في مراجعة للخطاب الديني، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 16/1/1430هـ الموافق 13/1/2009م كل من الناشط الاجتماعي الأستاذ حسين العلق، وعضو لجنة التمثيل في أم الحمام، الأستاذ عبد الله آل رضوان، وكذلك عضو موكب الإمام الحسين في سيهات السيد محمد الموسوي، وذلك لتناول هذه المراجعة بعدة زوايا. وقد أدار الأستاذ عبد الباري الدخيل الندوة مستعرضا التطور الطبيعي الذي طرأ على خطاب عاشوراء في المنطقة بدء بالمنبر، والعزاء، ومرورا بالمسرح والأوبريت، وانتهاء بالفن التشكيلي والسينما.
بدأ الأستاذ حسين العلق طرح ورقة بعنوان “مراجعة الخطاب الديني.. عاشوراء مثالا”؛ مشيرا للمهرجان الثقافي الواسع الذي يمثله موسم عاشوراء في المجتمعات الشيعية، وملفتا الانتباه إلى إمكانية استشراف مختلف اتجاهات الرأي الدينية والشعبية؛ عبر متابعة بسيطة لخطابات وفعاليات هذا الموسم.
منابر كل من السيد منير الخباز، والشيوخ حسن الصفار، فوزي السيف، وحسن الخويلدي كانت أربعة استعرضها العلق في حديثه، شملت ما يزيد على سبعين محاضرة وعنوانا واقتراحا، فضلا عن توصية عشرة من أبرز علماء القطيف والأحساء شملت ستة وعشرين عنوانا، مؤكدا على خروجه منها بمحصلة مثلت في بعضها مفاجأة شخصية له؛ لشموليتها، ومجاوزتها الخطاب التقليدي المقتصر على التعاطي العاطفي مع قضية كربلاء. وعزز المحاضر رؤيته تلك مستعينا بذكر النسب المئوية لمخرجات بحثه.
ذكر الأستاذ العلق – مثلا – أن ما نسبته 24% من موضوعات الخطاب لهذه الأربعة منابر اتجهت لمعالجة الشأن الاجتماعي؛ متضمنة العلاقات الاجتماعية والأسرية ومشاكل الشباب، فيما مثلت قضايا السلوك الديني والأخلاق ذات النسبة. وتناول الشأن التاريخي الشيعي نسبة 14% من تلك الموضوعات، كما مثل الشأن السياسي نسبة 10%، وفيه طرحت قضايا النزاع المذهبي والتمييز الطائفي والدعوة للوحدة الوطنية، فضلا عن طرح قضايا الساحة العربية الساخنة، كقضية غزة. وهذه النسبة مطابقة لنسبة تناول مواضيع الفلسفة الدينية المتعلقة بالذات الإلهية وما شابه.
وأشار إلى انخفاض نسبة مواضيع الشأن العقائدي إلى 8% فقط بعد أن كانت مستحوذة على مساحة كبيرة في الخطاب الديني سابقا، متحدية بذلك الغزو الثقافي الذي فرضته طبيعة التحولات الثقافية التي واجهتها المنطقة. كما أشار إلى تمثيل مواضيع القرآن الكريم نسبة 6% فقط؛ مبديا خشيته من تضاؤل النقاش فيما يتعلق بالمرأة؛ حيث لم تشغل ما يزيد على 4% حمل العلق حالة التهميش التي تكابدها المرأة على مختلف الصعد في المجتمع مما عكس وانعكس عفويا عليها.
ثم انتقل العلق للحديث عن فعاليات الموسم الأخرى، كالمسرح المفتوح، والعروض السينمائية، والمعارض التشكيلية وغيرها؛ مشيرا لكونها حققت نجاحا مضطردا لأكثر من ثلاث سنوات؛ جازما بكونها المنافس القادم للمنبر الحسيني، لما استطاعت به من جذب واستقطاب مختلف فئات المجتمع التي لم يستطع المنبر جذبها كما يجب، كفئة الأطفال والشباب. ونبه في ختام حديثه على أهمية استغلال التفاعل الملفت مع هذه الفعاليات وتطويرها واستثمارها لعرض قضية الإمام الحسين (ع) بشكل حضاري يمد جسور التواصل المعرفي بين الجميع.
بعد ذلك، تحدث السيد محمد الموسوي عن الفعاليات التي نفذها موكب الإمام الحسين (ع) في مدينة سيهات، فافتتحها بتعريف موجز عن الموكب الذي بدأ نشاطه قبل سبع سنوات كمؤسسة دينية تربوية تثقيفية اجتماعية، تضم في إدارتها خمس عشرة لجنة يعمل فيها ما يقارب مائتي عضو متطوع – فضلا عن خمس عشرة لجنة نسائية مماثلة – على إحياء شعائر أهل البيت بأسلوب حضاري يحفظ هوية المجتمع ويؤكد شخصيته وعقيدته، كما يساهم في نشر الوعي الديني للتخفيف من حدة عوامل الانحراف عبر استلهام الدروس والعبر وتجسيدها على شكل فعاليات وأنشطة واكبت العصر لتثبت أن أبواب الحسين كثيرة يستطيع الجميع من خلالها الإبحار في خدمة مجتمعاتهم.
بعد إشارة الموسوي لأهداف وسياسة الموكب، استعرض تقريرا مرئيا لمجمل إنجازات الموكب في السنوات الماضية، اشتمل على تغطية لأهم الفعاليات التي نفذت في مجال العزاء والفيديو كليب والأوبريت والمسرح وحملات التبرع بالدم – التي ساهم فيها قرابة الألف متبرع منذ بدئها – ومعارض الفن التشكيلي والفوتوغرافي والخط العربي، والأمسيات الأدبية، ثم فعاليات الطفل الحسيني المتمثلة في برنامج مرسم الطفل، الخطيب الشبل، الرادود الحسيني، ومسابقات التصميم والقصة.
وتحدث السيد محمد الموسوي عن خطة الموكب الإعلامية، والتي يتم عبرها استضافة وجهاء ورجال أعمال ومسؤولين في الدولة والجهات الرسمية لحضور الفعاليات. كذلك خطتها في استغلال الموسم لتفعيل طاقات المجتمع ومواهبه الفنية والإبداعية، والتعريف بأهم المؤسسات الاجتماعية والثقافية؛ الأمر الذي يتم عبر تخصيص زوايا وأركان لها في موقع الموكب تعرض فيه نتاجها ونشاطها بمختلف أشكاله، مشيرا بذلك لمؤسسة آفاق للدراسات والبحوث، ومؤسسة فجر الهدى، ومؤسسة أنوار القرآن كنماذج تم التعريف بها في هذا العام.
بعد ذلك، تحدث الأستاذ عبد الله آل رضوان عن لجنة التمثيل في قرية أم الحمام، فأشار إلى بدء نشاطها عام 1422هـ، ثم إلى اشتراك أهدافها مع أهداف موكب الإمام الحسين السابق ذكرها، ليفتح باب الحوار والمداخلات؛ فأشار الأستاذ جعفر الشايب إلى أهمية دراسة مضمون الخطاب المنبري ومدى تأثيره وانعكاسه على سلوكيات الناس في ظل التغييرات المعقدة التي يواجهها مجتمعهم، وأشاد بالدور الذي حققته فعاليات الموسم الأخرى في استقطاب من لم يستطع المنبر استقطابهم من الشباب ومختلف الأطياف، وإيصال رسالة الإمام الحسين لهم بوسائل تناسب توجهاتهم؛ مشيرا بذلك إلى حضور العديد من الشخصيات المثقفة من الجنسين من مختلف مناطق المملكة إلى القطيف ومشاركتها في فعاليات الموسم.
وتساءل الأستاذ علي الحويدر عن سبب تجاهل وسائل الإعلام المحلية فعاليات موسم عاشوراء في المنطقة وعدم تفاعله مع الحدث باعتباره مهرجانا ثقافيا فنيا فكريا. وأجاب السيد الموسوي إلى دعوة إدارة الموكب لبعض الصحف التي غطت العديد من فعالياته كحملة التبرع بالدم؛ داعيا إلى توظيف العلاقات الطيبة مع منسوبي الجهات الرسمية لتنفيذ بعض الخطط الممكنة.
وانتقد الأستاذ عبد الله القديحي بعض خطباء المنبر لعدم توظيفهم له في معالجة بعض هموم المجتمع وقضاياه؛ داعيا لهم إلى الجدية في بحثها والتحضير لها قبل الموسم بوقت كاف لطرحها بشكل يساهم في تناولها بفائدة وموضوعية؛ فيما دافع الأستاذ نافع تحيفة عن رجال الدين أمام ما يوجه لهم من لوم؛ محملا المجتمع مسؤولية غياب مؤسسات يفترض بها نشر رسالة الوعي الثقافي والاجتماعي وتعليقه مسؤولية ذلك على المنبر فقط.
وقد حاول الحضور مجتمعين دراسة أسباب عدم تعاطي القضايا السياسية وقضايا المرأة على المنبر من قبل كثير من الخطباء مشيرين إلى خطر تجاهل هذا الموضوع؛ في الحين الذي أشار العلق إلى خطورة التعاطي السلبي مع القضايا السياسية بما يعقدها أكثر بمختلف الوسائل؛ كالاستجابة لأصوات الاستفزاز المقروءة والمسموعة مثلا، داعيا إلى تقديم خطاب متزن في مختلف أبعاده.
المحاضرة الكاملة: