القطيف تتغنى بشعر الوطن في منتدى الثلاثاء

5٬755

أنشد (الوطن في شعر القطيف) أربعة من الشعراء استضافهم منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 4/4/1430هـ، الموافق 31/3/2009م في أمسية شعرية أدارها الأستاذ موسى الهاشم. وقد بدأ الهاشم الأمسية بالترحيب بالشعراء وتعريفهم للجمهور، وهم: الشاعر محمد الحمادي، من مواليد مدينة القطيف، حاصل على بكالوريوس آداب في التاريخ، يعمل حاليا مراسلا للقناة الأولى السعودية في المنطقة الشرقية، قدم العديد من الأمسيات الشعرية داخل وخارج المملكة، وله العديد من الإصدرات الشعرية، آخرها (الجنون اللذيذ).

الشاعر الثاني هو عقيل المسكين، من مواليد مدينة سيهات، حاصل على بكالوريوس آداب في اللغة العربية، ويحضر للماجستير في الفلسفة من نفس الجامعة. ساهم في تأسيس منتدى عرش البيان للشعر في سيهات، وأعد ملفا خاصا عن المشهد الثقافي في المملكة ساهم فيه كثير من المثقفين على امتداد الوطن، وله مجموعة إصدارات آخرها (عندما تضحك القوافي).

الشاعر صالح الخنيزي هو الشاعر الثالث، وهو من مدينة القطيف، حاصل على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي، ترجم بعض القصائد الانجليزية للغة العربية، مشرف على أكثر من منتدى أدبي على الشبكة، سجل له برنامج أوراق شاعر لقاء بث من إذاعة الرياض.

الشاعر الرابع والأخير كان ياسر آل غريب من مدينة صفوى، وهو حاصل على بكالوريوس آداب في اللغة العربية، عضو مؤسس في لجنة وارث للأعمال الفنية في صفوى، ومنسق برنامج رعاية الموهوبين بالإدارة العامة للتربية والتعليم في المنطقة الشرقية، صدر له ديوان (الصوت السعفي).

وقد افتتح الشاعر الحمادي الأمسية مؤكدا تمركز الوطن – بلا شك – في قلب إنسانه أين كان، فهو الألم والأمل معا. وفي الألم المعنون بـ (الخط الأحمر) تحدث الحمادي عن تنفسه للتاريخ وتقليبه أوراقه، وعن مطاردته للأحداث التي خرج بها بأن لا شيء يستدعي الوقوف من قبله عليه فهو بذرة نمت في غير مواسمها؛ حتى صارت حريتها خطا أحمرا مات الربيع به وشرعت الأفكار أبواب عنادها في عناده؛ فبات اشتعال ذاتٍ يرسم فكرة ويخطها حروفا تنادي في عذابه بحقيقة لا مناص من نكرانها، وهي الحقيقة التي ختم بها نصه بقوله: “ما عاد يحييني الغرام لأنني، حرف ضعيف من حروف بلادي”.

ولموجة أخرى يغرق بها في ألم آخر أشعل الحمادي (سيجارة الحرية)، ودخنها خيوط تأمل ٍ اعترف باختراقها لمساماته، وتحريكها لشوق قابع في شرايينه يدفعه نحو اعتراف أن لا شيء في المدى “سوى أنت، وبعض رماد يتطاير فوق يدي”، ثم “لاشيء سوى أنت، وصمت زوايا حائرة، وستائر أوهام”، وما ذاك إلا لأن وطنه لا مثيل له، وطن يبدو فيه المكان حيرة، والزمان لغزا يجعله ومحبوبته يختنقان “نختنق الآن وما بعد الآن، ها نحن غريبان، نرتل سمفونية عشق في وطن ليس ككل الأوطان”.

بعد ذلك انطلق لـنص (الوطن المصلوب) وكانت انطلاقته تلك “من اللامعقول أفتش في كل سراديب الأوهام عن الحزن الأسود، عن كلمات تختصر الوجع الساكن في كل زوايا تاريخي”، واستحضر لرحلته ألف غرام وألف سؤال عن “وطن أرسمه خارطة في أعماقي، أعزف منه تسابيح، تقاسيم على وشم حياتي، فأنا مصلوب منذ سنين على أخشاب تشرد روحي”، لينتهي برجاء لوطنه أن “حررني من كل طقوس الحزن، وعلمني حين أحبك كيف أمارس حرية ذاتي”.

في ختام جولته، تحدث الحمادي عن (تقاسيم في حضرة الوطن) عبّر فيها عن رسمه للوطن بصورة زاهية الألوان لما رسم الوطن في داخله جمالا وتربع في جهات دمه حتى سرى هيامه على ابتهالات صلواته فأزهرت في قلبه بذلك باقات حب تفدّي (الوطن.. لغة أخرى)، وطن لا يتعقد بإمكانية ارتقائه إلا بمعانقة جبينه لترابه الطاهر، فهو “وطن على ترب الخلود مجسد، سحرٌ تناثر فوق كل شجوني”.

الشاعر عقيل المسكين ارتقى المنصة وصوت (عزف الروح ونبض القصيد) خلف أضلاعه ينادي “يا بلادي يا بلادي يا بلادي، أنت يا أرجوزة من عزف روحي، أنت يا قيثارة في لحن شادِ”، ولا زال يرد أنتِ أنتِ؛ مستميحا سامعه العذر، معللا “هذه الأنات أشواقي وزادي، إنها ينبوع حب دافق باليمن والإيمان يجري للتلاد، إنه الحب الذي يسقى رويا، للبرايا من بلادي عن بلادي”.

وفي هدية منه (إلى سيدي الوطن) وجه المسكين خطابه للوطن ووصفه فيه بأنه “وطن الأمانة والرسالة والهدى، وطن يشيد بفضله الإسلام، وطن السماحة والمكارم والندى، وطن تحار بكنهه الأفهام.. وطني وما فقر عراك وأنت أنت جنائنٌ يهفو إليك غمام”، ولا زال يردد وطني.. وطني؛ حتى بلغ بيت القصيد بطلب ممعن في الحب” قل للألي راموا جراحك: ها أنا وطن الجميع وإنني القوام”؛ لينهي نصه بدعاء صادق أن “وطني فدتك من العيون نفوسنا، ورعتك من غير الزمان كرام، وطني سلمت من المكائد والعدا، وعليك من رب الأنام سلام”.

وأنهى المسكين جولته بقراءة مقطع من نص (جمرة القلب)، وكان قد عالق بها قصيدة للشاعر يحيى السماوي، وفيه تغنى بـ “قوم إذا استنهضتهم لمة، واليوم كالليل الأَحَمِّ سواد، تلقاهمو نهل الشهامة والإبا، والله يشهد والورى والضاد، وطن الكرام يفيض من تحنانه، سيان فيه الأهل والوفاد”، وما ذلك إلا ليخلص لنتيجة حتمية “أنجدتَ أم أتبكتَ فهي حقيقة، كل الجزيرة للورى وفاد”.

“..عندما تـُغرس الأحلام في شهقات الماء، عندما تغمض الأنثى غيوم اللقاء، عندما تسف الترابَ قهقهات الفناجين، فناجين تحصد الليل، عندما يكون الألم أملا، عندما يكون الوطن شعرا، يكون الشعر وطنا”. بهذه الكلمات بسمل الشاعر صالح الخنيزي، وكان له مع (وجع المراسي) جولة يعلم فيها أن ذلك يتم مع “الهواء الطلق حين يجتاز الشعور” ولذا، كان يرغب في امتطاء الحقيقة، ليمضي في امتزاج الوقت، في ظل أغنية يكتفي منها ببعض البوح قبل أن يخيم الليل الكئيب؛ فالألحان تتراكم في جسده.

الألحان تقول لصالح أنّ “وطني شهيد الماء، تهرقه الحقول على تجاعيد الزمان، وينحني ألما فترتعد الفصول، وطني شهيد النخل يفترش اللحود مهاجرا ويهيم في مزج الوعود، وطني شهيد حمامة صُلبت وبعثرت الرسائل في الهجير” أما هو فيقول للألحان: “وأنا الشهيد أهيم في جرحي المقيد بالنصال وبالورود، سيظل ينزفني الزمان صدى على وجه السماء، حقيقة تهب الوجود ضياءه ما ردد الفجر الآذان”.

وفي (رسائل بددتها الريح) استحضر الخنيزي ذاكرة تقض أضالع النسيان، حين كانت ممرات القوافل تبدد الأحلام، وحين كانت نساء الحي تنتحب وتندب بحارة تكسرت بهم السفن وماج بهم البحر في قساوة إبريل وهم ينادون “أتنتهي فينا الحكاية يا سماء؟ أتنطفي فينا الشموع، وروزنات النذر فاضت من أباريق الدموع؟” صور كان قد عشعش فيها اليباب جلبها الشاعر بخضرة القطيف وطنا أراد أن يكسر به “الصمت المعبأ في الجرار، فحصادنا المنسي قد سئم الغلال، ونخلنا لم تحفظ الصحراء حكمته”. ولذا دعا:” أيها النجم ابتسم في كف عشتاروت، ضاع الحلم في ريش خرافي فلا تهرق دموع اللحن، مزقنا الضياء”.

الجولة الأخيرة كانت للشاعر ياسر الغريب، وإلى من اسمها محفور في بطاقته الشخصية، إلى التي أخذ من أولها قبس القلق، ومن آخرها فاكهة الفردوس، إلى (كيتوس) محاطة بالعشق من ست جهات غنى لها، دعا لها أن (افتحي نافذة الجرح) لتحفها الشمس بخيوط نور، ليس لأنك تفتقرين إلى النور فـ “أنت بيضاء من الداخل كالنسرين، لكن حكمة الأقدار شاءت هاهنا أن تلبسي ثوب السواد، كم توزعتِ على الكل مواويل غرام، وتواشيح وصال، وأبى قلبك أن ينحاز يوما للآحاد”، وما السر ذلك إلا ما خلص به الغريب في خاتمه نصه  “أنت آمنتِ بدين أخضر، ٍفلتفرشي سجادة العشب وصلي، لا عليكِ الآن من هرطقة الشوك ومن وشي القتاد”.

وألقى الغريب نص (وطن الوطن) الذي وصفه بالأدب المثالي، وفيه شرح رؤيته للوطنية التي يراها في “أن أكون مدافعا، عن مقلتيّ إذا استثار ضباب، وطنيتي هي أن أظل كما أنا، عقل يسوح وخافق جواب، وطنيتي قد لا أجيد بوصفها، لكن بها تتفتح الأبواب”.

كذلك انتقد الإرهاب “العنف أبشع فكرة همجية، نادى بها عبر النعيق غراب، من قال أن الدين هجمة فاتك، ومصارع وقنابل، وخراب، الدين ليس كذاك كلا إنه، ركب السلام يقوده المحراب”.

وفي نص (الدوران حول الأرض) أشار الغريب لتبادل حبيبين – هو وأرضه – عطاءهما بإخلاص، هو أحب أرضه، وهي أعطته “أحلى ما كان لديها، لذا لن أمشي بعد اليوم عليها، خجلا من عينيها، سأعلق نفسي في غيم وسأبعث نبض الحب إليها”.

وقد قدم الأستاذ جاسم مشرف قراءة نقدية لما ألقي من نصوص، فأشار فيها لما وقف عليه في لغة الشعراء وخيالهم. وأكد الأستاذ جعفر الشايب على محركي الشاعر الحمادي الذين أشار لهما في بداية جولته (الألم والأمل) كطرفي حب فطري ينمو مع وعي الإنسان، لا يملك إلا أن يعمل على خلق موازنة بين ما يتأمل منه وبين ما يأمل فيه.

وعلق الأستاذ محمد آل قرين على بعض ما وقف عليه في نصوص الشعراء من جزئيات حظيت من قبل الشعراء برحابة وقبول.

وعبر الأديب حسن الزاير عن سعادته لالتفاته بقراءات سريعة في أدب القطيف لمن وصفهم (بعمالقة الأدب) الذين كتبوا في كل مجال وغرفوا من كل منهل، فكان للوطن موسما أخضر بقي في أدبهم حاضرا من خلال دراسات وبحوث، ومثل لذلك بأسماء غاب بعضها تحت التراب، كالمرحوم الأديب عبد الله الجشي، والمرحوم عبد الحميد الخطي، وغيرهم، فيما لا يزال البعض الآخر يتنفس هوى الوطن، ومنهم الأستاذ محمد الناصر الذي كان ضمن الحضور. وختم الزاير حديثه بأمنية أن يتحد كل ما أهرق في الأمسية من مشاعر طيبة في الوطن الواحد، مقترحا تنسيق المنتدى للقاء مشابه يجمع شخصيات من مختلف المناطق.

 

لمشاهدة الصور إضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد