لا بالتغيير ولا بالتعديل، وبدأ حراك من نوعٍ آخر وهو ضرورة المحافظة على هذا المنجز باعتباره منجزاً بدلا من المطالبة بأية تطوير أو تغيير.

وبين الكاتب حسن ال سالم بأنه مع مطلع التسعينات وما تبع أزمة الخليج من أحداث، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام حيث حدثت بعده ضجةٌ كبرى خاصةً من التيار الصحوي، باعتبار أن هناك هجمةٌ على تغيير المناهج ومرحلة لتطويعها وغير ذلك. ولكن الحدث الأبرز والأهم في ذلك الوقت تم في عام 1992م حيث تم حذف أحد المناهج بالكامل وهو منهج مادة التوحيد، الذي كان يدرس في المرحلة الثانوية، وهو من تأليف الشيخ صالح الفوزان، وكان من أكثر المناهج تطرفاً، حيث تضمن عددا من القضايا التي لم تكن مقبولة، وبدا الاعلام الخارجي في ذلك الوقت الحديث عن ذلك المنهج تحديداً، حيث تطرق إلى تحريم زيارة أصحاب البدع ومجالاتهم وضرورة الإنكار عليهم، واعتبار الموالد النبوية من التشبه بالنصارى، وتكفير وردة من ينتمي إلى المذاهب الفكرية الإلحادية كالعلمانية والقومية.

وبعد حذف ذلك المنهج شهدنا أول جدل إعلامي وصحفي في مجلة اليمامة وعلى مدى ثلاث سنوات (1412-1414هـ)، حيث كان الأول من نوعه بين الأستاذ الدكتور عبدالله الحامد من جهة والشيخ صالح الفوزان من جهة أخرى، ودخل أيضاً في خضم هذا النقاش فيما بعد حسن المالكي الذي عرف بعد ذلك بأطروحاته النقدية لمناهج التعليم، وكان ذلك أول جدل علني على وسائل الإعلام فيما يتعلق بالمناهج ووضعها.

ويشير المحاضر إلى أن المنعطف الأهم وهو الذي أثار القفزة الكبرى في قضايا التعليم الديني هي أحداث 11 سبتمبر وما تبعتها من أجراءات كعلامة نوعية وفارقة وفاصلة، حيث بدأت عملية حوكمة للمناهج الدينية عبر الصحافة. وعندما عقد مؤتمر الحوار الوطني الثاني في نهاية ديسمبر 2003م، قدمت فيه الدراسة التي كتبها المحامي الأستاذ عبدالعزيز القاسم والأستاذ إبراهيم السكران، وهي دراسة نقدية مبنية على أصول وقواعد إستقراء لكامل المناهج التعليمية، كذلك قدمت فيها قواعد كلية في دراسة تلك المناهج.

وكان أهم التوصيات التي خرجت بها تلك الدراسة هي ضرورة إعادة النظر في المقررات الدراسية وتنقيتها من المعارك الكلامية والسياسية في الجدل العقدي، تنقية المقررات من النزعات التكفيرية، تقرير قواعد التعامل مع المخالف، ضبط منظور فقهي إتجاه التعامل مع الآخرين في حال السلم والعهد والعدوان ..الخ. هذه الدراسة أثارت في المقابل التيار الديني وهي المرة الأولى التي كان ضعيفاً في موقفه أمام تلك الدراسة والمقالات التي كتبت حيث جاء الرد ببيانٍ شهير كتبه ووقعه 156 عالماً وداعية حول تغيير المناهج وكالعادة كان المنطلق والإشكال الذي تقع فيه هذه التيارات أنهم يعزون هذا التغيير إلى دافع خارجي وإتباع للغرب الكافر، وهو المنطلق الرئيسي الذي ينطلقون منه في عملية تغيير المناهج ولم يناقشوا أو يحاولوا المناقشة لهذه التغييرات أو ضرورة تطويرها أو حتى تغيير المناهج الدينية.

وبين ضيف الأمسية أنه طرأت تغييرات لاحقة على بعض المناهج الدراسية المتعلقة ببعض المواد الدينية، وكان أهم تغيير طرأ في ذلك الوقت هو حذف كامل للفصل المتعلق بالولاء والبراء من كتاب التوحيد للصف الأول الثانوي، حيث كان الفصل الأول يتعلق (بالولاء والبراء)، والثاني يتعلق (بحكم الاحتفال بأعياد المشركين ومشاركتهم)، و الثالث بـ (حكم الاستعانة بالكفر والعمل والإقامة بينهم)، وأما الفصل الرابع فكان عن (تقليد الكافر)، هذا الباب حذف بأكمله. كما أنه في عام 2005و 2006 ميلادية تناولت الصحافة جدلا جديدا بين الدكتور حمزة المزيني والشيخ صالح الفوزان أيضاً حول قضية التعامل مع الكفار، وقضية التفريق بين الكافر المحارب وغير المحارب، وقضية الولاء والبراء وتعليم هذا الشيء لأبنائنا منذ الصغر.

وأجمل الكاتب ال سالم أوجه النقد على مدى الدراسات التي قدمت والمقالات التي كتبت واللقاءات والحوارات، في عجز هذه المقررات عن تكريس القيم الشرعية للتعايش والمحبة والمودة، والمبالغة في تضييق أشكال العلاقة بغير المسلم، وإبراز جانب العداء، وتعميم إحكام المحارب، ودائماً في العلاقة بين المسلم وغير المسلم يغلى جانب تعميم العلاقة وهي تعميم العلاقة بالمحارب، اضافة الى الاضطراب والتناقض في المناهج.

وأنهى المحاضر كلمته بما أشار إليه الدكتور أحمد العيسى في كتابه (إصلاح التعليم في المملكة) بقوله إن صياغة مناهج المقررات الدينية لدينا قد جاءت من خلال الإحتفاظ بالسياق العام لمفاهيم علماء السلف وإستدلالهم، وليست بأساليب حديثة تجعل الطلاب أكثر فهماً لمدلولاتها، كما أن تدريس تلك المواد يعتمد بشكل كبير على الحفظ والتلقين والتكرار والتركيز على الأحكام في العقيدة والفروض والتشريع والحلال والحرام بشكلٍ قاطع، مما يفقد تلك المناهج التأثير العميق في نفوس التلاميذ من خلال غرس التربية الإيمانية لتؤثر في سلوكياتهم وتهذب من أخلاقهم وتحسن من تعاملهم مع الآخرين.

وفي ختام الندوة أجاب المحاضر على أسئلة ومداخلات الحضور الذين تناولوا مختلف القضايا المتعلقة بمناهج التعليم، وشكر الحضور واللجنة المنظمة للمنتدى.

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد