في أمسية استثنائية ومميزة وحضور لافت من المهتمين، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي الدكتور المهندس عبد الله بن عثمان الفارس ليتحدث عن تجربته الفريدة والعصامية ودوره الوطني الريادي في مجال التصنيع تحت عنوان “التصنيع الوطني.. تحديات وانجازات” وذلك مساء الثلاثاء 30 ذو الحجة 1436هـ الموافق 13 اكتوبر 2015م.
وقد سبقت الندوة فعاليات مصاحبة، حيث تحدث الفنان الأستاذ هاشم شرف آل عبد الله خريج كلية الإعلام من جامعة الملك سعود عن تجربته في التصوير الفوتوغرافي المتخصص في كرة القدم، حيث يشارك في المنتدى بمعرضه الشخصي للأسبوع الثاني على التوالي، شارحا بدياته في تصوير المباريات الشعبية ثم تدرج إلى التصوير على مستوى المملكة ودول الخليج، وهو حاصل على شهادة التقديم التلفزيوني من مركز الجزيرة للتدريب والتطوير بقطر وعمل محررا صحفيا تلفزيونيا مع قنوات الجزيرة الرياضية، ومصور متعاون مع وكالة سي ان ان العربية ، وعمل سكرتير تحرير متعاون مع قناة العربية “العربية نت” وهو مصور فوتوغرافي في شركة المحولات السعودية للصناعات الكهربائية.
ثم تحدث الشاب علي آل سليس الفائز بالمركز الأول لجائزة “قارئ العام” التي تنظمها شركة ارامكو السعودية، موضحا فكرة الجائزة التي تقوم على دعوة المهتمين بقراءة الكتاب على مستوى العالم العربي للدخول في برنامج “الملتقى الاثرائي” لمدة ثلاثة أسابيع ثم بعد ذلك تجري تصفيات الى أن يتم التنافس بين عشرة أشخاص يقدم كل شخص عملا ينقل للجمهور بطريقة ابداعية أهمية شغف القراءة، حيث قدم عمله الرائع والمميز حول القصة والرواية ضمن عرض مرئي حاز على إعجاب الحضور.
بدأت الندوة التي أدارها الأستاذ عيسى العيد رئيس اللجنة المنظمة للمنتدى، ممهدا لموضوع الندوة بالإشارة إلى فكرة دعم وتشجيع التصنيع بالمملكة باعتباره رديفا مهما لتصدير البترول مع ما هو متوفر من إمكانات ومقومات الصناعة على صعيد المواد الخام والقدرات البشرية والسوق المفتوحة، رابطا ذلك بالتأكيد على أهمية التوجه الواضح لتشجيع قطاع الصناعة والمبادرات التي تصب في هذا المجال. بدأ بعد ذلك المهندس عبد الله بن عثمان الفارس بعرض محطات تجربته الرائدة معرفاً بنفسه بأنه من مواليد مكة المكرمة عام 1369هـ وحصل على البكالوريوس عام 1978م في مجال علوم الطيران التجاري، ثم الماجستير في تقنية إنتاج الناقلات عام 1982م، ثم الدكتوراه في تقنية المعدات الثقيلة عام 2011م. التحق الفارس بالعمل في الخطوط السعودية 1969م وتدرج فيها حتى أصبح مدير إدارة إقليم الخليج بالشرق الوسط حتى عام 1975م، ثم انتقل إلى المنطقة الشرقية ليبدأ مشوار تجاربه في العمل التجاري، مشيراً إلى انه افتتح مجموعة مشاريع من مكتب سفريات، أدوات مكتبية، أدوات منزلية، مزرعة دجاج بياض، مزرعة أرانب كانت كلها فاشلة. وبدأ أول مشاريعه الناجحة في مجال المقاولات ثم صناعة الشاحنات حيث كان الطلب عليها عالياً وساعدته على هذا النجاح ظروف الطفرة النفطية في النصف الثاني من عقد السبعينات.
في عام 1980م كان في زيارة إلى مكة حيث وقعت حادثة الحرم الشهيرة “حركة جهيمان” فاستثاره عدم وجود مدرعات مناسبة لمثل تلك الحادثة، فقرر بينه وبين نفسه أن يبدأ مشروع تصنيع “مدرعة” فبدأها بهيكل خشبي قدمه في أول معرض للصناعات في فندق القصيبي عام 1982م افتتحه أمير المنطقة الشرقية آنذاك عبد المحسن بن جلوي، وقد وضعه هذا العرض محل اهتمام وزير الدفاع حينها الأمير سلطان “رحمه الله” مكنه من حل المشكلة ومتابعة المشروع إلى أن تم اختبار المدرعة بنجاح من قبل وزارة الدفاع عام 1985م، وعمل بعد ذلك على تطويرها لعدة سنوات لاحقة. في عام 1991م ومع ظروف حرب تحرير الكويت كاد أن يتوقف عن مشروع “المدرعة” غير أن الدولة ممثلة بالمؤسسة العامة للصناعات الحربية وبتوجيه من الملك فهد والأمير سلطان دخلت معه شريكا تولى فيها الإدارة الفنية وخطوط الإنتاج، وتم العمل على عدة أنواع من المدرعات بلغت الكمال عام 1998م، فحققت نجاحاً كبيراً وفازت بالمركز الأول في عدة معارض دولية.
وعبر الدكتور الفارس عن امتنانه لأبناء منطقة القطيف الذين كانوا يشكلون 90% من موظفي المصنع وعددهم 380 بين فني ومهندس ورئيس قسم ليس فيهم عامل واحد، قائلاً: “لي الشرف أن أقولها دون مبالغة أو مغالاة لأحد، بأنهم من أفضل الشباب الذين مروا علي في حياتي من حيث انضباطهم بالعمل واحترافهم للتعلم بدرجة ترفع الرأس”. ثم أشار إلى أنه مع انتهاء عملية التصنيع بنجاح وبدء عملية الإنتاج وقعت أحداث 11 سبتمبر، الأمر الذي ولد اشكالات قررت على أثرها وزارة الدفاع إيقاف المشروع ومكافأة المهندس الفارس على براءة اختراعه. بعد تلك المحطة من تجربته الاستثنائية، استهوت الفارس فكرة فريدة تمثلت في إنتاج “الكافيار” حيث أصبح الكافيار في تلك البرهة الزمنية معرضا للانقراض بسبب تفكك الاتحاد السوفيتي وتهافت ست من الدول على نهب هذه الثروة من بحر قزوين بعد أن كان تحت سيطرة روسيا وإيران فقط قبل ذلك، الأمر الذي جعل منظمة ” ساتس” الدولية تصدر عدة قرارات وعقوبات لحماية سمك الكافيار من الانقراض. فبدأ بالاطلاع على الأبحاث العلمية المتعلقة بسمك “الحفش” المنتج لمادة الكافيار، ولكونه يملك مزرعة لسمك “البلطي” الواقعة بمنطقة الأوجام غرب القطيف فعمل على توفير كافة المعدات والأجهزة التي تساعد على نجاح المشروع ليصبح من اكبر منتجي الكافيار على مستوى العالم حيث بدأ إنتاجه عام 2010م، ويقوم ببيعه بالجملة على شركات الطيران والمطاعم الراقية.
كما تطرق الفارس لمغامرته في رحلة حول العالم على دراجة نارية بمفرده عام 1968م وعمره حينها 18 عاماً، بعد أن تعذر عن مرافقته زملاؤه العشرون الذين سبق أن اتفقوا جميعاً على القيام بها. انطلق من جدة الى الكويت فالعراق الذي تعرض فيها لقطاع طرق اعتدوا عليه وأصابوه وسلبوا ما عنده، غير أنه واصل مسيرته على الدراجة بعد إصلاحها في الأردن ثم انطلق قاصدا دمشق ودخل بالخطأ فلسطين المحتلة وخرج منها فورا متوجها لدمشق. وأجرى مكالمة مع السفير السعودي ببغداد الذي رتب له إجراءاته الرسمية وتزويده بما يحتاج من المال، وانطلق إلى تركيا للعلاج حيث صادف وجوده هناك زيارة للأمير “الملك” فهد الذي أمر بعلاجه، ولم تثنه تلك العقبات من مواصلة رحلته التي تنقل فيها على معظم الدول الأوربية، ثم دول المغرب العربي فمصر فالسودان ثم إلى جدة على متن باخرة لنقل الأغنام في رحلة استغرقت سنة كاملة.
بعد ذلك اجاب على أسئلة ومداخلات الحضور مبتدئا بالإجابة على سؤال مدير الندوة الأستاذ عيسى العيد حول المعوقات التي واجهته في مجال التصنيع، فوصف تجربته بانها “سوبر ماركت” من المعوقات والتعقيدات التي واجهها بالصبر. وأفاد الفارس في تعليقه على سؤال الأستاذ فرحان الشمري حول إنتاج الكافيار قائلاً بأن سمكة الكافيار تحتاج الى رعاية سبع سنوات لتبدأ بانتاج 10% من وزنها والسمكة الواحدة تكلف خمسة آلاف ريال وسعر كيلو الكافيار بالجملة 1000 دولار عالمياً، واشار إلى انه بدأ في انتاج الكافيار الذهبي وأن إدارة المصنع محلية. واعربت اخصائية العيون وردة الصفواني عن إعجابها بالجرأة التي تحلى بها ضيف المنتدى وعن دهشتها لوجود هذه الشخصية وهذه الانجازات ولم يسلط حولها الإعلام، وعقب عليها الدكتور الفارس أن القناة الأولى أجرت معه مقابلة ولم تذعها الى الآن في حين أن قناة المانية هي القناة الوحيدة التي نشرت له لقاءً تلفزيونياً.
وحول سؤال الأستاذ كمال الممتن ما إذا كان استثمر علاقاته مع كبار المسئولين لمعالجة معوقات العمل الصناعي، أجاب أن هناك تعقيدات كثيرة من قبل العديد من الجهات ولا تراعى في التشريعات خصوصية بعض المشاريع واحتياجاتها. الأستاذ مخلف الشمري أشاد بشخصية وانجازات الفارس كاشفا أن صديقه لديه طموح بتصنيع غواصة حيث أكد الفارس أنه لا يزال يطمح لتحقيق هذا التطلع والتي قد تستخدم لأغراض مدنية وعلمية ومسحية أيضا، من جهته عبر رجل الأعمال عبد اللطيف النمر عن اعتزازه بشخصية ودور الفارس قائلا بأنه مفخرة للوطن. وعلق الفارس على مداخلة للأستاذ أنور المليفي بأنه تراوده الرغبة للعودة من جديد للتصنيع الحربي مع وجود توجهات جديدة تبدو مشجعة.
وفي مداخلة للشريف ابو الكساوي عبرعن افتخاره بأنه صاحب الباخرة التي أقلت الفارس من السودان لجدة بعد رحلته الطويلة لما أصبح له من شأن ودور يمثل الشاب العربي الطموح مرحباً بدعوته ثانية الى السودان، مشيدا بنشاط المنتدى الذي يجمع مختلف القضايا والمواضيع والاهتمامات. أما الأستاذ عبد الله شهاب فأشاد بصفة الصبر والنفس الطويل لدى الدكتور الفارس حيث علق الفارس بقوله أن انتاج الكافيار الذهبي قد يتطلب مدة خمسة وثلاثون سنة من الانتظار.
وفي الأخير تقدم راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب بالشكر والعرفان للدكتور الفارس على استجابته الدعوة وشكر الوفد المرافق معه مشيرا بأن هذه التجارب استثنائية ثرية، موجها دعوته للدكتور الفارس وأبناءه بتوثيقها لأهميتها كنموذج وطني متألق يضاف الى النماذج الوطنية الأخرى ولكي لا تحرم الأجيال القادمة من الاستفادة من دروسها وعطاءاتها المتعددة.
المحاضرة الكاملة: