سعيا منه لتوعية المجتمع ولطرق كافة القضايا الهامة، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف ضمن برنامجه للموسم الثقافي الخامس عشر ندوة صحية تحت عنوان “القطاع الصحي والأخطاء الطبية” وذلك مساء الثلاثاء 19 جمادى الأولى 1436هـ الموافق 10 مارس 2015م، باستضافة مدير عام الشئون الصحية السابق الدكتور أحمد عبدالله العلي.
قبل البدء، تحدث الفنان بشار حسين الشواف عن تجربته الفنية في التشكيليات والجداريات، والتي عرض جزءاً منها في المنتدى، مؤكداً على ضرورة الاهتمام بهذه الفنون الجميلة ونشرها في ثقافة المجتمع. كما ألقت الدكتورة زينب علي المسيري، الحاصلة على المركز الأول في مؤتمر يوم المقيم الثالث، الذي نظمته الهيئة السعودية للتخصصّات الصحية والطبية، حيث عرفت بعرضها الفائز والذي يتعلق بأحد أنواع الأمراض النادر للأطفال.
أدار الندوة رئيس اللجنة المنظمة، الأستاذ عيسى العيد، الذي أفتتح حديثه مؤكدا على أهمية دور المؤسسات الصحية، وضرورة تسليط الضوء على الأخطاء الطبية التي راح ضحيتها بعض المرضى، إضافة إلى الإعاقات الجسمية. وذكر أن صحيفة اليوم نشرت إحصائية للعام الماضي تشير إلى أن هناك أكثر من 2400 قضية قدمت إلى اللجنة الطبية المختصة. وقد عرف مدير الندوة بالدكتور أحمد عبدالله العلي، وهو خريج طب وجراحة من جامعة الملك فيصل عام 1983م واختصاصي في الأشعة التشخيصية من مستشفى جايز بلندن وحاصل على البورد السعودي والأردني، وعمل مديرا عاما للشئون الصحية بالمنطقة الشرقية سابقا، ومديرا عاما لمجموعة عناية للرعاية الطبية، كما يدير مكتب العلي للاستشارات الصحية، وله عضويات عديدة في منها اللجنة الصحية بالغرفة التجارية بالشرقية والمجلس الاستشاري للخدمات الصحية بصحة الشرقية وعضو المجلس الاستشاري لكلية التمريض بجامعة الدمام.
أنطلق الدكتور أحمد العلي في حديثه حول المسؤولية الإنسانية التي يحملها الطبيب دون غيره، مشددا على أن التعامل مع جسد الإنسان وتحديد العلاج المناسب والإرشادات السليمة يتطلب إخلاصا في العمل واجتهادا في البحث والدراسة من أجل الوصول إلى نتائجً صحيحة. وأكد على أن ذلك كله مدعاة للالتزام الجاد بتطبيق الأصول الطبية العلمية أثناء دراسة أو معالجة الحالات المرضية، حيث أن الاهمال أو التهاون بمثل هذه القضايا المصيرية للإنسان يؤدي إلى أخطاء فادحة قد تكلف الإنسان حياته. وأوضح الدكتور العلي أن إجمالي عدد القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية بلغت 2413 قضية تحت الدراسة، والمستجدة بعام 1434هـ هي 1069قضية، وحصيلة المنطقة الشرقية منها 156 قضية والمستجدة 184 قضية.
وعن إجمالي قضايا الوفيات بالمملكة، أوضح العلي أنها بلغت 320 حالة مدان منها 167، وللشرقية 15 قضية إدانة وفاة. وقدر عدد جلسات المحكمة الطبية 164 جلسة أي بمعدل جلستين لكل قضية، وأعتبر الأرقام المحلية أقل مقارنة بالإحصائيات العالمية لوفيات الأخطاء الطبية. ودعا الدكتور أحمد العلي إلى ضرورة دراسة الأخطاء الطبية النادرة والشائعة الحدوث للاستفادة العملية منها في المجال الصحي، عبر تطوير الأنظمة الطبية كي تتماشى مع القواعد العالمية المعروفة بحيث تضمن للفريق الطبي عدم ارتكاب هذه الأخطاء وتحد من تكرارها، وذلك لحماية الكوادر الصحية و سلامة المرضى في آن واحد. وشدد على أن مسؤولية الخطأ الطبي تلقى كاملة على الطبيب لو كان الخطأ متعمدا، أو ناتج عن إهمال ، أو الجهل بالمحددات والصلاحيات المتاحة للطبيب ذاته، أوعدم حصوله على رخصة طبية من الجهات المسؤولة، أو التصرف المتسرع من دون أخذ موافقة ولي الأمر أو المريض نفسه، وفي حالات أخرى يكون ذلك نتيجة امتناعه عن القيام بواجبه ومسؤوليته الملزمة لعلاج المرضى.
وفي هذا السياق، أشار إلى أهمية توفير البيئة الصحية المناسبة في مؤسسات الصحة الحكومية والخاصة، بتوفير سبل الراحة والأمان الصحي للمريض، واستخدام وسائل التقنية الحديثة للتأكد من هوية المريض قبل إجراء العملية، والحال ذاته في نقل الدم وكتابة الوصفات الطبية، وذلك حماية للمرضى وتقليلا من تفشي العدوى المرضية في الأوساط الصحية. وعن عضويته في الهيئة الطبية الشرعية، ذكر الدكتور العلي أن أكثر القضايا التي تعرض على الهيئة تتعلق بالنساء والولادة بسبب الحالات التي تنتج من استخدام نظام الشفط عند الولادة بالذات في الاماكن النائية التي لا يمكن اجراء عمليات قيصرية فيها، مما قد ينتج كسورا وأضرارا في رؤوس الأطفال. وذكر أن نسبة الإدانة في القضايا المعروضة على الهيئة بلغت حوالي 15%، وأشار إلى أن بعض مسببات الأخطاء الطبية تشمل التشابه في الأسماء، أو عدم دقة التشخيص، وقيام بعض المرضى باستخدام أسماء أشخاص آخرين للحصول على علاج مجاني.
كما تناول الدكتور أحمد العلي في حديثه موضوع ثقافة الإفصاح عن الأخطاء الطبية، مستعرضا تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، وأعتبر الإفصاح يشكل حماية للطاقم الطبي، واحتراما لحقوق المريض كإنسان مما يدعوه إلى مزيد من التفهم والتسامح في حال وقوع الخطأ الطبي، كما أن الإفصاح يساهم في إظهار الحقائق قبل تشويهها من قبل وسائل الإعلام. وأكد على دور الإدارات الصحية في تشجيع ونشر هذه الثقافة، كنوع من الرقابة الذاتية، مطالبا بالعمل على إزالة اسباب عدم انتشار هذه الثقافة في الأوساط الطبية المحلية. وعن وسائل الإعلام، أعتبر الدكتور العلي أنها سلاح ذو حدين، فهي تساهم إيجابيا في العمل على سرعة اتخاذ الإجراءات القانونية، خاصة عند تكرار الخطأ دون تفاعل جيد من الجهة الطبية والرقابية، وقد يكون لها تأثير سلبي لو اعتمد الخبر أسلوب الإثارة والتأجيج والإرباك والتخويف بدلا من التحقيق والتحري والبحث.
وفصل الدكتور العلي طريقة التعامل أثناء الشك بوجود خطأ علاجي، بطلب مقابلة للطبيب المسؤول لشرح الحالة وأسباب تدهورها والاستماع للإجابة، ثم استشارة طبيب آخر في حين عدم الاقتناع؛ ومواجهة إدارة المستشفى بالتشخيص، وفي حال عدم تجاوبها فيمكن تقديم خطاب شكوى لإدارة الشئون الصحية بالمنطقة محددا بأسماء المدعى عليهم وليس العموم.
وبعد ذلك، قدمت مداخلات عديدة، فقد أشارت الأستاذة غدير منصور جواد إلى ضرورة التحول من اعتماد النظام الورقي إلى الإلكتروني الحديث لتقديم معلومات إضافية حول المريض للطبيب من أجل تقليل احتمالات الخطأ، مؤكدة على أن معظم الأخطاء بسبب الوصفات الطبية الخاطئة. وعلق الأستاذ صالح عُمير بأن كثيرا من الأمراض شاعت بعد حرب الخليج خاصة السرطان، لكن الدكتور العلي رد بعدم ثبات ذلك علميا. وفرّق الدكتور محمد حجاب، المدير الطبي لمستشفى المواساة بالقطيف، الفرق بين الخطأ الطبي والمضاعفات المقبولة المتعارف عليها عالميا، وأن هناك مشكلة ثقة بين المجتمع والأطباء بشكل عام، وأن الإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة لنشره دون معرفة جيدة.
ورأى الدكتور شكري القديحي أن هناك ضعفا في شرح الأطباء لحالات المرضى أنفسهم، وفي عمل الاجتماع الأسري لتوضيح الحالة للأسرة. وطالب البروفوسور عبد الرحمن الحماد بنشر الوعي وثقافة الحقوق للمطالبة بها، وضرورة تصفية القضايا المرفوعة للمحكمة حول الأخطاء الطبية. وقال الأستاذ زكي البحارنة أن ثقافة الإفصاح عن الأخطاء الطبية مرتبطة بعلاقة مباشرة مع ادارة المستشفى عندما تعي أهمية هذه الأبعاد وذلك بتفعيل مجالس ادارة للمستشفيات. كما ألتفت الأستاذ عبدالله شهاب إلى قضية الابتزاز من قبل ذوي المتوفي والديات المبالغ فيها أحيانا، وأشارت الأستاذة هدى القصاب إلى استغلال بعض المستشفيات والتبريرات الواهية التي يستخدمونها بلا محاسبة جادة للمتسببين مما يدل على تهاون لقيمة المواطن.
كما تحدثت الأستاذة زينة علي، عن الأخطاء الطبية في حالات الطوارئ الحرجة. وفي الختام، شكرت إدارة المنتدى الدكتور أحمد العلي، على إثرائه وحديثه الواضح والصريح عن إدارة الأزمات الناتجة عن الأخطاء الطبية، وكيفية متابعتها رسميا وقانونيا لضمان حماية المؤسسة الصحية وحفاظا على حق المواطنين.
المحاضرة الكاملة: