في مساء الثلاثاء15/إبريل/2008م، الموافق 9/ربيع الآخر/1429هـ استحضر منتدى الثلاثاء الثقافي القطيف في قراءة جديدة قدمها كل من الأستاذ حسين سلهام والأستاذ خالد النزر والأستاذ وجدي آل مبارك، وقد أدار الأستاذ زكي البحارنة الندوة مفتتحا لها بمقدمة تحدث فيها عن أهمية التعرف على مضامين التراث الوطني وأهم السبل لتحقيق ذلك؛ مؤكدا على أن عقد مثل هذه الندوات هو أحد هذه السبل التي من شأنها أن تحيي روحا قادرة على صنع الحاضر الفاعل ليشكل فيما بعد تاريخا يستحق التمجيد، ويكون امتدادا لحقب الإثراء الحضاري في الحياة الإنسانية.
وقد عرف مدير الندوة الحاضرين بالضيوف بادئا بالأستاذ حسين سلهام، وهو من مواليد مدينة سيهات، حاصل على شهادة (البكالوريوس) في أدارة الأعمال، نشر بعض بحوثه فيما بين عامي 1416- 1418هـ على صفحات جريدة اليوم، وصدر له العديد من الكتب التاريخية مثل كتاب (تاريخ سيهات)، (سيهات والبحر)، (المجتمع السيهاتي)، (قطيف أهل البيت) و(ساحل القرامطة.. دراسة تاريخية لقرامطة هجر).
ثم عرف بالأستاذ خالد النزر وهو من مواليد مدينة الخبر، انتسب للدراسة في قسم التاريخ في بيروت عام 1425هـ ثم تحول لإكمال دراسته في قسم التاريخ في الولايات المتحدة الأمريكية، مهتم بتاريخ الخليج، وصدر له كتاباً بعنوان (آل عصفور أسرة حكمت الخليج 150عاماً)، وهو بصدد إصدار كتابين أحدهما بعنوان (بنو هاشم في الأحساء) وآخر بعنوان (بنو لام في الأحساء).
أما الأستاذ وجدي آل مبارك فمن مواليد الآجام، حاصل على شهادة البكالوريوس في الجغرافيا من جامعة الملك سعود، ودبلوم مدراء مدارس المتوسطة والثانوية، نشرت مقالاته في جريدة اليوم ومواقع الشبكة، له كتاب (الآجام بين الأمس واليوم).
وقد قسمت الندوة إلى ثلاثة محاور، بدأها الأستاذ حسين سلهام بالحديث حول كيفية جمع التاريخ، مشيرا لطريقتين، تجميعية وتحقيقية، وذكر أن الطريقة التجميعية هي الطريقة المعمول بها في الوقت الراهن رغم عدم جدوائيتها، مشبها العمل بها كالدوران في حلقة مفرغة يخدم أعداء المنطقة الذين شوهوا بعض تاريخها بكتابات زائفة لا يمكن كشفها؛ بدءا من استلام الأمويين للحكم وانتهاء بالحكومة العثمانية، مؤكدا أن الطريقة التحليلية هي الاتجاه الصحيح لجمع التاريخ.
وأشار الأستاذ حسين سلهام إلى الصعوبات التي يواجهها المؤرخ كالتغيير الديموغرافي لمدن وقرى المنطقة الذي عمدت له بعض الدول، ومثل بذلك لإنهاء القرامطة لمدينة هجر العظمى، مما أدى بالمؤرخين والجغرافيين لحيرة تحديد موقعها، وقد استعرض المحاضر الآراء التي وجدت في هذا الشأن مقارنا ما اعتمد منها ارتجاليا من قبل بعض مؤرخي المنطقة بآراء لمؤرخين قدماء، فأكد على أن اعتماد اللاحقين على الجمع في الكتابة ضيع على المنطقة الكثير من تاريخها، ونوه إلى أن التغيير الديموغرافي لم يتوقف على المدن والقرى كما أشار المحاضر، بل تعداه لسكانها الذين تم تفريغهم منها وإحلالها بآخرين جدد عبر اعتماد قوانين وأنظمة ظالمة دفعتهم لترك مناطقهم هربا.
تدمير الموروث التاريخي في القرن الثاني الهجري عده السلهام صعوبة أخرى يواجهها المؤرخ، ورآه أحد أسباب ضياع تاريخ القطيف، مشيرا بذلك لحرق المكتبات التاريخية وضياع الكثير من مخطوطاتها الهامة، ثم استبدال ذلك بكتب كتبها مرتزقة انتهجوا الطائفية في كتاباتهم حتى اعتمدت كتبهم وأضحت من المصادر الرئيسية في تاريخ المنطقة.
المحور الثاني في الندوة، تحدث فيه الأستاذ خالد النزر عن الظروف التي مرت بها الكتابة التاريخية في المنطقة مستعرضا التعريفات المختلفة والمتعددة للتاريخ كتعريف العربي القديم، وتعريف ابن خلدون، وكذلك تعريف الغرب، ثم استعرض آراء بداية علم التاريخ المختلفة وارتباطه لاحقا بعلم الآثار الذي انتقل للمسلمين على يد الغرب، فضلا عن ارتباطه بعلم الطب الذي تطور خلال القرنين الماضيين بما جعل المؤرخون يستعينون ببعض الاختبارات الطبية لتحليل بعض المعثورات الإحيائية.
بعد ذلك، انتقل المحاضر إلى الحديث عن تاريخ منطقة القطيف، مشيرا لفجوة تاريخية ضائعة مقدارها ألف عام ليس بالإمكان الاعتماد على ما دوّن عنها لعدم ثبوته؛ مشيرا في ذلك إلى بعض الكتب التاريخية المعتبرة كمصادر، مثل تاريخ الطبري واليعقوبي وابن خلدون وغيرهم ممن ظهروا في القرون المتقدمة، تلاهم بعد ذلك آخرون، كابن بشر وابن غنام ولمع الشهاب، ثم علي التاجر البحريني.
وتحدث النزر عن تاريخ الكتابة في المنطقة، فأشار إلى عدم وجود مؤلفات تاريخية لمؤرخين محليين سوى شرح ديوان الشاعر جمال الدين علي بن مقرب العيوني الذي يعتبر أهم وأقدم وثيقة تاريخية اختصت بهذه المنطقة رغم عدم تقصده التأريخ بقدر ما جاء فيه من وصف لحال المنطقة سياسيا واجتماعيا في فترة ما، بيد أن هناك من ساهموا في نقل بعض الأحداث شفهيا فساعدوا بذلك في جمعها بعض الكتاب، ومنهم الشيخ حمد الجاسر الذي وُجد كعامل مشترك في كتاب ساحل الذهب الأسود لمحمد سعيد المسلم، وكتاب تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء القديم و الجديد للمؤرخ محمد آل عبد القادر.
وفي ختام حديثه، تحدث الأستاذ النزر الضيف عن أهمية حفظ التاريخ وقبوله بكل ما فيه، لكيلا يؤدي رفض بعضه إلى تحريفه، داعيا الجميع إلى تدوين الأخبار التي يتناقلها الآباء لتكون مصدرا لأولادهم من بعدهم اقتداء بمنهج القرآن الكريم في السرد التاريخي.
المحور الثالث، تحدث فيه الأستاذ وجدي المبارك عن تجربته في كتاب (الآجام بين الأمس واليوم) ونظرته حول تاريخ المنطقة؛ فأشار بداية إلى تقليدية البحوث التاريخية والمؤلفات العاصرة الموجودة التي بدأت مع الأستاذ محمد سعيد المسلم رحمه الله كونها تجميعية وليست تحقيقية، ثم تطرق إلى الأسس القويمة التي يجب أن يبنى عليها التاريخ، وهي المشاهدة والرواية والآثار التي عدها العنصر الأهم كونها الشاهد الوحيد الذي لا يمكن أن يكذَّب أو يشوَّه، مستشكلا عدم وجود علم حقيقي في القطيف يهتم بالآثار كمصدر لحقائق تاريخية مهمة.
وقد استعرض المبارك مرئياته على الأبحاث القائمة في المنطقة؛ فوصفها بأنها فردية لا تنسجم مع العمل الجماعي الذي يعكس التعددية في الأفكار والطرح، وأشار لسوء التعاطي مع بعض البحوث من قبل البعض، والمتمثل في ردود أفعال تبعد العلمية وتستحضر المجادلات العقيمة، ثم تناول تجربته في كتابة (الآجام بين الأمس واليوم) عام 1414هـ التي اشتعلت شرارتها لما رأى من قلة المعلومات الموثقة عن تاريخ هذه البلدة، فباشر بكتابة تاريخ استغرق منه ست سنوات في التقصي والبحث واجه فيها صعوبات كثيرة.
وأشار المبارك إلى ديناميكية جديدة اعتمد عليها في تجربته تلك كفرضيات المعدل الخام، والنمو السكاني، والهرم السكاني، والتعداد، الأمر الذي تخلو منه جميع الكتب التاريخية الأخرى، ثم أشار للبحث العلمي الذي انتهجه في ظل غياب مصادر ومراجع، وتأكد من إصابته لحقائق اكتشفها لاحقا في مصادر ومراجع حصل عليها مما شجعه على المضي قدما في انتهاج الفرضيات العلمية في بحثه.
ثم تحدث عن برنامج (الآجام بين الحقيقة والتاريخ) الذي بث في ثلاثة أجزاء على قناة الأنوار الفضائية معقبا على بعض جزئياته وكان أهمها الاعتراض على رأي الأستاذ عبد الخالق الجنبي بكون قبر نبي الله اليسع عليه السلام هو قبر (رئاب الشني) الذي يعتقد بكونه نبي قومه؛ استنادا على بعض الروايات المنقولة الضعيفة السند، واستعرض أسلوب بحثه الذي خرج منه بهذه النتيجة مع يقينه بعدم الجزم دونما إثباتات حقيقية.
تعاقب الأساتذة المحاضرين والحضور بعد ذلك في نقاش بعض ما طرح حول حدود هجر وبعض الكتب التاريخية المعتمدة ككتاب ابن المقرب العيوني، ثم تحدث الأستاذ جعفر الشايب عن تلمسه لقراءة مذهبية متوترة للتاريخ مبديا أمله في أن تعتمد الموضوعية والحياد لاستيعاب الاختلاف في وجهات النظر مؤكدا على فكرة العمل الجماعي – التي أشار لها الأستاذ وجدي المبارك – مقابل الفردية السائدة في تجارب البحوث التاريخية مقترحا تأسيس مركز دراسات متخصص يرعى جميع ما يصب في هذا الشأن من أنشطة، كما اقترح الأستاذ أحمد الصادق تأسيس منتدى يجمع المهتمين بالبحث التاريخي والآثار لتعاطي الهموم المشتركة.
وعلق الدكتور جميل الجشي، العضو السابق في مجلس الشورى الأوراق المقدمة داعيا إلى مزيد من الموضوعية في معالجة القضايا التاريخية وبالخصوص في النظرة إلى تاريخ الدولة العثمانية وعلاقتها في المنطقة.
الأستاذ ياسر الخميس تحدث عن حاجتنا لقراءة موضوعية نتوقف فيها على الكيفية التي كتب فيها التاريخ مؤكدا على أهمية التدبر في الروايات والأسانيد والخلفيات الثقافية للرواة، وأكد الباحث سلمان الرامس على زخم الآثار الذي تحفل به جزيرة تاروت والذي يمكن الاعتماد عليه كشاهد حي لكتابة التاريخ إجابة على سؤال الدكتور عادل الغانم حول موقع يتوقع أن يحصل فيه على آثار لا تزال مطمورة تساهم في كتابة تاريخ المنطقة، ورد عليه الأستاذ وجدي بكون الآجام أقدم عمرا مدللا على ذلك بقانون (نامة) الذي يرتب الآجام كثاني منطقة سكانية في القطيف بعد تاروت، ثم ربط ذلك ببعض المرئيات الموثقة أوقفته على هذه نتيجة رتبها في فيلم وثائقي تم عرضه في ختام الندوة.
وكان المنتدى قد خصص لجماعة التصوير الضوئي مساحة عرض عينات من نتاجهم للأسبوعين القادمين، قدم لذلك عضو الجماعة الأستاذ ياسر الدبيسي عرضا موجزا حول نشاط الجماعة فعرف ببدايتها في شهر محرم 1318هـ كإحدى الجماعات الفنية التابعة لنادي شباب المركز المسمى بنادي الفنون بالقطيف حاليا، والمنبثق عن أنشطة اللجنة الثقافية بلجنة التنمية الرئيسية لمقر مركز الخدمة الاجتماعية بمحافظة القطيف.