ألقى الدكتور علي الخشيبان محاضرة مساء الثلاثاء 17 صفر 1428هـ الموافق 6 مارس 2007م تحت عنوان «التحولات الثقافية في المجتمع وأثرها في إعادة تشكيل قيم الثقافة، معرض الرياض نموذجا» وبحضور مجموعة كبيرة من المثقفين والإعلاميين. وأدار الندوة عضو اللجنة التنظيمية للمنتدى الأستاذ ذاكر ال حبيل، الذي قدم تعريفا بالمحاضر الحاصل على بكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وماجستير في علم الاجتماع وآخر في الإدارة التربوية من جامعة الملك سعود، ويحمل شهادة الدكتوراه في السياسات التربوية من جامعة بنسلفانيا الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل حاليا مديرا عاما لبرنامج السياحة والمجتمع بالهيئة العليا للسياحة، وسبق أن تقلد العديد من المناصب في مجالات التعليم والإعلام.
بدأ الدكتور الخشيبان محاضرته بمقدمة حول الأسس التي تنطلق منها تعريفات الثقافة باعتبارها نتاج بشري دائم الوجود ومستمر التجديد وتشمل كل الموجودات ذات العلاقة بالإنسان، والتي ينتجها الإنسان ويجعلها محور اهتمامه وتعامله، مستعرضا أبرز تعريفات الثقافة التي قدمها إدوارد تايلور، وكذلك التعريف الماركسي للثقافة. وانتقل بعد ذلك للحديث عن العلاقة الجدلية بين الحضارة والثقافة مشيرا إلى أنه ليس كل وعي في الثقافة يمكن أن يؤدي إلى حضارة بشكل مباشر، فصنع الحضارات هو حالة تصل بالثقافة إلى تغيير شامل في عناصرها ترفض من خلاله مكونات الماضي. وأوضح أن التحولات في المنتج الفكري أو التجديد فيه يعتبر من القضايا القابلة لإثارة الاعتراض باعتبار أن الفكر هو أول الحصون التي تحاول الثقافة التقليدية الدفاع عنها.
وانتقل المحاضر بعد ذلك للحديث عن علاقة الثقافة بالتحول والتغير الاجتماعي، موضحا أن علم الاجتماع الحديث يمزج في تفسيره لأنماط التغير بين أسباب وعوامل داخلية وخارجية ومختلطة، وأن عملية التغيير قد تأتي بخط مستقيم أو بخطوط متعرجة. وأكد على أن التحول – مدلولا- مهما كانت درجته يظل جزئيا وأقل تأثيرا من التغير، مع أنه – أي التغيير- قد يأتي بشكل سلبي حتى على المجتمع، مشيرا إلى أن المجتمعات التقليدية عرضة للتحول لأنها تبحث دائما عن محاولات خاصة للتغيير، وذلك عند اكتشافها خللا في أحد أجزاء الثقافة الاجتماعية، فتلجأ إلى البحث عن وسائل التحول بطرق مختلفة حيث يتطلب ذلك بيئة مناسبة لانبعاث وظهور هذه الرغبة التي تكون استجابة وردة فعل لأحداث أخرى. وأكد على أن التغير الاجتماعي يحدث تغيرا ثقافيا، بينما التغير الثقافي ليس شرطا أن يكون سببا في التغير الاجتماعي.
وفي جانب مهم من بحثه، أكد المحاضر على أن الخطر الفكري يؤثر مباشرة على المنتج العقلي في المجتمع، حيث أن المجتمع الذي يختار لأفراده ما يقرأون عبر الرقابة المقننة ويمارس ذلك لفترات طويلة سيكتشف في لحظة من اللحظات أنه من الصعب عليه أن يدير دفة ذلك المجتمع يمينا أو يسارا، وخاصة إذا ما اقتضت الحاجة السياسية أو الاجتماعية انتقالا إلى مواقع جديدة في المنهج الفكري للمجتمع. وأشار إلى أن الثقافة المحظورة تسهم – وبلا معرفة- في تجاوز المكونات الرئيسية للعقل البشري، ولذا فمن الضروري اعتماد منهج فكري يسمح بتعددية ثقافية كما في تجربة الحضارة الإسلامية.
وكنموذج على هذا التحول الثقافي، تطرق الدكتور لمعرض الرياض للكتاب مستثيرا ما يوصل للدلالة على مدى التحول الفكري الذي خـُلق في مجتمع كان شبه مفرغ ٍ ثقافيا لعدم نضج البديل الذي ساد العقود الماضية، الأمر الذي أثر على تطور المجتمع، مستدلا بطبيعية النهم الملاحظ للحضور والمتابعة في المعرض على حالة الجوع الثقافي والرغبة في اكتشاف الجديد للحياة، وأثر مفاجأة الانفتاح في الكم والكيف على العقول المغيبة وعيا، واحتمالية سقوطها في هوة معرفية تؤدي إلى اعتناق أفكار أو تيارات جديدة بفكر عفوي غير مؤسس. مؤكدا على أهمية الأخذ بمكونات الثقافة في تحولاتها بدعمها بالأنساق الاجتماعية لضمان تعود الأجيال عليها وتقبلها لها بطرق تراكمية.
والمتتبع لدورات المعرض في الأعوام السابقة يدرك تماما عملية التدرج الحكيمة التي انتهجت للارتقاء بعملية التحول التدريجي في الأبنية الثقافية، فلم تقدم حتى العامين الماضيين سوى ما يعد امتدادا للموجود خارج المعرض لتبدأ بعدها عملية ترميم لبعض جوانب الثقافة، ساهم في إنجاح ذلك ارتفاع معدلات الوعي الثقافي الذي قاوم المعرض به محاولات الإجهاض المقترحة والمنطلقة من حالة عداء الثقافة لما تجهل منها. مشيرا إلى بعض أشكال هذه الحرب خلال العقود الماضية، مستشهدا بتداعيات الحرب على الحداثة بوصفها كفرا، الأمر الذي يؤكد حاجة المجتمع الفعلية إلى تجربة جديدة مع الآخر لاستيعابه.
وكمؤشر إيجابي للتحول المطلوب أشار الدكتور لإحصائيات العامين الماضيين للإنتاج الأدبي والتي تزايدت بشكل ملحوظ، معللا ذلك بأسباب يرجح أن أهمها هو إحساس الفرد السعودي بالانفتاح وإن كان مبطنا بالخوف والقلق، مشيرا لعدد المنتج الفكري الذي تخطى حاجز المائة احتلت الرواية فيه نصيب الأسد، إذ بلغ نتاجها الاثنين والخمسين رواية منها أربع وعشرون لنساء تسع عشرة منهن ينشرن للمرة الأولى، معللا القصور الذي اتسم به بعضهن كون النضج النقدي متعلق بالنضج الثقافي، مؤكدا على أن المعرض بما فيه من منتجات فكرية كان الدافع الرئيس لتنافس المفكرين والكتاب لطرح نتاجاتهم الفكرية التي ستتطور بتطور هذه الظاهرة الثقافية.
وفي إشارة إلى الإنتاج الروائي أكد الدكتور أن الرواية أداة من أدوات التحول الثقافي يسير بنا إلى طريق قويم كونها انعكاس لتجارب فردية تتطرق لقضايا أساسية ظلت مدفونة تحت السطح الاجتماعي يدرك مصداقيتها من يعيش ظروفها، ولئن تجاوز بعضه الخطوط الحمراء إلا أنه فتح الطريق للتعرية الاجتماعية من منظور فردي، وهذا مالم يتعود عليه مجتمعنا تحت سيطرة الروح القدسية الجمعية.
انتقل المحاضر بعد ذلك إلى معضلة يواجهها النشر في مجمعنا، حيث لا زال المنتج الفكري يرنو لبيئة مناسبة تحق له طموحاته بعيدا عن الرقابة التي لا تفرق بين الممكن واللا ممكن، الأمر الذي يضطر بالمنتج الفكري لتصديره خارجا حيث يُحتضن لتواجهه مشكلة تصديره للبلاد بعد اكتماله، مشيرا إلى أن المجتمع – وفي ظل الانفتاح التكنولوجي – لديه بدائل لا يمكن صدها للحصول على ما يريد. وانطلق الدكتور من ذلك إلى حاجة المجتمع لبيئة قادرة على مجاراة الواقع الحقيقي للإنتاج الفكري فضلا عن الثقة الاجتماعية به.
وختاما أكد الدكتور أنه يكفي دليلا على أن عملية التحول ماضية في طريق المقاومة والإقلاع عن الماضي أن ترى نتائجها ولو كرؤية ضباب قبل أن تخفيها الشمس، إشارة إلى أن حقيقة الثقافة قد تظهر وتغيب تبعا لمقومات صمودها بما لا يؤثر في أسس الثقافة الاجتماعية سامحة للمزيد من العقول والأفكار بالظهور على الساحة الثقافية.