الأنصاري يقدم مراجعة ثقافية لجيل الألفية في المملكة

140

أكد الباحث في مركز البحوث والتواصل المعرفي الأستاذ عبد الواحد الأنصاري أن جيل الألفية في المنطقة العربية لم يكن بنفس مستوى وعي الجيل الذي سبقه مما سبب في عدم قدرته على استيعاب للتحولات التي جرت في المنطقة. جاء ذلك ضمن عرضه للتحولات الثقافية التي مر بها جيل الألفية في ندوة ألقاها بمنتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 4 ربيع الأول 1445هـ الموافق 19 سبتمبر 2023م تحت عنوان “مراجعات ثقافية مع جيل الالفية في المملكة”، وأدارها الناقد محمد الحميدي، كما شارك فيها الدكتور عباس الخاطر كضيف شرف.

وشملت فقرات الندوة مجموعة من الفعاليات المصاحبة قدمتها الأستاذة هدى الناصر، حيث تم عرض فيلم قصير بمناسبة اليوم العالمي للسلام، واستعرضت الكاتبة الطالبة لين آل سيف كتابها “عالم بلا ألوان” متحدثة عن تجربتها الكتابية ومشاركاتها الأدبية، كما تم تكريم الناشط الاجتماعي جاسم الأبيض وهو من الصم والبكم نظير جهوده التطوعية الإبداعية في خدمة المجتمع وقيامه بمهام التصوير في المناسبات الرياضية والاجتماعية ومختلف الفعاليات، وأقيم أيضا معرضا فنيا تشكيليا جماعيا بمناسبة اليوم الوطني للمملكة شارك فيه نخبة من الفنانين، حيث تحدثت نيابة عنهم الفنانة مريم الشملاوي.

وقدم الندوة التي حضرها جمع من مثقفي المنطقة الناقد الأستاذ محمد الحميدي الذي استعرض أبرز التغيرات في البيئة الثقافية طوال العقدين الماضيين، مشيرا إلى أن شروط الكتابة الحديثة اختلفت بتأثيرات الوسائط المتعددة، مثلما اختلف استقبالها من قبل المتلقي، من خلال التنوع الكبير في أجناس الكتابة، وعدم اكتفائها بثنائية شعر / نثر؛ كما تم ادماج معها الصور الثابتة والمتحركة، فدخلت الميديا كشريك للكتابة، ومساعد لها على الانتشار، حتى استولت على المشهد، وأصبحت هي الأساس، والكتابة مساعدة لها. وعرف المحاضر الأستاذ عبد الواحد الأنصاري، بأنه المشرف على وحدة بحوث أفريقيا وشمال الصحراء بمركز البحوث والتواصل المعرفي، والحاصل على ماجستير أصول الدين من جامعة الوفاق الدولية، أصدر عددا من الدراسات والروايات، منها: لمحات من واقع البلاد العربية في العهد العثماني، مهجَّرو تاورغاء، استدلال السلف بالعقل، الأسطح والسراديب، أسبوع الموت، كما قدَّم دورات تخصصية في مجال الكتابة القصصية، والروائية، وفنون التحرير، والتلخيص.

تناول المحاضر في البداية مقدمة حول أسلوب المراجعات والاشكاليات المتعلقة به، معبرا في بداية محاضرته أنه يقوم بعمل مراجعة متخيلة بينه وبين أبناء جيله من المثقفين الذين فتحوا أعينهم بوصفهم مهتمين بالحراك الثقافي في المملكة في فترة الألفية الميلادية الجديدة، أو قبلها بقليل، كعملية حوارية من أجل إنجاز الثمرة المثلى من هذه المراجعة، التي تتضمن شيئا من الشهادة والمساءلة. وبدأ بعرض آرائه حول أحد المؤشرات وهو انحسار الاهتمام بالشعر وبزوغ نجم القصة والرواية، حيث أنه يرى أن جيل الألفية الجديدة لم يكن متمتعا بالاستعداد اللازم لتلقف نظريات أدبية ونقدية كالبنيوية، فجيل المثقفين السابق له في السبعينيات فالثمانينيات كان أقوى منه في هذا الباب، كما أن هذا الجيل لم يكن يعيش في بيئة اجتماعية تهيئه لأن يفهم نوعا خاصا من الأجناس الأدبية المكثفة كقصيدة النثر فهما عميقا، وفي الوقت نفسه كان الانفتاح الذي حصل في الشبكة العنكبوتية قد أدى إلى تسرب القصة والرواية العربية والمترجمة الممنوعة إلى القراء، وحصلوا عليها بشتى الوسائل، وواكب ذلك ظهور بعض المواقع والمنتديات الثقافية، مثل منتديي “طوى” و”جسد الثقافة”، وظهرت أعمال أدبية تلقت أصداء مهمة.

وأضاف أنه ظهرت في العقد الأول من الألفية الجديدة برامج للمسابقات الشعرية العربية (الفصحى والعامية)، وأسهم ذلك في عودة القصيدة الخليلية إلى النور بكثافة شديدة، وكانت هذه صدمة شديدة لأنصار قصيدة النثر، موضحا أن ما كانت تخبئه الأيام هو عودة القصيدة العمودية بجميع ملامحها “الفحولية”. وأشار إلى أن جيل الألفية تأثر بالربيع العربي بسبب الزخم الاعلامي والتحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة، وأدرك هذا الجيل بشكل مفاجئ أن بعض الأنظمة السياسية قائمة على رمال متحركة، وأن عوامل القوة التي نشؤوا عليها يمكن أن تتغير، وفي مواقع المنتديات الثقافية والفيسبوك أخذ كل مجموعة من المثقفين جانبا، غير أن التأثر بالصيحات والشعارات المتعلقة بالديمقراطية كانت هي الغالبة. وأوضح الأنصاري في معرض حديثه أن هذا الجيل لم يكن مسلحا بمعرفة حقيقية لواقع النظم السياسية في العالم، وفاته أن النظم السياسية الحالية غير أيديولوجية فقد انتهت الشيوعية في بلدان المشرق على أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي وظهرت على أنقاضها أحزاب دون هوية أيديولوجية نقية وواضحة، وكذلك كانت النظم الغربية التي ترفع لواء الحرية والليبرالية تعاني من أزمات أيديولوجية تتمثل في العلاقة غير المتوازنة بين الإنسان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

وقال الأستاذ الأنصاري أن جيل الألفية تعرض لأشد الموجات الإلحادية من نوعي الإلحاد النفسي والعلموي، بعد أجيال القرن الماضي التي تعرضت لموجة الإلحاد الشيوعي، وذلك من خلال المنتديات الثقافية وعبر برنامج “البالتوك” وبعض المواقع المعارضة التي كانت تتظاهر بأنها ليبرالية. وأضاف أنه وانطلقت مبادرات لتواجهها ببعض الكتب المترجمة في الغرب للرد على الملحدين، ونشأت بعض المراكز المهتمة بهذا الشأن مثل مركزي “دلائل” و”براهين”، موضحا أن ما يمكن أن نؤاخذ به هذه المحاولات هي أنها لم تواكبها محاولات لتأسيس نظريات تأصيلية، مثل تأسيس نظرية للمعرفة. وأنهى حديثه باستعراض التأثير الذي خلقته الدراما التركية على جيل الألفية مشيرا إلى الدراما التركية التاريخية العثمانية أوجدت أصداء لم يحققها أي مسلسل آخر في العالم العربي والإسلامي، وأن الدراما الخليجية والعربية التاريخية غير مواكبة، وتركت الساحة خالية للدراما التركية لتعبث بعقول الجيل وتنخر في انتماءاته القومية والوطنية وتشوه تصوره عن الإسلام وتاريخه.

وبدأت مداخلات الحضور بتعقيب من الدكتور توفيق السيف أشر فيه إلى أن الاهتمامات الثقافية تأتي نتيجة للتحولات السياسية، وأن علاقة الثقافة بالنهضة مفقودة في محيطنا حيث أنها لا تشجع على إعادة تكوين الذهنية، وطالب الأستاذ صالح العمير المثقفين بمواصلة الحضور الفعل في مختلف المنصات التواصلية. وعلق الأستاذ سامي الطلاق بالقول أن نظرية المعرفة لا تزال معطلة بسبب تضخم الذات لدى الكثيرين وخاصة الكتاب الذين لا يتقبلون النقد والقراءة الموضوعية لنتاجهم، واصفا ذلك بأنه “ذات باردة”.

وطرحت الأستاذة عقيلة الخنيزي تساؤلا حول تأثير فكر الصحوة على الأدب والشعر والدراما وعلى شخصية جيل الألفية، وعلق الأستاذ عبد الواحد اليحيائي إلى تأثر جيل الصحوة بثورة المعلومات وانتشار الفضائيات والهواتف النقالة، مشيرا إلى أن جدلية الحداثة أخذت حيزا كبيرا من النقاش والهم الثقافي في المجتمع السعودي، وموضحا أن أحداث 11 سبتمبر كانت من المفاصل المهمة في المشهد الثقافي المحلي حيث حصلت حوله تجاذبات كثيرة. وأوضح الدكتور مخلد الزيودي أن عام 1979م كان مفصليا في تاريخ الأمة العربية والإسلامية بسبب تعدد الاحداث السياسية الكبيرة التي جرت فيه، وانتج فيه فيلم “الرسالة”، موضحا أن الدراما العربية طوال 10 سنوات (1999-2010) عملت على نبش المسكوت عنه في التاريخ الإسلامي.

وفي نهاية اللقاء تحدث ضيف الشرف الدكتور عباس الخاطر موضحا أن المراجعة مهمة وتحتاج للأهلية والمنهجية والأدوات والهدفية، مشيرا إلى أن مجتمعاتنا فقيرة بالمراكز المتخصصة التي تقدم بحوثا حقيقية وتسد مناطق الفراغ عبر تقديم محتوى جيد ومعرفة حقيقية، وأثنى في كلمته على تجربة المنتدى واستمراره في تقديم المفيد للمجتمع.

 

التغطية الإعلامية

 

لمشاهدة كافة الصور اضغط هنا

 

لمشاهدة المحاضرة كاملة على اليوتيوب:

 

كلمة الفنانين المشاركين (مريم الشملاوي):

 

كلمة الكاتبة لين آل سيف (توقيع كتاب):

 

كلمة الأستاذ جاسم الأبيض (تكريم شخصيات):

 

كلمة الدكتور عباس الخاطر (ضيف الشرف):

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد