الأستاذة ثريا العريض
سمعت لأول مرة عن ”منتدى الثلاثاء الثقافي“ من مؤسسه شخصيا، حين التقيت بالأخ الأستاذ جعفر الشايب في أحد اجتماعات قمة الإعلام العربي التي تقام في دبي، حيث يدعى ويجتمع كل المثقفين ممن لهم اهتمام نشط بفعاليات الإعلام والثقافة والتوعية في المنطقة العربية.
أسعدني ما سمعته وقتها من الأستاذ جعفر حول ما وصل إليه في مشروعه الطموح ساعيا إلى إثراء واستدامة نشاط التوعية الثقافية في المنطقة الشرقية، وربطه بما يستجد في محيطنا الأوسع في المملكة العربية السعودية وإطارها الخليجي والعربي.
تابعت بعدها نشاطات المنتدى وتوسع فعالياته، معجبة بانتظامها وحيويتها وتنامي زخمها على مدى سنوات من الجهود الكبيرة والالتزام بالهدف، لتشمل الندوات الجادة الجاذبة واستضافة الرموز الثقافية والعلمية والفنية من المتخصصين والمتخصصات لتقديم تجربتهم الثرية ومستجدات تخصصهم والحوار مع حضور المنتدى حول تفاصيلها.
ثمنت الرؤية الشمولية للفريق القائم على المنتدى واستقطابه لأبناء وبنات الوطن الرائدين والرائدات المنجزين والموهوبين والموهوبات، ليكونوا في عطاءاتهم ليس فقط مصدرا ومنهلا للعلم والثقافة، بل أيضا ليقدموا قدوة نخبوية إيجابية للمجتمع العام، وفي ممارسة فتح بوابة التواصل بين شتى فئات المجتمع وطبقاته الثقافية والفكرية واهتماماته المهنية، بل وإشراع شرفات التجديد ومواكبة التقدم والتطور. ظل المنتدى يحقق رسالته التي وضعها لنفسه منذ البداية.
إن منتدى الثلاثاء الثقافي في المنطقة الشرقية ما زال يحتفي بالمميزين ثقافياً من شتى مناطق الوطن في مجالات متعدِّدة تشمل العطاء الفكري والأدبي والتطوعي والمجتمعي والفن التشكيلي، في برنامج حافل يشمل إلى جانب الندوات الأدبية والعلمية والأمسيات الشعرية معارض فنية من لوحات ومجسمات. وبذلك أمست لقاءات المنتدى شرفة تشرع الرؤية والمعرفة والتعارف بين مرتاديه والنخبة المحتفى بهم.
لن أقول إن المنتدى هو البدء في مد الحراك الثقافي، لا في المنطقة ولا في الوطن؛ فالمنطقة الشرقية معروفة بثراء مجالسها، ورقي اهتمامات علمائها، ومتابعتهم للجديد المثمر، والتمسك بالأصيل والمتجذر في عراقة الهوية، ولكن المنتدى يتميز بأنه استطاع منذ أنشئ قبل عشرين عاما أن يحقق التوازن والنمو المطلوب لاستدامة العطاء والإثراء.
لقد ابتدأ المنتدى في مرحلة جزر ثقافي، ونجح في تحلية المياه الثقافية وانتشالها من تزايد الملوحة والجدب. فبين الثمانينات الميلادية واليوم أربعون عاما مرت فيها البلاد والمجتمع بظروف تفاوتت من الانفتاح والانغلاق وتقبل الآخر، ومع هذا حقق المنتدى دورا في غاية الأهمية من حيث تمسكه على أرض الواقع بقيم الثقافة البناءة وتطبيقها بتقديم ذوي الأفكار التجديدية، وإتاحة مساحة إيجابية لتمكين كل الطاقات والقدرات، والترحيب بالمواهب الأدبية والعلمية والفنية.
لعلي أقول إن المنتدى قام بدور صمام أمان فكري مطلوب حين لم يسمح لتيار الانغلاق ورفض التجديد أن يخنق القدرات الحيوية المطلوبة للنمو الفكري. وقد بشر بهذا الإصرار بالحركة الثقافية الشمولية التي أعلنتها لاحقا الرؤية التحولية حين توضحت رسميا قبل خمس سنوات. وقد أسهم الإعلان عنها في فتح آفاق جديدة وواسعة وشاملة للعمل الثقافي بشكل عام، وهيأ ذلك فرصا كثيرة أمام أبناء وبنات الوطن من الشباب للانطلاق نحو مجالات عديدة من الأنشطة الثقافية التي كانت في السابق مغلقة وغير متوفرة. ونتطلع إلى تفعيل هذه المنابر والمراكز الثقافية كي تستوعب طاقات وكفاءات أبناءنا الشباب وتوفر لهم بيئات عطاء وإبداع يتمكنون من خلالها تمثيل وإبراز ما خفي من كنوز وثروات الثقافة وتنوعها في وطننا الغالي.
أبارك لمنتدى الثلاثاء الثقافي احتفاله بالعيد العشرين لمولده.. وأتنبأ له باستمرارية التألق والإثراء والبناء، وأن يتمكن من مواكبة كل هذه التحولات الثقافية والاجتماعية بكل جدية وثقة وإبداع كما عهدناه دائما.