نحو علاقة سليمة بين العقل والجسد

4٬157

استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي الأستاذ أسعد النمر محاضرا حول العلاقة السليمة بين العقل والجسد، وذلك مساء الثلاثاء 22/ جمادى الأولى/ 1429هـ الموافق 27/ مايو/ 2008م، وقد أدار الندوة الأستاذ أمين التاروتي فعرف بداية بالمحاضر، وهو حاصل على الماجستير في علم النفس من جامعة الملك سعود بالرياض عام 1993م، يعمل مرشداً نفسياً في وحدة الخدمات الإرشادية بمدينة صفوى، نشر له العديد من المقالات والآراء المتخصصة المنشورة في الصحافة المحلية والمجلات، كمجلة الكلمة والواحة، كما نشرت له دراسة مقارنة حول الفروق بين الجنسين في العدوان في رسالة التربية وعلم النفس عام 2001م، والصادرة عن الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية، أصدر العديد من المؤلفات منها كتاب في سيكولوجية العدوان، في سبيل تنمية أفضل للذات، الجن في العقل الشعبي وتفسير الاضطراب النفسي، العقل والجسد: حينما يكون العقل وسيلة فعّالة لحياة أقل همّاً وأفضل صحة، وهو في جزأين تبنت جريدة الرياض طباعتهما ضمن سلسلة من المطبوعات.

بدأ الأستاذ أسعد حديثه بالأفكار التي تناولها في جزأي الكتاب مشيرا لأهميته ضمن موضوعات كثر تناولها في الدراسات الأكاديمية والأبحاث، ووضح أسباب عدم تطرقه لها من جانب فلسفي من باب تقريب المعرفة السيكولوجية التي أراد أن يصل من خلالها للعلاقة بين العقل والجسد من منظور سيكولوجي وفسيولوجي، وأشار في ذلك إلى الجدل الفلسفي القائم بين المدرستين المادية والمثالية في التعامل مع هذه العلاقة التي لا تزال قائمة دون الوصول لنتيجة تضبط الإشكالات الصحية المرتبطة بالإشكالات النفسية، الأمر الذي من شأنه اكتشاف المشاكل التي تخلفها الاضطرابات المزمنة، كمشاكل القرحة والقولون العصبي.

بعد ذلك، تحدث المحاضر عن جزئية تناوله لموضوع القلق في الكتاب، باعتبارها ظاهرة إنسانية محرضة على الكثير من النشاطات الجسدية كالحلم، والشعر، والإبداع، وفصل في ذلك بحديثه عن مراحل تدرج القلق عند الإنسان منذ نشوئه، إذ يبدأ بالتفكير في المستقبل، ليتطور لخوف من الواقع المعاش، ووضح أن التحكم في العلاقة بين الخوف والقلق مهمة الفص الأمامي في مخ الإنسان.

ثم انتقل المحاضر للحديث عن الجزء الثاني من كتابه، وهو أكثر تخصصا من الجزء الأول، وذكر انتقاله فيه من المعرفة السيكولوجية في جوانبها العامة إلى الحديث عن الجوانب الخاصة المرتبطة بالتكنيكات، كالعلاقة بين العقل والدماغ من الناحية الصحية؛ ممثلا لذلك بالقرحة الهضمية، ومشيرا للفلسفة الطبية التي تتعامل معها ماديا كجسد يخلص تناوله للوقوف على النواحي المادية المسببة، كالبكتيريا والفيروسات التي اكتشفت عام 1983م، وأتبع فلسفة الطب الجسدي بفلسفة الطب النفسي التي أوعزت ضعف مناعة الجسد في مقاومة هذه الجرثومة للضغوط النفسية، مشيرا – بأسف – لتجاهل المؤسسات الطبية في أغلبها لهذا الجانب النفسي، واقتصار تعاملها مع المريض كيميائيا أو جراحيا، وليس باعتبارها اضطرابات نفسجسمية تتأثر بالعامل الجسدي والاجتماعي والنفسي.

وعن نهاية الجزء الثاني من الكتاب، أشار الأستاذ النمر إلى تناوله كيفية التعامل مع هذه الاضطرابات من خلال تقنيات الاسترخاء عن طريق التنفس أو التخيل، ثم طرحه نموذجا للتحكم الذاتي عبر البرنامج الكامل الذي وضعه ليساعد الإنسان على التخلص من الضغوطات النفسية التي يتعرض لها.

بعد ذلك، بدأ الحضور بطرح أسئلتهم ومداخلاتهم، وتناولوا فيها مختلف جوانب الموضوع وأبعاده؛ كالربط بين السيكولوجية والسلوكي الصحي للإنسان، وفي ذلك أشار المحاضر لوجود علاقة قوية دلل عليها بقابلية البعض لبعض العادات السلبية نتيجة للحالة النفسية التي يعيشونها أو لقناعات سلوكية خاطئة نشؤوا عليها، وأشار إلى أن الانفصام بين وظائف العقل والجسد هو أحد أبرز الإشكالات القائمة في هذا الجانب، مؤكدا على أهمية تغيير القناعات الخاطئة عبر الثقافة التربوية في الأسرة، إضافة إلى تغيير بعض الرؤى الطبية الفلسفية التي ترسخ بعض الاعتقادات الخاطئة في العلاقة بين العقل والجسد، ثم التأسيس لأفكار قادرة على تعزيز هذه العلاقة إيجابيا.

وفصل الأستاذ أسعد جوابه عن الفرق بين الطب النفسي وعلم النفس التربوي إجابة على أحد الأسئلة التي وجهت له، متطرقا لما يستلزمه الطب النفسي من دراسة طبية متخصصة، وعن الفروع التي يشتمل عليها، كطب النفس العصبي، والفسيولوجي، والإكلينيكي، والصحي، ومشيرا إلى الهوة الواسعة بين هذا المجال وبين علم النفس التربوي القائم من أجل تنمية الثقافة النفسية، وأكد على أهمية تضافر الجهود بين المتخصصين في هذين المجالين لتضييق الهوة الحاصلة بينهما، ومعالجة المفاهيم النفسية الخاطئة.

وإذ سئل الضيف عن أبرز المشاكل القائمة في المجتمع في هذه العلاقة، أجاب بالإشارة إلى مسلمتين يراهما أساس قيام هذه المشاكل، وهم العلاقة الطردية بين تأثير ازدياد الضغوط المادية على ازدياد الضغوط النفسية، وتأثير انخفاض الأداء في التعاطي مع هذه الضغوط إثر ضعف المهارة فيه، وتحدث في ذلك عن العلاقة العكسية بين بطء التغيير المعرفي والسيكولوجي في ذهنية المجتمع، وسرعة التغيير الاجتماعي، الأمر الذي يخلق بونا شاسعا من شانه زيادة مساحة الهوة بين الواقع والمفروض.

وقد داخل أحد الحضور مع المحاضر، مستشكلا على غياب ثقافة تسمح بالتعاطي مع الطب النفسي بدرجة التعاطي مع الطب الجسدي، مشيرا لاعتراف الكثير من الناس بأمراضهم الجسدية مقابل إنكار أمراضهم النفسية، وأكد على أهمية بث الثقافة في ذلك بدء من البيت، وحاجة المدارس لوجود أطباء نفسيين يتابعون مشاكل الطلاب حال حصولها للحد من أثرها مستقبلا، وتمت مناقشة أسباب الكآبة عند الأطفال وإشاراتها.

وتساءل آخر عن الفيصل بين القلق المرضي والقلق الإبداعي، فعرف المحاضر الإبداع أولا، بأنه حالة تآزر وظائف العقل والمخ من أجل استحضار رؤية جديدة، وذكر أن القلق الإبداعي أو الصحي هو نتيجة استشعار مشكلة ما تستتبع البحث عن حلول إبداعية أو مستوحاة، وأن المبالغة في الاستجابة لهذا القلق بحيث يسيطر على تفكير الإنسان يحوله لحالة معاكسة تولد قلقا مرضيا.

التحكم في القلق كان هاجس أحد الحضور، فتساءل عن مهارات السيطرة عليه، فتحدث الأستاذ أسعد عن أثر الاسترخاء ورياضة اليوغا والتأمل، ودور بعض الفيتامينات والمعادن على الإنسان كمعدن الزنك وفيتامين ب فضلا عن التأثير الإيجابي لبعض الأعشاب على الأعصاب كالبابونج، والنعناع. وأشار بعض الحضور عن الأثر الروحي لذكر الله عز وجل في تهدئة القلب واطمئنانه إشارة إلى قوله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

الأستاذ حسن الشهري، المدير الإقليمي لجريدة الرياض في المنطقة الشرقية، ألقى كلمة سريعة تحدث فيها عن شرف تبني جريدة الرياض طباعة الكتاب، شاكرا منتدى الثلاثاء على دوره في دفع القضايا الثقافية.

و في ختام الندوة، شكر معرفها الضيف والحضور بعد الإشارة لكتاب العقل والجسد للأستاذ أسعد النمر ضمن زاوية كتاب الأسبوع، وكان سبق الندوة تداول الحضور بعض الأخبار الثقافية في المجتمع، فاستعرضوا نشاط مسابقة أفلام السعودية التي نظمتها جمعية الثقافة والفنون بالدمام ونادي المنطقة الشرقية الأدبي، وافتتحها وزير الثقافة والإعلام سعادة الدكتور إياد مدني، وفاز فيها بالجائزة الأولى فلم بقايا طعام لمجموعة (قطيف فريندز) التي استضافها منتدى الثلاثاء في إحدى أمسيات هذا الموسم، كما ذكر خبر الندوة التي أقامتها الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية في البحرين مؤخرا حول فعالية المساعدات في هذه المنظمات، وحضرها ممثلون من منظمات المجتمع المدني في العالم العربي، وممثلون عن المنظمات الدولية المانحة، ومسؤولون حكوميون، استمرت أربعة أيام.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد