استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف في أمسيته الأسبوعية مساء الثلاثاء 22محرم 1432هـ الموافق 28 ديسمبر 2010 الأستاذ سلطان بن عبد الرحمن البازعي الرئيس التنفيذي لمؤسسة الطارق للإعلام لمناقشة موضوع “الصحافة المكتوبة والنشر الالكتروني”، وقد صاحب الندوة معرض للفنانة التشكيلية رقية التاروتي.
أدار المناقشة الحوارية الإعلامي بجريدة الوطن الأستاذ حبيب محمود الذي رحب بالضيف والحضور وأشار في تقديمه الى أننا نستمع ونتحاور ونختلف حول الرؤية التي يطرحها الضيف للوصول الى هدف يجمعنا وان اختلفنا، واصفا الأستاذ البازعي بأنه رجل إعلام وعلاقات عامة معروف على مستوى الوطن والعالم العربي ورجل حوار وأخلاق مهنية عالية. وعرف بسيرته المهنية فقد التحق بالصحافة عام 1979م مراسلا ثم مديرا لتحرير صحيفة الرياض، انتدب بعد التحاقه بوزارة التعليم للعمل بالملحقية الثـقافية بفرنسـا (85- 88م) ثم سكرتيرا للجنة العلاقات الدولية بمكتب وزير العليم، وترأس تحرير جريدة اليوم (93 – 97م) ثم عاد للعمل الحكومي بوزارة التعليم العالي، كما عمل مديرا عاما للعلاقات والمراسم برئاسة الحرس الوطني ومسئولا إعلاميا لمهرجان الجنادرية، وأشرف على الخطة الإعلامية للحوار الوطني في دورته الثانية والثالثة، وتم تكليفه كمتحدث رسمي لجنة العامة لانتخابات المجالس البلدية حيث حاز على جائزة رجل العلاقات العامة لعام 2005م لإدارته حملة الانتخابات البلدية، وهو عضو عامل في عدد من الجمعيات المهنية والعلمية.
بدأ الأستاذ البازعي حديثه من خلال عرض مرئي بسرد تاريخي لتطور عملية الاتصال الإنساني، فبعد اكتشاف الإنسان للغة عبر عن رغبته في الاتصال وإبقاء أثره من خلال النقوش والرسوم في الكهوف والصخور الحجرية، ثم بدأت التجمعات البشرية تبحث عن وسائل أسهل في الاتصال ونقل المعلومات فتوالت الاكتشافات الى أن توصل الصينيون الى صناعة الورق، وكانوا هم أول المكتشفين له ليحدثوا بعد ذلك أول نقلة بشرية كبرى حينما توصلوا الى الطباعة وطبعوا أول كتاب عام 868م. وفي عام 1041م صنعوا الألواح الطينية المتحركة كأول عملية آلية للطباعة، غير أنه يُعتقد أن الطباعة تؤرخ بعام 1436م حينما صنع (جوتنبرغ) أول مطبعة كما هي معروفة الآن واعتبرت أول ثورة تقنية غيرت وجه التاريخ في نقل المعلومة، حيث كان هدف جوتنبرغ نابع من الثقافة المسيطرة آنذاك والمتمثلة في رغبة تسهيل انتقال وتبادل النصوص الدينية بين الناس، والتحول الذي أحدثه هو نقل العلم من حيز النخبة الى عامة الناس عن طريق الكتاب المطبوع وليس المنسوخ الذي كان يُعمل وفق رغبة نخبة أو جهة عليا.
ويعتبر هذا الحدث هو الذي أسس لصناعة الإعلام والصحف، ثم قام ونما على التحالف بين الناشر ورأس المال، وهو تحالف استثماري في شكله الظاهري ولكنه في واقع الأمر صراع على تشكيل الرأي العام بين أصحاب رؤوس الأموال الذي كان قائما على أساس تجاري أو مصالح سياسية.
وفي تمهيد لموضوع النشر الالكتروني فيما يخص الكتاب على وجه التحديد تطرق البازعي الى مفهوم ظهر في علم الاتصال هو (المحتوى المعد من المرسل) وهو المحتوى الذي لا تتحكم فيه أي مؤسسة صحفية أو حكومية. فقد أحدث هذا التطور هزة في عالم النشر الالكتروني فقد غير أدوات النشر وشروطه وغير شروط العلاقة بين المرسل والمستقبل، حتى بات يلاحظ بصورة جلية أن الناس يميلون الى تصديق المعلومة التي يعدها المستهلك الاعلامي (عامة الناس) أكثر من تصديق المعلومة الصادرة من المؤسسة الرسمية. فتصديق المعلومة المتلقاة من اليوتيوب والفيس بوك وتويتر وغيرها أكثر من تلك التي تصدر في وسائل الاعلام الرسمية، ومما يهدد مسألة الطباعة حاليا بالإضافة الى ما سبق هو دور جماعة البيئة في الحفاظ على الغطاء النباتي وتبيانها أضرار صناعة الورق على البيئة، الأمر الذي سيزيد من التوجه للوسيط الجديد في نقل المعلومة وهو النشر الالكتروني الذي يمتاز بالسهولة والانتشار العريض.
أشار الاستاذ البازعي الى قصة (مايكل هارت) الطالب بجامعة الينوي حينما كُلف عام 71م بالعمل على (مشروع جوتنبرغ) وهو اعادة طباعة قرار اعلان الاستقلال وشكل أول نص الكتروني الذي عرف فيما بعد بمصطلح (e-text) والذي أرسله لزملائه، هذا الحدث هو الذي شق الطريق نحو البحث عن الكمبيوتر سهل التنقل او الكمبيوتر الشخصي، وظهرت في أواخر الستينات فكرة من الخيال العلمي قدمها شاب اسمه (آلان كاي) أن يكون هناك كمبيوتر بحجم الكتاب في وقت لم يتم الوصول لصناعة الكمبيوتر المحمول (laptop) وكانت الفكرة وقتها غير قابلة للتطبيق، غير أنه تم اختراع قارئ الكتروني للأطفال فقط لعرض رسومات ملونة لتشجيع الأطفال على القراءة مع اللعب.
وفيما بعد ظهر ما يعرف بنسخ كيندل للكتاب الالكتروني، وتطورت هذه المحاولات حتى أصبح هذا العام 2010م عام الآي باد (IPod)الذي يعتبر أسهل جهاز ظهر يسمح بالقراءة المريحة ويعطي شكلا مشوقا للكتاب الالكتروني. وهناك ال (ساي بوك) وهو بحجم الكف ولكنه أصغر من سابقه ولايحمل سوى ألف كتاب فقط!! وقال البازعي أن التخلص من العلاقة العاطفية مع الكتاب الورقي تشبه المرحلة التي تم التخلص فيها من الكتاب المنسوخ يدويا لصالح الطباعة، وذكر أنه وزملاءه عاشوا هذه التجربة بجريدة “اليوم” حينما كان هناك صراع للتخلص من الخطاطين الذين كانوا يكتبون العناوين في الصفحة الأولى والصفحات الداخلية، غير أن الحاجة العملية فرضت الانتقال الى الطباعة. ولمح الى ماحدث هذا العام أن شركة (news curb) المملوكة لأحد الناشرين الكبار للصحف في العالم (ماردوخ) اشترت ابتكارا عبارة عن شاشة مرنة للقراءة تشبه الوورد ثم اختفى هذا الاختراع وتساءل إن كان هذا الاختفاء له علاقة بالتشبث بالطباعة أم لأنه يضر بمصالح هذه الشركة أم سوف تتبناه في صناعتها.
وقال ان تتبع الاحصائيات تشير الى أن الكتاب الالكتروني سيسود في المستقبل القريب، فعلى سبيل المثال في عام 2008م زادت مبيعات الكتاب الالكتروني بنسبة 108% عن العام الذي سبقه، وكذلك فان الكتب المطبوعة لم تتجاوز نسبة زيادتها 2.5% منذ (2002- 2007م) بينما الكتاب الالكتروني زاد خلال نفس الفترة بنسبة 55.7%، مشيرا الى أن الكتاب المطبوع أكثر توزيعا غير ان التيار يمشي بذاك الاتجاه، لأنه التواصل الالكتروني يوفر ميزة مهمة وهي التفاعلية بسهولة مع المتلقي ويتيح الوصول الى مراكز المعلومات والمكتبات الالكترونية وهو عابر للقارات. وقد بذلت (جوجل) جهدا جبارا لتحويل مكتبات الجامعات الكبرى بالعالم الى كتب رقمية، حيث صممت برنامجا يقوم بتحرير 5.2 مليون كتاب تتضمن أكثر من خمسة مليار كلمة تراوح تاريخ نشرها بين عام 1500م حتى الآن، ودعا في نهاية حديثه الى الاهتمام بتعويد الأطفال على التلقي الالكتروني للمعلومة حيث هو المستقبل.
بعدها بدأت مداخلات الحضور بالاستاذ طارق ابراهيم رئيس تحرير (الوطن) السابق ورئيس تحرير صحيفة عناوين الالكترونية حيث توقع ان يكون الانحسار الملموس للصحافة الورقية بعد خمس سنوات، لكنه أكد أن الصحافة الورقية أكثر رزانة ودقة ومسئولية من النشر الالكتروني الذي يتفوق بعامل الزمن والتفاعلية وهامش الحرية، ووصف النشر الالكتروني على الساحة المحلية لم ينضج بعد حيث يحتوي على الكثير من التجريح والإشاعات وليس في اغلب المواقع الالكترونية اي حقوق نشر.
بعد ذلك تحدثت الفنانة التشكيلية رقية التاروتي عن تجربتها الفنية حيث أشارت الى تركيزها على النخلة وعلاقتها بالانسان فكانت الرمز لكل لوحاتها التي عرضتها لأول مرة في جدة، مشيرة الى انها تنقلت بين المدارس التشكيلية ولكن ميلها الى الكلاسيكية أكثر من التجريد، وعبر الاستاذ البازعي من جهته عن شكره وسعادته لوجود معرض التاروتي وأشاد باللوحات التي شدت انتباهه.
وحول هامش الحرية والمسئولية في الصحافة الالكترونية علق الاستاذ البازعي بأن الصحافة الاحترافية هي الموجودة في المؤسسات التي تستطيع توظيف صحفيين محترفين، واستشهد بتوجه نيويورك تايمز وتجربة ماردوخ الذي قرر أن تكون جميع الصحف الالكترونية مدفوعة لامجانية وذلك لتمويل النفقات العالية لهذا العمل الصحفي، وأرجع اشكالية هامش الحرية والمسئولية في النشر الالكتروني المحلي لأننا جدد على هذا العمل، وقال أن السؤال المطروح هل ستتحول الصحافة الالكترونية الى مؤسسات؟ هل سيعود التحالف بين راس المال والحكومات؟ كل ذلك متوقع، واذا تحولت فهي تحتاج للاعلان للتمويل وبالتالي سوف يؤثر على هامش الحرية.
الدكتور توفيق السيف أشار الى ان الانتقال الى النشر الالكتروني سيحصل بسبب انخفاض الكلفة كما يحصل لكثير من الأشياء، لكنه اوضح أن التفاعلية القائمة في الصحافة الالكترونية المحلية ضعيفة لعدم وجود اندماج في المشهد كما هو الحال مع الخطيب المباشر، ودعا الى الاستفادة من المكتبات العالمية الالكترونية مثل (بوستيير) و (جي ستور) و(هافيد) التي تضم مئات الآلاف من المقالات العلمية. وعقب البازعي على موضوع التفاعلية لأن الصحافة الالكترونية السعودية لم تنضج بعد لأنها نسخة مكررة من الصحافة الورقية، ولكن النظرة المستقبلية آتية من عبور الالكتروني للزمان والمكان بكلفة اقل. الكاتب الاستاذ عبد الله العبد الباقي اشار الى دور الكتاب المسموع ومايتيحه بالقراءة عن طريق السمع حتى اثناء السياقة، وقال أن اهمية النشر الالكتروني تكمن في تثبيت عالم المعرفة، وتعزيز حالة الشفافية بحيث أصبحت حقيقة لايمكن الهروب منها فهي تعني حرية وديمقراطية أكثر، صحيح ان الاحترافية أقل ولكن الناس تكون اكثر قدرة على التعبير عن رأيها وتكون المعلومات متداولة بما سيؤثر على جميع القضايا على كل الصعد.
وذكر الاستاذ حسن الشهري مدير مكتب (الرياض) بالشرقية خبر اصدار ست صحف الكترونية رسمية في موريتانيا معتبرا اياه مؤشرا لقدوم الاعلام الالكتروني الرسمي، أما الإعلامي فؤاد نصر الله فقد أشار الى ان الهجوم على الصحافة الورقية ليس جديدا وحتى قبل ولادة الصحافة الالكترونية كان البعض يستهين بالصحافة ومقاومة الجرائد في أماكن العمل، وعبر عن ثقته باستمرار الصحافة الورقية حتى مع تراجع نصيبها. البازعي من جانبه اجاب على تساؤل الصحفي جعفر الصفار بأنه يجري حاليا مناقشة قانون النشر الالكتروني في السعودية ولكنه لايؤيد اصدار نظام خاص بالنشر الالكتروني، ولكنه مع ايجاد نظام يعالج جرائم النشر الذي يتعلق بالسباب الشخصي ونشر المعلومات الخاطئة والسرقات، وذكر أن النشر الالكتروني تجاوز انتظار التصريح في هذا الزمن حيث لايوجد قوة في العالم تستطيع ايقاف النشر الالكتروني.
الصحفي منير النمر ذكر أهمية توفر أي موقع على خدمات تفاعلية كخدمة العاجل والفيديو والرسائل القصيرة ليكون موقعا متميزا سيحظى بمتصفحين أكثر مشيدا بمستوى موقع جريدة (الرياض)، وعاب على بعض الصحف التي تؤجل نشر الأخبار على الموقع حتى لا يؤثر على الجريدة في الصباح قائلا بأن الزمن تجاوز ذلك لأن الخبر يأتي من مواقع عديدة والواجب الدخول في السباق من خلال المفهوم الجديد في التحرير أي (التحرير المركزي) الذي يعطى لعدة وسائل وبصياغات مختلفة، مذكرا بمتابعة الناس للسي إن إن على الهواء قبل صدور الصحف، وخلص البازعي الى ان العالم شروطه تغيرت وعلى المشتغلين بالاعلام استيعاب التحولات ومواكبتها كي لايفقدوا جمهورهم.واختمت الأمسية بتقديم الاستاذ جعفر الشايب راعي المنتدى شكره للاستاذ البازعي والفنانة التاروتي.
المحاضرة الكاملة: