الأستاذة ليلى الفرج
يُعّدُّ الفعل التنويري ركيزة أولى لإحداث أي نهضة فكرية ومعرفية في ثقافة أي مجتمع من المجتمعات، ولا يمكن أن تلد الثقافة دون تجليات الفعل التنويري.
وعبر دينامية المجتمعات الفاعلة، تتقدم الحاجة لاستيلاد الفعل الثقافي الرصين الذي ينطلق من أسس وبنى، شيدتها تراكمية الفعل الثقافي عبر حركة ازدهار ونمو تأثيري في ثقافة البلدان.
وضمن أفق السطوع الثقافي في حياة المجتمع، تتجلى أدوات التأثير والانتشار لكل فعل ثقافي، يمتلك القدرة على توسيع دوائر التأثير الثقافي نفسه مجتمعيا وإنسانيا.
ولعلّ ظاهرة ثقافية باتت لا تخفى على أبناء هذا العصر الرقمي، هي ظاهرة المنتديات الثقافية التي قبل دخول الإنترنت كفضاء افتراضي، كانت مكانا رحيبا لخطاب التنوير والتبادل المعرفي الذي تجاوز العنوان النخبوي وراح ينتشر في الأوساط الشعبية، نتيجة تنامي صور الفعل الثقافي وتشكل مفاهيم القراءة العامة، من خلال المكتبات العامة والمراكز الثقافية، إضافة إلى الدور الأكبر للشاشة الفضية التي شكّلت منظومة واسعة التأثير على الفرد والعائلة والمجتمع.
وفي المدن الرئيسة في السعودية، حفلت فترات مبكرة بظهور مفهوم المنتديات أو الملتقيات الثقافية، التي صارت اسما بديلا لعنوان كان أكثر تعاطيا ثقافيا وإعلاميا، وهو عنوان الصالون الثقافي أو الأدبي أو الفني ونحو ذلك.
وضمن هذه النقلات النوعية التي تتزامن مع نمو اقتصادي وثقافي وديموغرافي، كانت بداية منتدى الثلاثاء الثقافي في محافظة القطيف متزامنة مع بداية الألفية الثانية، عبر برامج منبرية تنوعت بين الندوة والمحاضرة، من خلال استضافات لمجموعة واسعة من الكفاءات الوطنية الذي يتوزعون بين الشخصيات الأكاديمية اللامعة، وبين المفكرين والكتاب الذين يرتبطون بالفعل الثقافي وبالثقافة كأساس تنموي متين في وعيهم وحياتهم.
ومنذ العام الأول، كانت محافظة القطيف مشهدا محلّقا للفعل الثقافي الذي يصنعه منتدى الثلاثاء الثقافي، ما أعطى زخما حيويا تنوعت صوره بين حقول الفكر والثقافة والأدب، وكانت الروح الوطنية بوصلة، شكّلت معالم هذا الفعل الرحيب الذي تزايد مريدوه يوما بعد يوم، وكانت مناطق السعودية عبر أعلامها وشخصياتها وكفاءاتها في العلم والمعرفة والاقتصاد والتنمية والفكر والثقافة، تتفاعل مع هذا المنتدى السابح على مياه الخليج العربي من بلادنا.
صارت للمنتدى هيئة استشارية من الشخصيات الفكرية والثقافية والإعلامية في المنطقة والسعودية، وخلال ما يقارب العقدين من الزمن، راح المنتدى نفسه يكسب سمعة وثقة كثير من النخب وكثير من الوسط الشعبي، وشارك في المناسبات الوطنية مثل اليوم الوطني والبرامج المتنوعة التي كانت تقيمها جمعية الثقافة والفنون فرع الدمام، وغير ذلك من المتابعات لمعارض الكتاب الدولي في الرياض والمهرجانات الوطنية التي تقيمها بعض الجهات الرسمية ذات العلاقة بالفعل الثقافي الأدبي أو المسرحي أو الفني.
خلال هذه المدة الزمنية، أصدر منتدى الثلاثاء مجموعة من الإصدارات الثقافية، تتصدرها سلسلة من أعلام الوطن التي توثق حياة ثماني عشرة شخصية علمية وأكاديمية أدبية وتاريخية وشعرية، مثل شاعر الخليج خالد الفرج، وعلي المرهون وعبدالرحمن الوائلي، وسيد عدنان العوامي، وفؤاد السنّي.
ولأن مؤسس وصاحب المنتدى شخصية لامعة يمثلها المهندس جعفر الشايب، الكاتب السعودي المعروف الذي يحظى بعلاقات وطنية واسعة، فإن جدول أعمال البرامج التي تشهدها المواسم الثقافية للمنتدى نفسه، تتميز باستضافة قامات فكرية وعلمية وأدبية وفنية ملهِمة.
وفي زمن الجائحة الصحية الحالية، يستمر برنامج منتدى الثلاثاء الثقافي عبر منصات الإنترنت، ويحظى بمتابعة وتفاعل كبير، لأهمية الموضوعات التي يتم مناقشتها ولتميز الشخصيات الوطنية التي تشارك في استضافات المنتدى.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن من باب التذكير طرح مقترح استضافة لأحد شخصيات مركز قياس التابع لهيئة تقويم التدريب والتعليم، لما في مثل هذه الاستضافة حاجة كبيرة لدى كثير من الأهالي ولا سيما فيما يرتبط باختبار القدرات والاختبار التحصيلي الذي صارت الحاجة لمعرفة تفاصيله من أحد أعضاء الجهة القائمة على برامجه، محلّ سؤال الكثيرين.
إن الفعل التنويري هو فعل لا يعرف السكون ولذلك تجد حركته دائبة، وهو واقع منتدى الثلاثاء، فإنه أحد أوعية العلم والمعرفة والفكر والتنوير، وكلّ وعاء يضيق بما فيه، إلاّ وعاء العلم، فإنه يصير أكثر اتساعا.