طالب الأستاذ بكلية العلوم القانونية الاقتصادية بجامعة ابن زهر بالمغرب الدكتور محمد همام بضرورة الخروج من سجون التاريخ والمذهبية والانفتاح على مختلف مدارس التجديد بعقلية موضوعية فاحصة من أجل تشكيل خطاب نقدي فكري قادر على تحويل الدين إلى ذخيرة تنموية إنسانية بدلا من كونه مصدر إعاقة في المجتمعات المسلمة، جاء ذلك في ندوة فكرية نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي تحت عنوان “مدارس التجديد الفكرين بين المشرق والمغرب: نماذج وقضايا” وأدار الحوار فيها الاستاذ محمد الحمزة وذلك مساء الثلاثاء بتاريخ 30 ربيع الثاني ١٤٤٢هـ الموافق ١٥ ديسمبر 2٠٢٠م. وبدأ مدير الندوة بالحديث حول موضوع التجديد الديني وكونه يبقي الأسئلة مفتوحة ويوجه إلى بنية العقل وإعادة النظر في الموروث بهدف الوصول لمقاربات علمية لمواكبة العصر الحاضر.
وعرف المحاضر الدكتور محمد همام بأنه أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أيت ملول، جامعة ابن زهر بالمغرب، صدرت له عشرات الدراسات والأبحاث في الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية والحوار الثقافي والحضاري، وفي اللغة وقضايا المجتمع العربي الإسلامي، في مجلات ودوريات مغربية وعربية. ومن أبرز كتبه؛ “المنهج والاستدلال في الفكر الإسلامي، “الإسلام تنمية: من النقد إلى البناء”، “المسلمون في ظل العلمانية: واجبات المسلمين وحقوقهم في المجتمعات العلمانية”، “جدل الفلسفة العربية بين محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن”، “الفن المغربي جاذبا للاندماج الاجتماعي”، “مقاربة سوسيولوجية في النص الغنائي لمجموعة ناس الغيوان المغربية”.
بدأ المحاضر حديثه بالقول أن الحالة الدينية هي حالة عاطفية تلقائية ولا تتطلب استدلالات عقلية، والتجديد الديني يتعلق بالفكر وليس بالمنظومة الدينية، وأننا كمسلمين نعيش أزمة في الفكر ولا نمارس التجديد، كما أننا تجاوزنا سياقات التنازع بين المشرق والمغرب الذي كان سائدا في المرحلة السابقة. وبين أن السؤال الفكري برز في المغرب منذ الاستقلال وكذلك بعيد هزيمة 1967 وحرك أسئلة في عدة محاور أبرزها الدولة والثقافة والفكر والعلاقة مع التراث وكذلك العلاقة مع الحداثة والغرب، كما طرح سؤال الدولة في مقابل الأمة، والمواطنون مقابل الرعية، والحرية مقابل الطاعة، وعلاقة الدين بالسياسة.
وأضاف أنه ظهرت عدة مدارس فكرية أبرزها المدرسة الإصلاحية التقليدية التي شكلت المزاج العام للنماذج الفكرية الأخرى (علال الفاسي وعبد الله قنون)، ومدرسة الفلسفة الإسلامية والمنطق (طه عبد الرحمن)، والمدرسة التاريخية (عبد الله العروي) والمدرسة الأبستمولوجية (الجابري). وأوضح أن اطروحات العروي وطه والجابري تركزت على قضايا التاريخ والعقل والتراث والحداثة، وجاءت مؤلفاتهم كردود غير مباشرة على بعضهم البعض، ولعبت الصراعات السياسية في تهميش النقاش بين هؤلاء المفكرين، فبينما كان العروي والجابري قريبين من العمل السياسي ظل طه عبد الرحمن بعيدا وغير مقبولا داخل اغلب التيارات الإسلامية.
وانتقل متحدثا حول تونس موضحا أنه برز تفاعل بين المدرسة الإصلاحية في المغرب وتجربة بن عاشور في تونس، حيث ظهرت بعض اللمحات الفكرية لكنها اقحمت في الرهانات الحركية والسياسية، على الرغم من تفاعلها الواضح مع العروي وطه والجابري برهانات ليست فكرية. وأضاف أنه بسبب موقفه من الحركات الدينية، فقد تم ضرب حصار حركي وتنظيمي على المفكر مالك بن نبي في الجزائر، واجهضت تجربته بسبب ذلك، وفي مصر جرت محاكمات فكرية واعتراضات على عبد الوهاب المسيري ومحمد أبو القاسم حاج حمد (السودان) وتحولت بذلك لمقبرة لأبرز المفكرين على الرغم من غزارة الإنتاج وذلك بسبب الصراعات السياسية مما أدى إلى تحول هؤلاء المفكرين إلى جزر معزولة، وأضاف بأنه تم تحويل محمد عمارة من أداة فكرية منتجة إلى أداة دفاعية عن الحدود الفكرية.
وأضاف أنه في لبنان ظهر فكر نقدي اتسم بالجرأة والشجاعة في لبنان من قبل الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله، وكان هناك تفاعل كبير في الشام مع فكر الجابري الذي نوقش وكتب عنه كثيرا. وفي العراق برزت كتابات السيد محمد باقر الصدر خارج المنظومة الفكرية الدينية وكذلك طه جابر العلواني وعبد الجبار الرفاعي. وبين أن مجلة “قضايا إسلامية معاصرة” أسهمت وبشكل كبير في كسر الهواجس والحواجز بين المفكرين السنة والشيعة وعرفت بالجهد الاصلاحي الكبير للعديد من المفكرين الإيرانيين أمثال عبد الكريم سروش وحسن نصر ومحمد مجتهد شبستري ومصطفى ملكيان، موضحا أن هذه الجهود قدمت جرعة نقدية كبيرة خارج سجون التاريخ والمذهبية التي نشأت وتكونت في ظل سياقات سابقة لسنا مسئولين عنها، فنحن مسئولون عن حالة فكرية جديدة ومستقبلية خارج أي تصنيفات.
وأكد أننا نحتاج لميثاق فكري يقوم على أساس انقاذ الإنسانية للدين وارواء الظمأ الأنطولوجي، واستخراج معان وتصورات جديدة من أجل بناء فضاء عمومي فكري يتاح فيه نقاش حر ونزيه يقبل التنوع، وخلق حركة فكرية مفيدة للإنسان، والابتعاد عن الاجتزاء والاختزال، والنظر الى العمق النقدي لدى كل مفكر وباحث، لنبني أطروحة نقدية متكاملة، مؤكدا على أنه لدينا مقومات بناء خطاب نقدي فكري لتحويل الدين إلى ذخيرة إنسانية للتنمية ولإيجاد حلول حقيقية في مختلف الحقول والمناطق من خلال بناء مدرسة نقدية لئلا يتحول الخطاب النقدي المعاصر لمشكلة كما هو الحال في كثير من المجتمعات.
وأستعرض في ختام محاضرته قراءات لأبرز المفكرين، موضحا أن الجابري يرى بأن التجديد في بناء الرؤية والمنهج والمفاهيم لا يمكن أن يتم إلا إذا كان هناك وعي في رحلة الإنسان والعلوم التي توفرها، كما يرى سروش أن النص أو الشريعة تنبسط وتنقبض حسب منتوج العلوم الإنسانية والاجتماعية. وأضاف أن طه أبدع في نقاش هذه المفاهيم وتحليل الخطابات مؤكدا على ضرورة تجديد المعارف والأدوات التي نشتغل بها والانصات الحقيقي للواقع وليس للماضي، وأوضح أن تفكير المثقف المناضل لدى شريعتي حد من أن يعطي أفضل ما عنده حيث يمثل السياق الذي نشأ فيه المثقف العضوي بدلا من الباحث المطلع بسبب الحاضنة الاجتماعية له. وقال أن العروي كان يدعو للقطيعة مع التراث باعتقاده أنه لا يمكن أن ننتج ونعيش العصر ونحن نغوص في الماضي، ولكنه انتبه لضرورة العودة للتراث وتجاوز مفهوم القطيعة معه، وبين على أن هناك العديد من عناصر الاشتراك بين مفكري المغرب والمشرق كوجود النزعة النقدية والتحرر الذاتي في البحث، مؤكدا على ضرورة ضمان حماية المفكرين من خلال إيجاد حالة جديدة على مستوى التربية والتعليم، وخلق حالة من التواصل بين العلوم الاجتماعية والعلوم الدينية والمزج بين هذه الخطوط، مشيرا إلى أن ما أنتجه المختصون من خارج المدرسة الدينية أثرى الدراسات الدينية من منظور علمي.
وفي فقرة المداخلات، تساءل الأستاذ صالح الشايع عما إذا كانت حركة الإصلاح تقبل فكرة التجديد الديني بشموليتها وجذريتها، كما طرح الأستاذ أحمد الخميس اشكالا حول أسباب انكفاء المشاريع النهضوية وانكفائها سريعا نتيجة للانغلاق الفكري والنكوص الأصولي. وعلق الأستاذ سلمان الحبيب بقوله أن المثقف لا ينبغي أن يكون متسارعا أو ممارسا للوصاية، بل ينطلق بدافع عقلاني ومن حاجة حقيقية واقعية وليس نقلا لحالة غريبة، مشيرا إلى أهمية الالتفات للبعد الوجداني، وضرورة التحرر من التراث والخرافة وسلطة النص التاريخي مما يحقق التجديد الفكري.
المحاضرة الكاملة: