ضمن اهتمام منتدى الثلاثاء الثقافي بفئة الشباب واشراكها في الحراك الثقافي والفكري وانضاج التجربة الشبابية من خلال خلق بيئة مناسبة للحوار النقدي الهادف، نظم المنتدى مساء الثلاثاء 7 جمادى الأول 1442هـ الموافق 22 ديسمبر 2020م ندوة حوارية شبابية تحت عنوان “الشباب بين العقل الجمعي والعقل النقدي”، تناولت عدة محاور من أبرزها: الشباب وحدود الالتزام بالقيم الدينية، والشباب بين الفردانية والجمعية، وبين حرية التفكير وقيود التبعية، ومدى الاستجابة للتوجيه الديني والاجتماعي، والشباب وبناء الشخصية الواعية المستقلة. وأكد مدير الندوة الأستاذ علي المطرود في افتتاحها بأنه أصبح وجود الشباب ودورهم بارزا ومهما في المرحلة الحالية، وانعكس على مشاركتهم في الحياة العامة، وقدرتهم على بلورة اتجاهات ثقافية وفكرية تتجاوز السياقات التقليدية وخاصة مع تطور وسائل التواصل وطنيا وعالميا والانفتاح على التحولات المستجدة. وعرف بالشباب المشاركين في الندوة وهم كل من: الأستاذ مجتبى ال عمير وهو كاتب مهتم بشؤون الفكر والمجتمع، والأستاذ علي المسكين وهو مهندس برمجيات في شركة (eBay)، والأستاذ رضا الحواج الحاصل على ماجستير في علم النفس.
في البداية، طرح الأستاذ رضا الحواج رأيه حول موضوع علاقة الفرد بالمجتمع بقوله أن الإنسان يعبش بين نزعتين؛ نزعة تقوده للفردية والأنانية ونزعة جماعية لوجود قضايا مشتركة مع الآخرين، حيث تختلف تصرفات الفرد عندما يكون بمفرده أو ضمن مجموعة مختلفة، وتختلف كذلك مدى كل نزعة عند تغير المحيط الاجتماعي وتماسكه وقوة تأثيره على الفرد، وأضاف أن الحالة الفردية تتعزز بصورة فاعلة عندما تتوفر لدى الفرد القدرة على امتلاك أدوات الفكر النقدي. وأضاف أن المجتمع يمتلك أدوات تأثير قوية على الأفراد من بينها القيم والأخلاق، وعند انتقال الفرد لبيئة اجتماعية مختلفة فإنه يشكل خليطا مختلفا من سلوكيات المجتمعين حيث ينتقل من تربية الرقابة (الهيلوكوبتر أو المروحية) إلى تربية الجرافة (البلدوزر).
وأضاف الحواج أن التفكير الجمعي يؤثر تلقائيا على الأفراد، حيث يشكل الانتماء للمجموعة والتفكير الجمعي حماية للفرد، مشيرا إلى أن هناك تخوف من انجراف الانسان نحو الفرد وحريته، موضحا أن هذا الارتباط الجمعي هو جزء من طبيعة الانسان وهي قضية معقدة لها إيجابياتها وسلبياتها. وأوضح أن من يحدث التغيير ليس الفرد وإنما هي الجماعة الفاعلة، مضيفا أننا نحمل رجل الدين مالا طاقة له به من حيث وضع جميع الإشكالات عليه، فهو انشان متخصص ولديه خبرات محدودة وينبغي أن يكون جزءا من منظومة فاعلة متكاملة تهدف للتغيير، وأشار إلى التطور الحاصل في دماغ الانسان ليعمل بشك أسرع وليس أفضل.
وقال الأستاذ علي المسكين أن مفهوم الفرد يقابل عادة مفهوم الجماعة، ويؤثر فيها نظرة للدين للفرد والجماعة وتأطيره للعلاقة بينهما، فمجتمعاتنا لديها خصوصيات مختلفة عن المجتمعات الغربية فالأسرة في الغرب متقوقعة مما يسبب شعورا بالوحدة لدى أفرادها. وأضاف أن نمط التفكير الجمعي العام لدينا يتسم بالمحافظة لأنه يتشكل من العادات والتقاليد بنيت على مدى عدة عقود، وأصبحت أدارة لتنظيم العلاقات الاجتماعية، موضحا أن الجيل الجديد متمرد بسبب أن التطورات الاجتماعية جاءت سريعة وخاصة في المراحل الأخيرة.
وأضاف المسكين أن نظام القرية كانت له عادات مختلفة عن نظام المدينة، مما سبب في إحداث تغير في منظومة القيم والأعراف وانعكس ذلك على السلوكيات الفردية والجماعية، ومن بينها طرق البناء كتباعد المسافات بين المنازل وارتفاع الأسوار، وكذلك في الملبس والمأكل وغيرها. وقال أن البناء المستقبلي ينبغي أن يركز على الاستثمار في بناء الانسان وعلى مدى طويل، موضحا أن تجربة الفرد محدودة حيث يكتسب من تجربة مجتمعه الكبيرة. وحول الخطاب الديني، قال بأنه متشعب بشكل كبير وهو محمل بأكثر مما يحتمل مع أن دوائر تأثيره محدودة، مما يستلزم انشغالا واسعا بحفظ التراث والموروث الشعبي والعمل على رد الشبهات حول بنية المجتمع.
وأوضح الأستاذ مجتبى آل عمير في مداخلته أن البناء الفكري للفرد يتشكل من خلال سعة الروافد الفكرية، وأن بناء المنظومات الفكرية يتشكل من خلال ارتباط بالجماعات، مضيفا أنه قد تتولد أفكار جديدة مختلفة عن العقل الجمعي السائد نتيجة احتكاك وتعرض أفراد لأفكار مختلفة عما هو سائد في المحيط الاجتماعي. وقال أن التأثير على الفرد في المجتمع الشبكي أصبح يتشكل من دوائر أوسع مما كان عليه في الماضي، والأفراد هم من يقومون بصناعة الأفكار، وقد يجتمع مجموعة أفراد عن بعد لخلق أفكار جديدة.
وبين أن الانتماء للجماعة لا يتعارض مع التفكير الفردي المستقل والنقدي، وأن الأفراد تكون لديهم القدرة للاستجابة للمتغيرات أكثر من الجماعة، موضحا أن الانطلاق الفكري لا يكون في القضايا المادية وانما الفكرية كقضايا صناعة وتغيير القيم وبلورتها، وهذه العملية تتأثر بالواقع السياسي ومدى توزع السلطة في المجتمع. وأوضح أن الانسياق مع الحالة الجمعية عادة ما يكون في المجالات الفكرية، مع أن الانتماء للجماعة يختلف عن أنماط التفكير، وأن التغيرات الاجتماعية تسبق تغير السلوكيات العامة بينما يكون الأفراد اكثر قدرة على الاستجابة والتأقلم مع المستجدات والتغيرات في المجتمع. وقال آل عمير أن هناك تغير وتحول في أنماط العلاقات الاجتماعية من الجماعة الجغرافية إلى الجماعة الشبكية. وأضاف أن الدين لا يزال يمثل ثقافة المنظومة التقليدية في المجتمع، وأن دور رجال الدين هو المحافظة على هذه المنظومة، ومن الضروري ادخال الخطاب الديني ضمن الثقافة العالمية حيث أن الشباب الجدد الذين تشكلوا شبكيا لم يعد يهمهم قضايا الرد على الشبهات كما كان الوضع سابقا.
وتحدث في الندوة مجموعة متداخلين تناولوا بعض محاور الندوة، فبين الأستاذ سلمان الحبيب أن العقل الجمعي قد يلغي حرية الفرد ويحوله لتابع ووارث لأفكار المجتمع ومانع للنهوض، ويتطلب من المثقف كي يكون فاعلا أن يكون مستقلا ومتواصلا مع محيطه وعقلانيا، وقال الأستاذ نادر البراهيم أن العقل الجمعي هو ناظم فكري وقيمي للمجتمع وليس شيئا سلبيا، مع أنه قد يشكل مزاجا ضاغطا على الفرد لأن عليهم الخضوع له، والفردية لا تعني الوحدة والانعزال، بل تعني الحرية الفردية للتفكير النقدي. وأضاف الدكتور علي الحمد في مداخلته أن المجتمع بدأ يعطي قيمة للفردانية والابتكار والابداع وكثيرون خاضوا معاناة مع دوائرهم الاجتماعية ليحققوا تطلعاتهم الفردية، والتحول نحو المجتمع الشبكي فرض قيما ونظرة جديدة في المجتمع وتشكلت الاختلافات البينية في المجتمع.
وتساءلت الأستاذة جنان العبد الجبار عن إمكانية الوصول لحالة عدم تأثر الأفراد بالعقل الجمعي وعما إذا كان ذلك هو الأفضل للأفراد والمجتمع، وطرح الأستاذ رياض العبادي رأيه بأن العلقة بين الفرد والمجتمع تبادلية وهي مؤثرة ومتأثرة في ذات الوقت وينبغي أن تكون القيم الإنسانية هي المحددة لهذه العلاقة. ونبه الدكتور علي سليس إلى ضرورة التفريق بين الفردية والانتماء للجماعة وكذلك بين التفكير الفردي والعقل الجمعي فهذه المفردات ليست مترادفة وكثيرا ما يحدث خلط، فالتفكير الفردي يعني التفكير المستقل ولا يتعارض مع الانتماء للمجتمع. وأضاف الأستاذ حسن عزيز بالقول أن أنماط شخصيات الأفراد تختلف من حيث تأثيرها وتأثرها بالحالة الجمعية، وأوضح الأستاذ حسين زين الدين أنه ليس من اللازم التطابق الكامل بين الفرد والمجتمع وينبغي أن تكون هناك مساحات مقبولة من الاختلاف في هذه العلاقة.
المحاضرة الكاملة: