تفاعلاً مع أبرز اهتمامات الأسرة اليوم المتطلعة لإيجاد وعي جديد تجاه إدارة المال، ناقش منتدى الثلاثاء الثقافي موضوع “التخطيط المالي الأسري في ظل التحولات الاقتصادية الراهنة” بمعية الدكتور ماهر السيف، وذلك مساء الاثنين 5 صفر 1440هـ الموافق 15 اكتوبر 2018 وسط حضور متنوع، وفعاليات ثقافية متعددة.
وصاحب الندوة عدة فعاليات، شملت تكريم الأستاذ ضياء آل درويش مدير مختبر المكافحة الحيوية بمحافظة القطيف، وذلك نظير ما قدمه في مجال الأبحاث المتعلقة برعاية النخيل ودراسات مكافحة آفات النخيل. وصاحب الندوة أيضاً فعالية المعرض التشكيلي للفنانة سلمى الشيخ رئيسة لجنة الفنون والخط العربي بجمعية الثقافة والفنون بالأحساء، التي تشارك للأسبوع الثاني بلوحات فنية متميزة تحكي البيئة المحلية، كما تم عرض فيلم قصير معرفاً بمنطقة نجران، إضافة إلى عرض كتاب الأسبوع “العقل السياسي الاسلامي”. وقد حل المهندس شاكر آل نوح كضيف شرف في هذه الأمسية،
وهو المعروف بنشاطه في تقديم الدراسات والاستشارات التي ساهمت في تطوير المنطقة من خلال عمله بأمانة المنطقة الشرقية، كما عرف عنه دعمه للمبادرات الاجتماعية الثقافية والرياضية، ودوره في تعزيز التواصل الوطني، وقد شرف جميع المشاركين في هذه الندوة بتسليمهم دروع المنتدى.
وأدار اللقاء الأستاذ أمين الصفار عضو إدارة المنتدى، مفتتحاَ الندوة بالإشارة إلى أهمية بحث موضوع الندوة وخاصة في ظل الأوضاع الإقتصادية الراهنة، ومعرفا بالدكتور ماهر محمد السيف المستشار الاقتصادي والمالي، والمتحدث السابق باسم الوسيط الدولي للأسهم الأمريكية، ورئيس سابق للمنطقة 23 للتوستماسترز. استهل المحاضر ورقته بالإشارة إلى حقيقة تأثير التجاذبات الاقتصادية العالمية على أوضاع مختلف دول العالم ومنها منطقة الخليج العربي، مرجحاً أن بعض أزمات الوضع الاقتصادي اليوم في مجال النفط والعملات إلى جانب سوق الأسهم العالمية والمحلية، قد تأخذ تأثيرا سلبياً على الوضع المعيشي في أبعاد مختلفة.
من هنا دعا الدكتور السيف في محاضرته الأسر لتغيير نظرتها وتطوير إدارتها في الدخل والصرف المالي، فكما أن الدول في كثير من دول العالم أصبحت تخطط لاقتصاداتها الحالية والمستقبلية على ضوء هذه المتغيرات، فحري بالمجتمعات على صعيد الأفراد والأسر أن تؤسس لوعي جديد ونمط مختلف لإدارة شئونها المالية بما يمكنها من مواجهة أي تقلبات غير مريحة في المستقبل. وأوضح في هذا السياق للتفريق بين مفهوم السياسة المالية والتي تعني التخطيط لإيجاد مصادر الدخل وتحدي موارد الصرف على مستوى الأسرة، ومفهوم السياسة النقدية والتي يقصد بها إدارة الصرف وتقنينه حسب الأولويات والاحتياجات الحقيقية لأفراد الأسرة، لافتاً إلى أن الكثير قد يعي هذين المفهومين ولكنهم يفشلون في التطبيق الفعلي والواقعي، موجهاً أرباب الأسر في هذا الصدد أن يتحلوا بصفات القيادة والحكمة في إدارة المال. وأكد على أن بعض الأسر افتقرت مادياً لعدم حكمتها وسوء تصرفها في إدارة الدخل الأسري، وليس لعدم توفر المال.
بعد ذلك، تحدث الدكتور السيف حول التخطيط المالي والذي يعني الموازنة بين الايرادات والمصروفات، مؤكداً على أن كثيرا من الأسر يخلط بين الحاجات والرغبات، وأن الانسياق خلف الرغبات في ظل هذه الظروف الاقتصادية مؤشر خطير على وضع أي أسرة، منبهاً الآباء والأمهات بأن يأخذوا بأسلوب الحزم وعدم الاستجابة لرغبات الأبناء. وأضاف أنه ينبغي تصليب العاطفة في بعض المواقف، وبهذا الخيار تحفظ الأسرة وضعها المالي الذي يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، ويساعد في تعويد أفراد الأسرة على نظام الترشيد وواقعية الصرف، مشيراً إلى أن ميزانية الأسرة تقف خلفها أربعة عناصر هي: تحمل المسئولية، والوعي بمعنى حسن التصرف ونضج التفكير في إدارة المال، والاستقرار المالي، بما يؤدي إلى العنصر الرابع وهو السعادة.
في بعد آخر، تحدث السيف عن ثلاثة ركائز للميزانية، أولها الكرامة المالية والتي تتحقق من خلال الإبقاء على مقدار من المال يصرف في حال الأزمات بعيداً عن الحاجة إلى الاقتراض ومد اليد للآخرين، والثاني هو الأمن الوظيفي والذي يعني الاحتفاظ بمعدل ستة رواتب، يتعين عدم صرفها تحسباً لطوارئ الفصل من الوظيفة، أما الركيزة الثالثة فأطلق عليها المحاضر كرامة الشيخوخة وهو نظام يتخذه الفرد بتخصيص نسبة من راتبه لمرحلة التقاعد تبدأ بنسبة 1% من الراتب الشهري ثم تتدرج في الارتفاع، لافتاً في هذا الصدد إلى أفضلية الاحتفاظ بهذا المال في صورة سبائك الذهب أو عقار أو أي مجال يحافظ على قوته الشرائية، مؤكداً على أهمية تفعيل هذه الركائز إما بجهد ذاتي أو الاستعانة بأصحاب الخبرة في هذا المجال.
في نهاية ورقته، أكد الدكتور السيف على عدة توصيات تمكن الأسرة من النجاح في تخطيطها المالي منها تجنب الدين والاقتراض مشيراً إلى تطور لافت في موضوع القروض حيث أصبحت غير مؤمنة عند وفاة المقترض مما يجعل الورثة يتحملون مسئولية إكمال سداد القرض. وفي توصية أخرى أشار السيف إلى أهمية اشراك أفراد الأسرة في عملية التخطيط المالي، وكذلك تدريبهم عملياً على أسلوب ترشيد الصرف من خلال منح الأولاد مصروف محدد لشهر كامل، وليس تعويدهم على أسلوب الطلب المفتوح، وأن يشكل قائد الأسرة الأب أو الأم قدوة في مجال إدارة
المال.
بدأت جولة المداخلات بتساؤل الأستاذة نجاة النزر حول أفضل الحلول لحالة الاتكالية لدى الجيل الناشئ، متفقة مع توجه المحاضر في استخدام اسلوب الحزم تجاه الرغبات الغير واقعية إضافة لتشجيعهم على ممارسة العمل الشريف الذي يوفر لهم المال، وأثار الأستاذ مصطفى الشعلة إلى مسألة التخلي عن الأصول كبناء البيت أو شراء السيارة لأنها تستنزف السيولة المالية، والاستعاضة عن ذلك ببدائل الاستئجار. وأكد الأستاذ عيسى العيد على أهمية أن يقوم التخطيط المالي على عناصر تخدم كافة أفراد الأسرة وليس رب الأسرة فقط لما تشكله هذه الحالة الأنانية من خطر على استقرار الأسرة.
الأستاذ مؤيد الضامن أشار إلى عدم وجود دراسات واستشارات جادة في موضوع التخطيط المالي الأسري داعياً إلى أهمية أن تولي الجامعات ومراكز الأبحاث الاجتماعية عناية بهذه المسألة التي ستأخذ أبعاداً وتداعيات كثيرة في مستقبل الأسرة. من جهته اكد رجل الأعمال السيد نزار الصايغ فكرة المحاضر بأن افضل وسيلة للحفاظ على قيمة السيولة المالية هو باستثمارها في أكثر من مجال كالذهب والعقار، كما تحدث الأستاذ كفاح الخنيزي في مداخلته عن معاناة العديد من الأسر من رغبات الأبناء التي تفسد عملية التخطيط المالي الأسري، متفقاً مع ما ذهب إليه المحاضر من خيار الحزم لمثل هذه الحالات، إضافة إلى استخدام الأساليب الذكية في تحميل الأفراد مسئولية تقنين الصرف المدروس.
وأثنى الأستاذ صالح آل عمير على مضامين المحاضرة ودعا إلى نشرها في الأوساط الاجتماعية على شكل مقاطع يوتيوب قصيرة، كما تحدث الأستاذ زكي البحارنة إلى أن وجود تحديات اقتصادية لا يعني انعدام فرص الاستثمار المالي كبديل للفرص المتاحة أثناء الرخاء الاقتصادي مؤكدا على أهمية البحث عن الفرص التي تنمي الدخل المالي للأسر في ظل
مستجدات التحديات والظروف الاقتصادية الحالية. وذهبت الصحفية حكيمة الجنوبي في مداخلتها لتوجيه الدعوة باتجاه تمكين الشباب من فرص العمل وتشجيعهم للاستفادة من برنامج توطين الوظائف.
وكان ختام اللقاء كلمة ضيف الشرف لهذه الأمسية المهندس الأستاذ شاكر نوح الذي أثنى على عناصر قوة منتدى الثلاثاء من الاستمرارية والتنوع في مواضيع الندوات والانفتاح على كافة الشرائح الثقافية في مناطق المملكة، مشيراً إلى أن المنتدى حقق قفزات محلقة في تطوير العمل الثقافي الأهلي مقترحاً أن يكون لهذا المنتدى مبنى يكون مقراً كواجهة ثقافية، من جهة أخرى أشاد بالمحاضرة وأهمية ما دار فيها من أفكار وطروحات، مؤكداً على الاهتمام بأساليب الاستثمار والتخطيط المالي على صعيد الأسر.
التقرير على اليوتيوب:
المحاضرة الكاملة:
كلمة ضيف الشرف الأستاذ شاكر آل نوح:
كلمة السيد ضياء آل درويش:
كلمة الفنانة سلمى الشيخ: