بمناسبة اليوم العالمي للقصة ” 14 فبراير”، واهتماماً بازدهار النتاج القصصي بالمملكة، شهد منتدى الثلاثاء الثقافي في ندوته هذا الأسبوع قراءة في تجربة القصة المحلية تحت عنوان “القصة السعودية وتطورها.. قراءة في التجربة والأشكال” وذلك مساء الثلاثاء 7 جمادى الثاني 1440هـ الموافق 12 فبراير 2019م، باستضافة الناقد الأدبي الأستاذ يوسف شغري فيما مثل القراءة السردية كل من الأستاذين هشام الزاهر وموسى الثنيان، وأدار اللقاء القاص الأستاذ زكريا العباد.
وضمن الفعاليات التي سبقت الندوة، شاهد الحضور فيلماً تثقيفياً قصيراً حول المواطنة والمسئولية الاجتماعية، كما تم تكريم فريق السيدة خديجة (ع) التطوعي والذي يهتم بتنظيم توزيع القطع والأجهزة المستخدمة لصالح المحتاجين حيث تحدثت الأستاذة نوار بو خمسين العضو المؤسس عن تجربة الفريق في تطوير الفكرة عبر إقامة معارض وأسواق خيرية. كما شملت الفعاليات إقامة المعرض التشكيلي للفنانة حميدة أبو تاكي للأسبوع الثاني، وتحدثت عن تجربتها الفنية وأهمية تعزيز مادة التربية الفنية المدرسية وكذلك انشاء أكاديمية للفن التشكيلي، وقد حل الأستاذ زكي أبو السعود الشخصية الثقافية والوطنية كضيف شرف لهذه الأمسية والذي شرف جميع المشاركين بتسليمهم دروع المنتدى التقديرية.
افتتح اللقاء الأستاذ زكريا العباد بالإشارة إلى تجذر علاقة الانسان بالسرد كجزء من كينونته وأن الحكاية غريزة تنطلق من رغبة الانسان في التعبير عن الأحداث وتفسيرها، وهي من أبرز سمات العقل البشري التي تحافظ على الهوية والأفكار، كما عرف بالمحاضر الأستاذ يوسف إسماعيل شغري، الشاعر والناقد الأدبي السوري، درس الأدب الانجليزي وكتب باللغتين الانجليزية والعربية وأقام دورات في الفن التشكيلي، وله عدد من الدراسات النقدية ومجموعات شعرية منها “تميمة الرماد” ومجموعات مترجمة منها “Light Sneaks “. كما عرف القاصين المشاركين في الأمسية وهما الأستاذ موسى آل ثنيان خريج كلية الآداب، والحائز على المركز الأول بالإمارات على نصه الشهير “بقايا طعام” وله مجموعة قصصية بعنوان “قيامة الورق”، وكذلك الأستاذ هشام الزاهر الحاصل على بكالوريوس “علم الحيوان” ويعمل موظفاً ببلدية القطيف، والحائز على عدة جوائز أدبية خليجية وعربية.
في بداية الورقة تحدث الأستاذ يوسف شغري حول إلى بدايات كتابة القصة القصيرة بالقول أن الانطلاقة الناجزة كانت بداية الثلاثينات الميلادية، وأول النشر الصحفي كان عام 1946م بقصة أحمد العطار “اريد أن أرى الله”، وفي عام 1979م وصل عدد المجموعات القصصية المنشورة إلى 35 مجموعة، أما اليوم فقد تعدت 2000 مجموعة منشورة وبعضها تضاهي مثيلاتها في الدول العربية الأخرى التي سبقتها في هذا المجال وربما تميزت عنها. وأضاف أن ذلك يعود إلى دور الصحافة والأمسيات القصصية والأندية الأدبية التي شغل رئاستَها عددٌ من كتاب القصة المعروفين كخليل الفزيع ومحمد الشقحاء وجبير المليحان وغيرهم، وأشار الناقد شغري إلى ما شهدته كتابة القصة القصيرة من تراجع في عدد الكتّاب بعد حرب الخليج الثانية. فلم يستمر بكتابة القصة سوى 29 كاتبا من أصل 51 كاتبا و12 كاتبة من أصل 45 كاتبة، واصفاً الحالة “بالفن المظلوم”.
بعد ذلك تطرق الأستاذ شغري إلى تطور أساليب الكتابة في القصة القصيرة السعودية التي صارت تنافس مثيلاتها في الدول العربية بحيث غدت جزءاً هاماً من الإنتاج الأدبي العربي، مضيفاً أن الاتجاهات الفنية في الكتابة تضمنت السرد والتقريرية و(التفتيت والمفارقة والإيحاء والرمزية) ضمن الاتجاهات التجريبية الحديثة. وأوضح أسلوب “السرد” بأنه تتابع الحدث القصصي والاحداث وفق الكتابة التقليدية وتمثلها مجموعات غالب أبو الفرج وابراهيم الحميدان ونجوى مؤمنة التي ركزت على قضايا الطلاق ومشاكل المرأة، و”التقريرية” مثلت الاتجاه المباشر في الفكرة وتنفيذ النص ومن كتابها المعروفين عبد الله الجفري وسعد الدوسري ومحمد علوان وخليل الفزيع وعلوي الصافي ومحمد منصور الشقحاء وشريفة الشملان وعبد العزيز مشري وعبد العزيز الصقعبي وغيرهم. وضمن الاتجاه التجريبي الحديث في كتابة القصة القصيرة السعودية هناك “التفتيت” باستخدام أدوات الترقيم والتخفيف من أدوات الربط وحصر العبارة، ومنها كتابات الجفري وعلوان ولطيفة السالم وخيرية السقاف وخالد اليوسف وعبد العزيز مشري والحازمي وجار الله الحميد والعتيق وآخرون، أما “المفارقة” فهي تعابير تحمل المعنى ونقيضه للتعبير عن الحيرة والتردد ومن اشهر كتابها العتيق وناصر العديلي وغيرهم.
واستطرد المحاضر بأن بعض الكتّاب استخدم أسلوب “الإيحاء” وهو تلميح من خلال الكثافة والضبابية والغموض بين التفتيت والرمز وإيحاءات تركيب الصور. وهنا يستعير الكتاب تقنيات وفنيات الشعر وعلى الخصوص قصيدة النثر، ومن أشهر كتاب هذا الجانب جار الله الحميد في مجموعته ” أحزان عشبة البحر “، وعبد الله العتيق” في ” اكذوبة الصمت” ورقية الشبيب في “حلم – حزن رمادي ” وغيرهم، أما “الرمزية” التي تعتمد على التراث الاسطوري والشعبي واستحضار الشخصيات الأدبية والعلمية والدينية، حيث تكاثر الرمز التراثي في القصة السعودية فاستوحى بعض الكتاب من النص القرآني والحديث الشريف إضافة إلى النبع الشعوري الداخلي مثل مجموعة عبد الله بافازي ” الزمردة الخضراء” وتركي السديري في ” حادي بادي” حيث استوحى الشخصيات التراثية مثل طاغور وأديسون. ومن أشهر من وظف التراث المحلي عبد العزيز مشري في مجموعة “الحزن والنهر” موضحاً أن الاقتراب من عالم الشعر في كتابة القصة القصيرة وهو اتجاه عام لتداخل الأنواع الأدبية.
واختتم الناقد شغري ورقته بالحديث عن بروز “القصة القصيرة جداً” كنتيجة لتجريب الاتجاهات الحديثة في كتابة القصة القصيرة تأثراً بقصيدة النثر الأوسع انتشار في الأدب العربي الحديث التي بدأت موجتها في السبعينات، فاعتبرت نقلة مميزة في كتابة القصة تشير إلى تحول جمالي لافت بعد كتابة تقليدية لأكثر من ثلاثة عقود، لافتاً إلى أن عبد العزيز الصقعبي أول من أصدر مجموعة من هذا النوع “فراغات” مضيفاً أن القصة القصيرة جداً تمتاز بالبلاغة في الإيجاز، وتحوي كافة الاتجاهات الحديثة المستعارة، وأن السبّاق لنشر هذا النوع الأدبي الأستاذ جبير المليحان حيث نشر 15 نصاً في ملحق المربد عام 1976م، وأول مجموعة صدرت عام 1992م لعبد العزيز الصقعبي ثم تركي السديري.
بعد محاضرة الأستاذ شغري، ألقى القاص موسى الثنيان ورقتين من انتاجه السردي وكان السرد الأول لنص “الفزاعة” حيث ابدع في أنسنة فزاعة حقل الفلاح لتحكي وضعها وظروف معاناتها، وفي النص الثاني بعنوان “أحجية المطر” تحكي مشاعر أم فقدت ابنها شهيداً. ثم ارتقى المنصة القاص هشام الزاهر فقدم سرديته الأولى بعنوان “انعتاق” وتحكي أثر عدم نظافة الجسد لعامل بسيط على ترحيب المجتمع به، والنص الآخر بعنوان “حياة مؤجلة” حيث أبدع في وصف المعاناة النفسية لفتاة غامرت بحياتها في علاقة غير مشروعة، وقد نالت القراءات السردية للثنيان والزاهر اعجاب وتفاعل الحضور.
وفي جولة المداخلات تحدث الأستاذ علوي الخباز مشيداً بشخصية المرحوم عبد العزيز مشري الأدبية، مبدئيا أسفه أن الاعلام وكذلك الوسط الأدبي لم يسلط الضوء على نتاجه وشخصيته إلاً بعد رحيله، وأشار الأستاذ علي الحرز إلى تراتبية وجود النص ثم فنيات النص، وتطرق إلى لشخصية بديع الزمان الهمداني كرائد القصة العربية وفق بعض الكتاب. الناقد الأدبي عبد الله الوصالي عقب على وصف المحاضر للقصة القصيرة بأنها “الفن المظلوم” معللاً بالقول أنها لم تعد مدهشة وفقدت امتاع القارئ، كما انتقد ظاهرة عدم وضوح مفهوم القصة القصيرة واختلاطه بمفهوم النثر، وأبدى عتبه لإغفال المحاضر ذكر أسماء كبيرة كانت سباقة في القصة القصيرة.
الأستاذة منال الخليفة أشارت إلى أن القصة قديماً كتبت للعبرة في حين تكتب حالياً باعتبارها فناً سردياً داعية لعدم الخلط بينها وبين النثر، أما القاص الأستاذ عبد الله العبد المحسن فأشاد بسرديات الزاهر والثنيان واصفاً إياها بأنها تجربة واعدة مبدياً اعجابه لنص “الفزاعة” كما أشاد بكتابات عبد العزيز مشري مؤكداً أنها من أساسيات السرد في الأدب السعودي، ومن جهة أخرى رأى بأن القصة القصيرة ليس لها نضوج فني حتى الآن، وفي آخر المداخلات أشاد الشاعر السيد عدنان العوامي بموضوع وفقرات الندوة، وأبدى رأيه بعدم تحويل المداخلات إلى نقاش مع المحاضر بطريقة تخرج الحديث عن أصل الموضوع.
في نهاية اللقاء تحدث ضيف شرف الأمسية الأستاذ زكي أبو السعود معبراً عن إشادته بمستوى البحث والسرديات التي تناولتها الندوة، كما أثنى على جهود إدارة المنتدى في استمرارية العمل الثقافي، مؤكداً على أهمية منهجية حرية المحاضر في الحديث وكذلك الانفتاح على مختلف التوجهات الفكرية والثقافية، وقال إن وجود منتديات ثقافية ناجحة يؤهلها لأن تتحول كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني تحتضن وتنمي العمل الثقافي في مختلف اتجاهاته.
التقرير على اليويتوب:
المحاضرة الكاملة:
كلمة الأستاذة نوار بو خمسين (فريق السيدة خديجة “ع”):
كلمة الفنانة حميدة أبو تاكي:
كلمة ضيف الشرف الأستاذ زكي أبو السعود: