في حضور نوعي لافت من حقوقيين وقانونيين وكتاب وإعلاميين، تحدث الدكتور الشيخ عيسى عبد الله الغيث عضو مجلس الشورى والمستشار السابق لوزير العدل عن “دور القضاء في الاستقرار الإجتماعي” وذلك في الأمسية الثانية من الموسم الثقافي الخامس عشر لمنتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 21 ذو القعدة 1435هـ الموافق 16 سبتمبر 2014م.
قبيل الندوة تحدث الفنان نايف الضامن الذي يقيم معرضا تصويريا في المنتدى عن تجربته الفنية، وعرف بأبرز أعماله التصويرية والمحطات التي مر بها طوال فترة تجربته هذه. كما ألقى عضو اللجنة المنظمة بالمنتدى الأستاذ زكي البحارنة كلمة ترحيبية أشار فيها إلى مناسبة اليوم العالمي للديمقراطية والتي يحتفي بها المنتدى كل عام في 15 سبتمبر، رابطا بينها وبين موضوع القضاء باعتباره أحد المرتكزات الأساسية للعدالة والحياة الديمقراطية، موضحا أن المنتدى يسعى إلى العمل على تجسير العلاقة بين المجتمع والمؤسسات الرسمية التي تعنى بالشأن الإجتماعي، وتنمية الوعي والمعرفة في
المجالات الحقوقية والقانونية من خلال ندوات وحوارات منتظمة.
أدار الندوة الكاتب الأستاذ فاضل العماني الذي رحب بالضيوف وعرج على عدة محاور مهمة لها علاقة بالقضاء، ومعرفا بالمحاضر الدكتور الشيخ عيسى الغيث الحاصل على دكتوراة في الفقه المقارن من جامعة الازهر، ودرجة الماجستير في الفقه المقارن من كلية الشريعة بجامعة الامام محمد بن سعود. كما أنه عين عضوا في مجلس الشورى منذ 1434هـ، وعمل قاضيا عاما وجزائي في محاكم وزارة الععدل التي تقلد فيها عدة مناصب آخرها عمله كمستشار لوزير العدل منذ عام 1431هـ. له مجموعة من البحوث والدراسات والمؤلفات في العلوم الشرعية والقضائية، وهو عضو في العديد من مجالس إدارة مراكز وجمعيات ولجان وطنية ودولية علمية وقانونية وقضائية.
بدأ المحاضر بالحديث حول أهمية النقد والمراجعة والإبتعاد عن التلقين لكونه أحد أسباب تخلف الأمة وتراجعها، مؤكدا على أهمية المكاشفة والصراحة وحرية التعبير عن الرأي وضرورة التوازن بينه وبين احترام حقوق الآخرين الخاصة والعامة وعدم التعدي عليها. وأكد على أن القضاء يشكل منظومة متكاملة لكونه خيارا وملاذا يلجأ إليه أفراد المجتمع للفصل في الخصومات وللحصول على حقوقهم، وبدونه تتحول المجتمعات إلى فئات متحاربة تسود فيها شريعة الغاب، رابطا بينه وبين استقرار المجتمع وضرورة سيادة القانون فيه.
وانطلق للحديث عن التغيرات الحاصلة في نظام القضاء في المملكة المنطلق من النظام الأساسي للحكم وذلك من خلال صدور حزمة من الأنظمة القضائية الجديدة، وتطوير وسائل التظلم، وتوزيع اختصاصات المحاكم، وإعطاء دور أكبر للمحامين، وزيادة أعداد القضاة. وبين أن هناك من يطلق أحكاما عامة على القضاء وبصورة إجمالية دون أن يكون النقد موضوعيا أو محددا، مشيرا إلى أهمية احترام القضاء حتى لو وجدت عليه ملاحظات لكونه الحصانة لحقوق الأفراد وفئات المجتمع.
وأكد في حديثه على نزاهة القضاء في المملكة، مبينا أن هناك إشكالية في الحديث عن الفصل الكامل بين السلطات باعتبار أن ذلك لا ينطبق على الوضع القائم في المملكة، حيث أن المرجعية بالتالي واحدة سياسيا وشرعيا، موضحا أنه ينبغي أن يكون هنالك تعاون وانسجام بين مختلف السلطات كي تؤدي دورها بصورة سليمة. وأوضح أن القضاء لا يتدخل في كل الأمور كما يقال، بل أنه يقوم بعمله بناء على ما تطلبه منه جهات الإدعاء.
وبين المحاضر أن عملية مأسسة القضاء في السعودية نتج عنها تطور في أداء المحاكم بحيث أدى إلى توسيع اختصاصاتها من محاكم عامة وجزائية إلى محاكم عامة وجزائية وتجارية وعمالية وأحوال شخصية. ,إضافة إلى ذلك فإن تقنين الأحكام وتطوير الأنظمة جاء متماشيا مع هذه التغيرات في القضاء مع أن بعضها تأخر صدوره أو تنفيذه لعدة سنوات بسبب أن البيئة الإدارية لم تكن بعد مهيأة له. كما بين الشخ الغيث عن أن عملية مأسسة القضاء أدت إلى زيادة كبيرة في عدد القضاة من 699 قاض قبل ست سنوات إلى حوالي 1800 قاض الآن، موضحا أن تأهيل القضاة ينبغي أن يكون أساسا في عملهم بحيث ينعكس ذلك على جودة الأداء. واشار إلى ضرورة وجود إرادة سياسية عليا لتفعيل بقية الأنظمة، مؤكدا أيضا على ضرورة سد الفجوة في حال التفاوت في الأحكام التعزيرية.
وتناول الغيث بعض إشكالات القضاء والتي من بينها اقتصار تعيين القضاة على خريجي الشريعة وليس القانون وهو أمر يؤيده المحاضر، موضحا أن الحل يكون في تكثيف المواد القانونية في كليات الشريعة. وأشار إلى أن من مسئوليات القضاء المحافظة على النزاهة والاستقلالية، وسيادة الشفافية والعلانية، وحماية المشتركات الوطنية. وأشار الشيخ الغيث إلى التداخل المستمر والقائم بين حرية التعبير والتعدي على الآخرين، موضحا أنه ينبغي أن يكون هناك توازن بين الأمرين وأن الضوابط تنبغي أن تكون عدم الإعتداء على حدود الخالق أو على حقوق المخلوقين. وأكمل المحاضر حديثه في إشارات سريعة لدور مجلس القضاء الأعلى وهيكليته، وإلى آليات التقاضي حول قضايا النشر الالكتروني.
وجاءت مداخلات الحضور كثيفة وشفافة، حيث تحدث علي المحمد علي عن إشكالية رفض شهادة بعض الشهود بسبب اختلاف مذاهبهم، وكون ذلك يتنافى مع المساواة بين المواطنين. وتساءلت نسيمة السادة عن أسباب تعطل نظام الأحوال الشخصية، وإشكاليات التفاوت في الحكام القضائية لعدم وجود مدونة أحكام عامة، وهو ما أثاره أيضا وليد سليس لغياب اللوائح التنفيذية لبعض الأنظمة وعدم وضوح معايير اختيار القضاة، وكذلك حول تشدد بعض القضاة في المحكمة الجزئية المتخصصة.
وتحدث سعيد آل عمير عن موضوع استقلالية القضاء مستشهدا بأن بعض التهم لا تستوجب إصدار أحكام قضائية عليها كالتواصل مع المواطنين أو التعبير عن الرأي، وأشارت كوثر الأربش إلى حالة التعارض في الأحكام وتباينها أحيانا. وأثار طارق النزر موضوع حماية حرية المعتقد في دولة دينية حيث أن ذلك يخلق تعارضا واضحا، كما ضرب أحمد العبد النبي أمثلة على ازدواجية أنظمة المحاكم بين منطقة وأخرى.
وتحدث المحامي محمد سعيد الجشي عن أزمة نقص القضاة في المحاكم، وعن إشكالية طلب وجود معرفين في وكالات النساء، كما تساءل حسين شعبان حول طريقة مقاضاة شخص يرمي طائفة كاملة بتهم غير صحيحة، وتساءل أيضا أحمد المشيخص عن سبب عدم قبول القضاة لردود بعض الموقوفين التي تؤخذ اعترافات منهم تحت الإكراه.
وقد أجاب الضيف على أسئلة الحضور بكل شفافية ووضوح، حيث عبر عن تفهمه لبعض القضايا الخاصة وعن الإشكاليات التاريخية والمذهبية المزمنة التي تجعل من أساليب العلاج صعبة، ولكنه أكد على أهمية اللجوء إلى القضاء والرجوع إليه لكونه وسيلة حضارية تعبر عن وعي وفهم متقدم وأنه خيار المجتمعات المتحضرة.
وشكر راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضر على استجابته للدعوة ومشاركته في المنتدى، وبين أن هناك لغط وحديث كثير حول القضاء في المملكة ومعوقاته تنشرها مختلف المنظمات الحقوقية، ولهذا جاء مشروع تطوير القضاء ليعالج بعض هذه العقبات والإشكالات، مؤيدا دعوة الشيخ الغيث للإستعانة بالقضاء في مختلف القضايا الحاصلة في المجتمع.
المحاضرة الكاملة: