بمناسبة اليوم العالمي للصحة، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف ندوة تثقيفية حول التوحد، استضاف فيها أخصائي التوحد الأستاذ عبد الحكيم يوسف العواس في لقاء جمع المهتمين في هذا المجال وذلك مساء الثلاثاء 18 جمادى الثاني 1436هـ الموافق 7 أبريل 2015م.
وعرض في بداية الأمسية الشاب علي الناصر مقاطع فيديو من انتاجه الفني حول عدة قضايا من بينها فلما حول الناشطة الباكستانية ملالا يوسافزي ذات الثمانية عشر ربيعا، والحاصلة على جائزة نوبل للسلام لجهودها في تعليم الفتيات. وتحدث الشاب علي الناصر البالغ من العمر 16 عاما عن اهتماماته الفنية وسعيه لتوظيفها في المجالات الإنسانية عبر استخدام تقنيات بسيطة وسهلة. كما تحدث أيضا المصور الفوتغرافي فيصل هجول الذي أقام معرضا فنيا في المنتدى عن تجربته في عالم التصوير، التي أنهاها في مجال تصوير الطيور باعتبارها مكون أساسي للطبيعة ولحماية البيئة، وشكل مع مجموعة هواة آخرين مجموعة فنية تهتم بهذه المجالات وجمالاتها.
أدار الندوة رئيس اللجنة المنظمة للمنتدى الأستاذ عيسى العيد الذي افتتح اللقاء بمقدمة تعريفية حول التوحد، وكونه إحدى القضايا الإنسانية المهمة المطروحة في هذا الوقت، بسبب انتشاره، وعدم وجود حلول مناسبة وناجعة لمعالجته حاليا. وقد عرف بالضيف وهو أخصائي التوحد الأستاذ عبد الحكيم يوسف العواس، حاصل على درجة الماجستير بمرتبة الشرف من جامعة الخليج العربي في مجال اضطراب التوحد، ويعمل معلما ومستشارا في هذا المجال لعدة مراكز متخصصة، كما يعد برامج تدريبية، وله إصدارات عديدة في هذا المجال قيد الطباعة.
بدأ المحاضر حديثه بالقول أن اضطراب التوحد هو من النوع الذي كلما توغلنا فيه وجدنا أنفسنا في بحر عميق ولجج كثيرة، بسبب أنه علم لا زال حديثا، وأن سبل العلاج لا تزال مختلف عليها بين عدة مدارس. وبين أن تعريف التوحد ومصطلحاته لا تزال محل اختلاف بين المتخصصين فيطلق عليه الذاتوية، والفصام الطفولي، والإنغلاق على الذات، إلى غيره من المسميات. وأوضح أن مصدر مفردة التوحد هو الكلمة اليونانية (Autizm) أي النفس أو الإنغلاق على الذات. كما شرح أن هناك اختلاف بين المدارس البارزة في هذا المجال وهما الأمريكية والإنجليزية في تعريف التوحد، مختلفين من سن بدء الحالة، وعرفه على أنه اضطراب نمائي لدى الطفل حيث تظهر آثاره في مجالات النمو المختلفة كالنطق والحواس والتواصل الاجتماعي، وتم تصنيف التوحد في عام 1943م بعد اكتشافين متزامنين لعالمين أحدهما أمريكي (كانر) والآخر نمساوي (آسبرجر). وأوضح العواس أم من أبرز الصفات التي تتشكل لدى أطفال التوحد هي القصور الثلاثي وهي قصور في التواصل وفي التخيل وفي العلاقات الاجتماعية، مع اشتراط ظهور هذه الحالات قبل بلوغ عمر ثلاث سنوات.
وقال أن نسبة ظهور حالات التوحد في أمركيا هي واحد لكل 150 شخصا، أما في السعودية فهي واحد لكل 100 شخص. وأشار إلى أنه نتيجة لعدم فهم اسباب التوحد بصورة دقيقة، فإن وسائل العلاج لا تزال تجريبية. وبين المحاضر أن ضعف التواصل لدى أطفال التوحد قد يكون بسيطا، أو متوسط أو شديد، وأن من أعراضه لدى بعض الأطفال تمسكهم بالروتين وعدم حبهم للتغيير، الذي قد يسبب لهم قلقا أو نوبات عصبية، كما أن لديهم تعلق بأمور معينة تعتبر مصدر أمان لهم، وقصور واضح في التخيل. وأوضح أن طفل التوحد لا يفهم تعبيرات الآخرين أو ما يفكرون به، وتتولد لديهم المصاداة أي تكرار الكلمات التي يسمعونها أو عدم فهم الكلمات ومقاصدها، كما أن جهاز النطق غالبا ما يكون لديهم سليما ولكن تحدث مشاكل في توظيفه بسبب عطل في مركز اللغة بالدماغ.
وحول أسباب التوحد، بين المحاضر أن هناك عدة نظريات من بينها النظرية النفسية التي تقول أنه قد يكون بسبب ابتعاد الأم عن ابنها في السنوات الاولى، فكل فرد – حسب هذه النظرية – يمر بمرحلة توحد طبيعي في البدايات ثم يتم التوافق مع الأم حيث يتطلب وجودها معه، وواجهت هذه النظرية معارضة كبيرة من حيث اعتبار المرأة سببا في المشكلة. أما النظرية البيولوجية فترى أن التوحد سببه عضوي كفترات الحمل وفقر الدم الشديد لدى الأم، أو إصابتها ببعض الاضطرابات في فترة الولادة كنقص الأوكسجين التي يتلف بعض خلايا الدماغ لدى الطفل. كما شرح أيضا نظريات المسببات البيوكيمائية، والعصبية، والبيئية.
وعن تشخيص التوحد، طالب الأستاذ العواس بأن يتم التشخيص عبر فريق عمل متكامل يشمل اخصائي سمع ونطق وأخصائي اجتماعي ونفسي وأخصائي توحد، ولا يمكن أن يتم التشخيص من قبل شخص واحد كما يدري حاليا، دون إجراء جراسة تفصيلية كاملة ووافية كما هو متبع في الدول الغربية التي يستغرق تشخيص الحالة فيها في حدود الثلاثة أشهر. وأوضح أن هناك بعض من يستغل التخصص بشكل خاطئ دون الاهتمام الكامل، مما يعني أن المعالجة لن تكون مناسبة للحالة.
وتحدث المحاضر حول الاستراتيجيات العلاجية المتبعة وتنوعها، مشيرا إلى أن الأسلم والأضمن هو استخدام العلاج السلوكي من خلال برامج سلوكية معينة دون عقاقير مهدئة والتي عادة ما تكون لها أعراض جانبية.
وذكر بعض البرامج العلاجية المتبعة والمشهورة كبرنامج (TEACCH) الذي يوفر بيئة تعليمية ميسرة، وبرنامج لوفاس الذي يعتمد على تحليل السلوك التطبيقي للطفل وتدريبه بصورة مكثفة بحوالي 40 ساعة اسبوعيا. وأوضح أن من بين البرامج العلاجية أيضا برنامج التكامل الحسي بين الحواس السبع – وليس الخمس فقط – لدى الطفل. وطالب الأخصائي عبد الحكيم الحواس في نهاية محاضرته بضرورة التوعية لفهم طبيعة هذا الاضطراب السلوكي، وأهمية مساعدة الأسر والمطالبة بحقوق هؤلاء الأطفال من ناحية الدراسة المناسبة ومختلف جوانب حياتهم، مؤكدا أن هناك فرص استثمارية عالية في العمل في هذا المجال، وضرورة تصنيف هذا التخصص في وزارة الصحة كبقية التخصصات العلاجية، ومركزية الجهة التي تتعاطى مع أطفال التوحد بدلا من تعميمها بين جهات التعليم والصحة والتأهيل.
بدأت المداخلات مع الدكتور حسن البريكي بشكره المحاضر على تفكيره المنهجي في الطرح مشيرا إلى أن الطفل لديه آلة لغوية تمر بمرحلة نمو ينبغي أن تنمو وتوظف بصورة سليمة، ومؤكدا على أهمية التشخيص بصورة سليمة، وموضحا نظرية اللدانئية وهي التعويض من خلال تدريب الخلايا المجاورة لمعالجة النقص. أما الأستاذ علي الحرز فقد تساءل عن سبب التسمية بالتوحد، وعن موقع جان بيانجيه بين الأعلام النفسيين في هذا المجال.
وتحدث الأستاذ حسين المعاتيق عن محدودية المراكز المتخصصة للتوحد في المملكة، وأن بعضها مكلف جدا، بحيث لا يتحملها الكثير من المواطنين. وتساءل الأستاذ عبد الجليل هلال عما إذا كان الفحص الطبي قبل الزواج يمكن أن يساهم في التخفيف من حالات التوحد إذا كان السبب وراثيا. كما تساءل الأستاذ مشاري الخالدي عن أي تأثير لمشاهدة الأطفال للتلفاز على فرط الحركة لدى بعضهم.
وفي نهاية اللقاء شكر راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضر والحضور على إثراء هذه الأمسية بالنقاش المثمر حول مشكلة صعبة، مذكرا أن الأسرة تقع عليها مسئولية كبيرة في هذا المجال، وينبغي بث الوعي لدى أفرادها كي يتم التعاون في التعامل المناسب مع أطفال التوحد.
المحاضرة الكاملة: