استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 24/ 5/ 1430هـ، الموافق 19/ 5/2009م الأستاذ جلال الهارون مستعرضا ملامح من تاريخ دارين في ندوة أدارها الأستاذ جعفر العيد. والهارون من مواليد الخبر للعام 1396هـ، حاصل على درجة الماجستير من جامعة الملك فيصل في علوم وتكنلوجيا البناء. وهو عضو جمعية التاريخ والآثار الخليجية، شارك في عدة فعاليات ومهرجانات تراثية، وألقى بعض المحاضرات ذات العلاقة، كما نشر له العديد من المقالات في مجلة الواحة. لديه مجموعة مؤلفات، منها “قصة دارين التاريخية”، “بلوغ المعالي في ترجمة السيد إبراهيم السادة والشيخ يعقوب التميمي”، “قراءة معاصرة في تاريخ عرب الهولة والعتوب”؛ نشر في صحيفة الوقت البحرينية على حلقات عام 2009م. وله تحت الطبع كتاب “ترجمة الممول إبراهيم بن هارون، ذكرى مرور 75 عام على وفاته”.
بدأ الضيف حديثه عن دارين مبتدئا بموقعها في الركن الجنوبي من جزيرة تاروت، وتوظيفها كميناء رئيسي للجزيرة قبل مائتي عام، ومشيرا لافتقارها في ذلك الوقت لمصادر المياه التي تقوم عليها الحياة الطبيعية واعتمادها على رافد لعين حمام تاروت يبلغ طوله ألف متر كان يبدأ من العين ذاتها، ويصب في منطقة (القنطرة) التي يقوم عليها نادي الجزيرة اليوم، وكانت تبعد مسافة كيلو متر عن بيوت دارين.
وبحسب الوثائق التي جمعها المحاضر لخمسة قرون مضت من مصادر عثمانية وإنجليزية أشار لسكن دارين من قبل الجلاهمة وآل سميط التابعين لشخص يدعى (رْحمة بن جابر الجلاهمة) الذي كان يقيم آنذاك في حاضرة الدمام تابعا للدولة السعودية، فيما كان ابنه بشر يقيم في قلعة دارين التي يعتقد كثير من الناس ببنائها على يد الشيخ عبد الوهاب الفيحاني عام 1303هـ، في حين أنها أقدم من ذلك بكثير بدليل إقامة بشر فيها في العام 1246هـ.
الصراعات التي شهدتها دارين أبان تأسيس الدولة السعودية مع دولة البحرين أدت – كما أشار الضيف – لإرسال حملة عسكرية من قبل (عبد الله بن أحمد آل خليفة) الذي احتلها مع تاروت عام 1249هـ، مما أدى إلى هجرة آل سميط إلى سواحل فارس حتى ستين سنة مضت، استوطنوا بعدها دولة الكويت، فيما هاجر الجلاهمة بقيادة بشر إلى مسقط حيث توفي هناك، لتبقى دارين مهجورة حتى عام 1288هـ، حين زارها الوالي العثماني (أحمد مدحت باشا) في حملة تهدف إلى إسقاط الدولة السعودية الثانية.
إعادة تأسيس دارين أشار الأستاذ جلال لبدايته في عام 1303هـ حين شب صراع على السلطة في قطر بين بعض شيوخها، مما دفع بمائتين وخمسين أسرة من منطقة الغارية في شمال قطر من آل بو عينين وآل الفيحاني وآل الهارون وأسر أخرى للهجرة إلى البحرين ثم إلى دارين؛ أسسوا على إثرها حي دارين الشرقي ورمموا قلعة دارين بتبرع الأهالي.
هجرة أخرى أرخ لها الهارون حين أشار للجوء رجل من آل السادة لقطر طالبا حماية أميرها (جاسم آل ثاني) من ثأر يُطلب فيه دمه، ولأن آل ثاني سمح له بالإقامة في قطر بغير ضمان دمه، أضطر الرجل للهجرة إلى دارين والاستقرار فيها، ليتبعهم آل بن علي الذين كانوا مستقرين في الدمام قبل ذلك، ثم قبيلة العماير.
بعد تفاصيل ملفتة انتقل المحاضر للحديث عن ضم الملك عبد العزيز آل سعود للأحساء والقطيف إلى ملكه عام 1331هـ، وتوقيعه اتفاقية مع أهالي دارين عين في إثرها عليه أميرا، وقيامه بإنجازات كبيرة حركت الحياة في دارين وشجعت لها هجرات أخرى، كهجرة عشيرة آل بو فلاسة والسودان والدواسر عام 1341هـ، وكان من إنجازاته فيها تأسيس مطار، ودائرة للجمارك، وأخرى للجوازات، كما أنشأ ثلاثة مراكز لسلاح الحدود،ومدرسة نظامية عين لها (الشيخ عبد الله الأنصاري) القطري الأصل مديرا، وحفر عين ماء عرفت بعين بن هارون، تم ذلك قبل أن يتوجه اهتمام الملك للدمام، ليضمحل بعدها دور دارين.
وثائق عديدة استعرضها المحاضر أثناء حديثه عبر عرض مرئي، كما استعرض صورا تاريخية وشخصية لوجهاء وأمراء ومشايخ وتجار كان لهم في دارين حضور وأثر على مر تاريخها، وفصل في حديثه تاريخ تجارة اللؤلؤ وبروز ثلاث فئات فيها تمثلت في الممولين، والطواويش والنواخذة، وعرف بوظيفة كل فئة منهم وأبرز من عرف فيها؛ قبل أن تتوقف هذه التجارة في سبعينيات القرن الماضي.
في مداخلاتهم.. طلب بعض الحضور من المحاضر تفاصيل كان قد تجاوزها مراعاة للوقت؛ فتساءل مدير الندوة عن موطن آل سميط قبل استيطانهم دارين، وعن إنجازات الشيخ محمد الفيحاني فيها. وقد أشار المحاضر لإقامة آل سميط كجزء من بني عتبة في منطقة الزبارة جنوب البصرة في العراق بعد تأسيسها عام 1197هـ على يد التاجر (أحمد رزق)، وعرف بتاريخ بني عتبة من حيث تاريخها وتكوينها. وحول إصلاحات الفيحاني تحدث المحاضر عن ترميمه لقلعة دارين التي منح على إثرها لقب باشا من قبل الإمارة العثمانية.
وعن المكون السكاني الحالي تساءل الأستاذ محمود الهاجري، فأشار المحاضر لهجرة كثير من القبائل التي تسكنها لحاضرة الدمام ورأس تنورة والخبر والجبيل والظهران، فيما بقيت فيها قلة قليلة يبرز فيها آل بن علي، والعماير، فيما تشكل أسرة الدحيم التي وفدت عليها في الفترة الأخيرة أغلبية.
وتساءل راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب عن بدء تراجع الحياة في دارين بالهجرات المعاكسة، وكانت ناشطة تجاريا حتى فترة ليست ببعيدة، متسائلا عن أسباب ذلك. وأشار المحاضر للهجرة الأولى التي بدأت بتحول كثير من البحارة عن عملهم في نقل موظفي أرامكو عبر البحر للنقل البري، ثم لهجرة كثير من موظفي هذه الشركة لمدينة رأس تنورة، كما تحدث عن الهجرة الثانية لدولة قطر بعد تحسن أوضاعها ومراسلتها لقبائل لها انتماءات قطرية في دارين، ومنهم (خليفة الهتبي) الذي أصبح لاحقا رئيس مجلس الشورى، و(الشيخ عبد الله الأنصاري) الذي عين وزيرا للأوقاف وغيرهما كثير.
الفنان التشكيلي محمد المصلي تساءل عن إمكانية الحصول على نسخ من الوثائق التي عرضها المحاضر الذي أتاح بدوره إمكانية التواصل معه شخصيا للحصول عليها. ولكثرة الهجرات التي واجهتها دارين.. تساءل الأستاذ علي القبعة عن ضعف شعور أبنائها لها بالانتماء، ملوحا بمداخلة سابقة تشير لتمسك أهالي القطيف بها وعدم هجرتهم عنها، وفند الهارون هذه الفكرة بإشارة لطبيعة الحياة التي يعيشها سكان السواحل المتغيرة، والتي تختلف عن حياة سكان الواحات التي يغلب عليها الاستقرار؛ لاستقرار نمط حياتهم القائم في أغلبه على الزراعة، ملفتا الانتباه إلى أن الوضع المذهبي في القطيف ساعد على بقاء أهلها في دائرتها.
وتساءل الأستاذ محمد الشيوخ عن توجيه الملك عبد العزيز بعض القبائل للنزوح إلى دارين وليس لتاروت، بلحاظ إشارة المحاضر لحال دارين من كونها بيئة غير صالحة للسكن؛ لافتقارها للماء الذي تتطلبه الإقامة، وذلك مقابل ما كانت عليه جزيرة تاروت من حاضرة قائمة بمتطلبات العيش المستقر. وأجاب الهارون لمصاهرات قديمة لم يتح له الوقت للإشارة لتفاصيلها.
أصول وأنساب سكان دارين الذين نزحوا لها في مختلف مراحل الهجرة أشار لها المحاضر بإجابات وافية ومفصلة بإثباتات موثقة لثلاثمائة سنة خلت، فضلا عن قصائد استعرض منها نماذج؛ أنهى بعدها حديثه بجواب لسؤال راعي المنتدى عن حالة التعايش المذهبي قديما بين أهل دارين والقطيف، وكان قد أشار لما مر به الطرفان من تجاذبات لأسباب سياسية
وتجارية ومذهبية في العهد العثماني؛ واجه بعضها تصعيدا فيما مر بعضها الآخر بهدوء.
المحاضرة الكاملة: