منتدى الثلاثاء يقرأ حياة وعصر الشيخ علي المرهون

3٬976

تخليدا لمسيرة شخصية علمية واجتماعية وثقافية ساهمت في تطوير المجتمع وتقدمه، وسعت لبناء تجربة ثقافية جديدة تستند على جمع التراث وتشجيع التأليف والنشر، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي ندوة تحت عنوان “قراءة في حياة وعصر العلامة الشيخ علي المرهون” وذلك مساء الثلاثاء 25 صفر 1431ه الموافق 9 فبراير 2010م، تحدث فيها الأستاذ عبد الإله التاروتي، وأدارها الأستاذ عبد الباري الدخيل.

وقدم مدير الندوة اللقاء بحديث مختصر حول الدور الذي قام الشيخ علي المرهون في المجالات الثقافية والاجتماعية والدينية، مشيرا إلى ما نشرته الصحافة المحلية من أخبار حول حدث وفاته وتشييعه المهيب في القطيف. وعرف المحاضر الأستاذ عبد الاله التاروتي بأنه حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية من كليّة الآداب بقسم الدراسات الاجتماعيّة في جامعة الملك سعود، وهو عضو سابق في اللجنة الثقافيّة لمركز الخدمات الاجتماعيّة بالقطيف، وله مشاركات في الصحافة المحليّة والعربية، وصدرت له مجموعة من الكتب: «ممارسات في شطب الآخر»، «قل بسم الله وابدأ»، «الشيخ علي المرهون ناشر وكاتب»، «الشيخ علي المرهون رواية مجتمع وتجربة حياة».

وبداية ألقى راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب كلمة المنتدى التي عزا فيها الحضور برحيل العلامة الشيخ علي المرهون، الذي شيّعته المنطقة باعتباره أحد أبرز علمائها الرواد الذين قدموا لمجتمعهم نماذج من العطاء والإسهام الحقيقي دون إحداث أي صخب أو ضجيج، موضحا أنه وعلى طول مدى عمره الشريف، تمكن الشيخ علي المرهون من خوض غمار العمل الثقافي والاجتماعي والتوغل في تفاصيله، مقدمًا نموذجًا متميزًا لفهم قضايا مجتمعه وتبنيها والعمل على تحقيقها. وأضاف أنه على الرغم من البيئة التقليدية المحافظة التي كانت سائدة إلا أنه كان مقدامًا في طرح العديد من المبادرات التي تعتبر تقدمية في عصره، ومن بينها الاهتمام بتأليف وطباعة ونشر الكتاب المحلي، وإيجاد سبل عديدة لتذليل كل العقبات في سبيل تحقيق ذلك. إضافة إلى تصديه لمشاريع خيرية واجتماعية، وزرع البذرات الأولى لها، لتحصد بعد عقود مؤسسات اجتماعية فاعلة قدمت ولا تزال خدمات اجتماعية كبيرة.

بدأ الأستاذ عبد الإله التاروتي الحديث عن الشيخ المرهون بالقول أن ذلك يمثل خبرة تراكميّة لبني وطنه، ولعلماء وشخصيات بلده ومنطقته وتُضاف إلى رصيد علماء الإسلام بشكل عام، مضيفا أننا عندما نتحدث ‏عنه فإننا نعتبره خطوة في هذا الطريق المشرق تستمد مما قبلها وسبقها من خبرات وعطاءات، وتؤسّس لمن يأتي بعدها من خطوات وانجازات. وأوضح أن الحديث عن العلامة المرهون يأتي باعتباره قيادة اجتماعية، تحتضن كلّ أبناء المجتمع، دون التخندُق حول مدرسة بعينها، أو اتجاه محدد، فذلك يمنع الكثير من الخيارات التي يمكن أن تكتشف أو تقتبس. وأكد على أن تلاقح الأفكار بين التيارات والاتجاهات هي التي تُعطي المحصلة النهائية لصورة المجتمع، فعندما تتكامل الجهود ‏وتتضافر فإنّ المجتمع يُبرز شخصيته بكل أريحيّة، وهذا ما نحن بحاجة إليه، موضحا أن المجتمع لم يتقِن بعدُ فنّ صناعة الكفاءة ومهارة خلق الرمز‏، فالمجتمعات الحيّة تسعى دائمًا نحو إبراز رموزها لأنّ الرمز هو ابن للأرض، ابن للذات، حيث يكون هو الأقدر على توصيف وفهم مشكلات واحتياجات المجتمع وتطلعات أبنائه.

واستعرض المحاضر البيئة الجغرافية التي نشأ فيها الشيخ المرهون، وهي واحة القطيف حيث تلتقي على صعيدها المظاهر الطبيعية الثلاثة: البحر، والجبل، والصحراء، وكون هذه المنطقة متداخلة مع محيطها الثقافي الأوسع الذي يشمل الأحساء والبحرين، وأن هناك حراك ثقافي ملحوظ يُمكن للمتابع أن يُدقّق فيه ويستخرج الكثير من القواسم الكبرى المُشتركة، التي تُعطي صورة جلية عن الخبرة التراكمية لهذا الواقع. وأضاف أن البيئة الاجتماعية جمعت بين الريفية والمدنية حيث أثرت في تكوين شخصيته الأخلاقية بما تتمتع به من محبوبية وتواضع وحسن عشرة، ودماثة خلق، ولين عريكة، كما أن أسرته ذات مكانة في وسطها الاجتماعي، وذات بعد ديني.

وانتقل التاروتي للحديث حول البيئة الثقافية التي عاشها الشيخ المرهون، موضحا أنه عاش في بيئتين مختلفتين هما القطيف والنجف الأشرف، فبيئته الثقافية بحسب هذا الواقع تبدأ من الكتّاب، وبدأت في موطنه القطيف تتسع دائرة النفوذ والتأثير للبيئة الثقافية على سلوكه ومن ثم على ملامح شخيصته، حيث استلهم من الدور العلمائي بث الثقافة الفقهية في المجتمع، وتحصين المجتمع بالثقافة العقدية دفاعًا واستدلالًا، وتنمية الروح الأخلاقية والإيمانية في النفوس، وتعريف المجتمع بمعارف القرآن الكريم وتفسيره، وغرس الثقافة الأدبية والشعرية في نفوس الشباب ورعاية مواهبهم وتهذيبها، والقيام بدورات تثقيفية وتعليمية لبعض مقررات الحوزة من نحو وبلاغة ومنطق وأصول وفقه وفلسفة. وأوضح الأستاذ عبد الإله التاروتي أنه بالإضافة إلى الأبعاد المختلفة لهذه البيئة الثقافية فإنها كانت تشمل أيضا حضور المنبر الحسيني الذي يلعب دورًا فاعلًا في المدّ الثقافي والتوعية في شتى مجالاتها.

أما حول تأثير البيئة النجفية على الشيخ المرهون، فيضيف المحاضر أن من سمات بيئة النجف الأشرف أنّها حاضنة لكل الثقافات، فمن خلال هذه البيئة المعرفية الكبرى، ونمط وأسلوب العيش الذي يطغى عليه طابع التقشف والزهد، وبما تمثله من بعد ديني عميق وما وفرته من فرص المباحثة والاحتكاك برواد العلم والفضيلة، فقد كونت لدى الشيخ علي خبرة تراكمية عبر هذه السنين درسًا وتدريسًا ومطالعة، وصداقات اجتماعية جعلت من كل هذه الخبرات الميدانية في أشكالها المتعددة محطة من أهم المحطات المفصلية من حياته. وختم حديثه بالقول أن الحديث عن تجربة الشيخ علي المرهون من خلال استعراض حياته وملامح عصره يحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة، حيث أننا أمام تجربة ريادية فذة ينبغي إبرازها لتكون معلمًا من معالم حيوية المجتمع ونموذجًا مثاليًا للأجيال.

وبدأ الأستاذ زكي البحارنة بمداخلة حول المنهج الذي عمل عليه الشيخ علي المرهون في المجتمع وسلكه مغايرًا بذلك أبناء جيله من علماء دين، وشخصيات اجتماعية في بعض الجوانب، فقد تميّز رحمه الله بأخذ المبادرة متى ما شعر بحاجة المجتمع لذلك، وهو ما نجده في مختلف أنشطته الثقافية، كطباعة الكتب، وجمع التراث وما إلى ذلك، كما تميز أيضًا بتبني القضايا ذات البعد الاجتماعي، والتصدي لها كتنظيم الأعمال الخيرية، وعمل الصندوق الخيري في منطقته أولًا، ثم توسّع هذا المشروع ليغطي مختلف مدن وبلدات المنطقة. وتحدث الأستاذ عباس الشبركة حول دور الشيخ علي المرهون في إثراء المكتبة القطيفية من ناحية التأليف والطبع والنشر والتشجيع على ذلك، واهتمامه بتوفير المادة إلى دور الطباعة والنشر في العراق وغيرها، وهو أمر ليس بالسهل وخاصة في بداية حياته الدراسية في النجف الأشرف، معتبرا إياه الأب الروحي للكتاب القطيفي أيام الفترة النجفية التي امتدت حتى نهاية التسعينات الهجرية.

وعقب الأستاذ حسن الشيخ علي المرهون بالإشارة إلى الدور الأبوي الذي تميز به الوالد رحمه الله، فهو كان يتعامل مع جميع أبناء المجتمع وخاصة الشباب منهم، كأبنائه من ناحية التوجيه والتشجيع والعطاء، وكان يهتم بكل فرد اهتمامًا واضحًا، ويسعى لأن يوجّهه ويقدم له النصح المناسب بهدوء، كما كان يهتم كثيرًا بالتواصل مع مختلف فئات المجتمع ويشاركها في برامجها وأنشطتها، ويلتزم بذلك التزامًا كبيرًا حيث يعتبره من مسؤوليات عالم الدين، وخاصة أنها تتيح المجال للتعرف على قضايا ومشاكل الناس وتوجيههم. وأشار الأستاذ حسن آل حمادة إلى أهمية الدور الكبير الذي قام به المرحوم الشيخ علي المرهون في توثيق وجمع وحفظ ونشر العديد من المخطوطات في مجالات معينة له ولغيره من أبناء جيله، ودفعها للطباعة والنشر، وتحمّله الكثير من المصاعب في هذا المجال، حيث رصيدًا جيدًا من الكتب التراثية التي تعمّق المفاهيم الدينية، إضافة للكتب الأدبية التي تعكس الحالة الأدبية والشعرية تحديدًا، وفتح أبوابًا للنشر والتأليف في المنطقة.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد