في أمسية اكتظت بالحضور استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 27/3/1430هـ، الموافق 24/3/2009م المؤرخ الدكتور حسن الغانم متحدثا عن منطقة القطيف أبان الحرب العالمية الثانية، والدكتور الغانم من مواليد القطيف للعام 1350هـ، حاصل على درجة الدكتوراة في الأمراض المعدية من جامعة ميشيجن الأمريكية عام 1966هـ. التحق بشركة أرامكو عام 1944هـ قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بسنة واحدة، وعمره 14سنة. شارك في أول بعثة تعليمية لأرامكو إلى بيروت، وقدم برنامج (صحتك) في تلفزيون أرامكو لمدة 14سنة، كما شارك في أول فيلم سينمائي سعودي أنتج عام 1950هـ، وتم تكريمه كأول سينمائي في المملكة. يعمل حالياً مديرا لمعهد (دار الرياض) للتدريب والتأهيل العلمي، وله من العمر ثمانون عاماً.
وقد أدار الندوة الأستاذ زكي البحارنة، حيث بدأها بالتعريف بالضيف ثم بالحديث عن الذاكرة بنوعيها المطبوعة التي تحظى بالتدوين والطبع والانتشار، والشفهية التي لم تتبوأ نصبا تذكاريا يحفظها من الاندثار؛ فظلت بذلك حاضرة في نفوس الذين تخطفتهم الأقدار دون أن يطلع عليها من هم في حاجة لاستقرائها.
كذلك تحدث مدير الندوة عن أهمية قراءة المذكرات ومراجعة الواقع العياني للتاريخ بغض النظر عن الحكم له أو عليه، لما في ذلك من انعكاسات إيجابية تمد الحاضر والمستقبل بالمعايير والرؤى الواضحة، مستشهدا في ذلك بالقطيف كحاضرة تاريخية وجزء من ساحل عريق حظيت ذاكرته بالتدوين في ذاكرة بعض الكتب، ككتاب “ذاكرة أنوار البدرين” للشيخ علي البلادي، وكتاب “ساحل الذهب الأسود” للأستاذ المرحوم محمد سعيد المسلم، فضلا عن عشرات البحوث والدراسات التاريخية والدوريات التي تركت بصمتها في استحضار ذاكرة المكان.
بعد ذلك بدأ المحاضر حديثه بالإشارة لتاريخ نشوب الحرب العالمية الثانية في العام 1939م، والتي لا زال يذكر الكثير من أحداثها وتداعياتها، وكان آنذاك في التاسعة من عمره؛ فتحدث عن الأوضاع الصحية الصعبة التي سبقت نشوب الحرب، وكانت الأسرة – التي قد يصل عدد أفرادها لخمسين – كما في أسرته – تمرض بمرض أحدهم، وتواجه بذلك الموت الذي لا يفرق بين صغير أو كبير، حتى أصبح بسبب الأمراض المنتشرة كالملاريا والجدري والكوليرا أمرا عاديا لا يثير جزعا.
ثم تحدث الضيف عن بعض المراكز الحكومية التي تم تأسيسها قبيل نشوب الحرب، كمركز الشرطة، وكان آنذاك في السادسة من عمره، وكأول مدرسة حكومية في القطيف، اعتمدت منهجا تدريسيا تضمن ” منهج كتابة بسيط، ومنهجا محدودا للقرآن الكريم، فضلا عن تعزيز القدرة على ترديد بعض الكلمات الصعبة”. وتحدث الضيف عن قلة الكوادر المؤهلة آنذاك للقيام بالعملية التعليمية؛ فأشار إلى استقدام مجموعة من معلمي منطقة الحجاز، مقابل معلم قطيفي واحد هو الأستاذ راشد عبد الله الغانم، وذكر الضيف أنه في هذا الوقت لم يبق حيا من طلاب تلك المدرسة في الوقت الحاضر سوى أربعة أشخاص هم المتحدث نفسه، وعبد الكريم بن ناجي، وأحمد شروفنا، وأخوه.
ورغم أن التعليم الرسمي في القطيف لم يبدأ قبل تولي الملك فهد وزارة التعليم، إلا أن المحاضر أشار إلى انتشار الكتاتيب فيها، فضلا عن الحوزات العلمية التي أطلق على القطيف بسببها اسم (النجف الصغرى)، وتحدث عن مساهمة ذلك في خلق ثقافة عمل بعض رجال المنطقة على نشرها بشراء الكتب من البحرين وإعارتها لمحبي القراءة، كما تحدث عن زيارة مثقفين معروفين على مستوى الوطن العربي للمنطقة للالتقاء بمثقفيها، أمثال الباحثة (بنت الشاطئ).
وللحياة الاقتصادية انتقل الغانم ليتحدث عن الفقر الذي كان يعانيه الناس في وقت لم تكن تجد غير التمر والحليب والرز والسمك وبعض الخضار طعاما، وتكلم عن زراعة الرز التي كانت متمركزة في مزارع القطيف من أول شارع الهدلة إلى منطقة البحاري، وكانت تفي ببعض حاجات الناس قبل أن يواجهوا الموت جوعا بسبب ضرب إيطاليا للمنطقة، فقد أرسلت طائراتها من الحبشة لضرب البصرة والبحرين والظهران في ليلة واحدة، وعطلت البواخر الهندية عن دخول الخليج وتزويد السوق بالبضائع عام 1941م؛ رغم أن السعودية لم تكن طرفا حليفا في الحرب.
واستطرد الضيف في وصف حالة الفقر والجوع والمرض قبل أن يباشر حديثه عن العوامل التي ساهمت في تغيير ذلك الواقع وأولها توقف الحرب العالمية في منتصف العام 1945م، ذاك أن انسحاب الدول المشاركة في الحرب استتبع تخلصها من مخزون المواد الغذائية التي كانت تزود بها جيشها؛ فاستفاد منه خلق كثير لفترات طويلة، كذلك ساهم دخول أبناء المنطقة لشركة أرامكو في تحسين الوضع؛ فقد كانت توزع على موظفيها بطاقات تموين غذائي أنعشهم اقتصاديا، كذلك أنعشوا صحيا بقرار من الملك عبد العزيز أن تتولى أرامكو علاج جميع الناس – وليس منسوبيها فقط – على حسابها.
وذكر الضيف أن الأحداث السياسية التي مرت بها المنطقة فرضت على الناس متابعتها، الأمر الذي رفع من مستوى ثقافتها سياسيا، وأشار إلى أنه رغم افتقار المنطقة إلى وسائل إعلامية تزودها بالأحداث، إلا أن أعدادا من الصحف في البحرين كانت تستجلب من قبل أربعة أشخاص يتم تبادلها بين الأهالي، كذلك كانت ثلاثة أجهزة مذياع فقط كفيلة بأداء الغرض المطلوب في نشر الوعي السياسي في المنطقة؛ وكان أحدها ملكا لرجل من أسرة القصيبي عاش في المنطقة، فيما كان الثاني في حوزة رجل يدعى حسين آل ناس، يعمل مديرا للبريد. وكانت هذه المذاييع قبلة لأهل القطيف الذين كانوا يجتمعون عليها بعد العشاء ليستمعون من خلالها لتداعيات الحرب، ويتطارحون آراءهم إزاء ما يحدث.
الوعي السياسي أيضا ساهم في نشره فترة الأربعينيات استقطاب شركة أرامكو لمجاميع من مثقفين وعمال مهرة من مختلف الدول العربية أثروا في المجتمع المحلي سياسيا وساهموا في تأسيس بذرة العمل الوطني؛ فقد نبهوا موظفي أرامكو من أبناء البلد لحقوقهم الطبيعية التي تساويهم بالعمال الأجانب، وكانوا غافلين عنها؛ كمشاركتهم في استخدام الحافلات التي بقيت مقتصرة لفترة طويلة على الأجانب فقط، كذلك تزويد غرفهم ببعض الخدمات كالثلاجات والمراوح، وما شابه ذلك.
وعن لقائه بالملك عبد العزيز في آخر رحلة له للمنطقة الشرقية عام 1947م استحضر الدكتور الغانم ذاكرته وهو يلقي أمامه خطابا مثل فيه مدرسة أرامكو كواحدة من سبع مدارس فقط ضمتها المنطقة الشرقية وهو في الثالثة عشرة من عمره، وكان الخطاب باللغتين العربية والانجليزية، تم تدريبه عليه من قبل أستاذته، ولأن الملك أعجب به، فقد كافأه بمبلغ خمسمائة ريال اشترى له جده بها قطعتي أرض بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنتين.
كان ذلك في الوقت الذي ألزمت الحكومة شركة أرامكو بفصل طلابها الذين تقل أعمارهم عن أربعة عشر عاما ليدرسوا في مدارس الحكومة، غير أن شفاعة أرامكو لبعض الطلاب المتميزين ووعودها للحكومة بتبنيهم وتدريسهم ليعودا قادرين على خدمة الدولة كان سببا في بقائه في أرامكو وابتعاثه لاحقا للدراسة في الخارج.
وفي حديثه عن أرامكو تطرق الضيف لمشاركته بدور البطل في الفلم الوثائقي الذي أنتجته الشركة عن حياة الذبابة وتطورها عام 1959م، وهو فلم تم عرضه في جميع أنحاء العالم الفقيرة في أمريكا الجنوبية وشرق آسيا، فضلا عن عرضه في جميع قرى ومناطق المملكة. وقد تم عرض الفلم على الحضور.
تفاصيل دقيقة ضمتها أحداث، وفصول، ومشاهد، استحضرها الضيف إثر ما وجه له الحضور من أسئلة عن وقعة الشربة وسنة البطاقة وغيرها. أسئلة عكست تشكل الأمكنة في ذاكرتهم بوضوح، وكان استحضار تلك الأمكنة في ذاكرته هو منطلقا لإجابات وافيةٍ وفاء ثمانين عاما عاشها في تاريخ هذه المنطقة.
المحاضرة الكاملة: