سعيا منه لتوعية المجتمع وللحد من الجرائم الأخلاقية، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف ضمن برنامجه للموسم الثقافي الخامس عشر ندوة خاصة تحت عنوان “قضايا التحرش والابتزاز: المسببات، الأساليب والعلاج” وذلك مساء الثلاثاء 7 ربيع الثاني 1436هـ الموافق 27 يناير 2015م. وبدأت الأمسية بكلمة للفنانة ندى العوامي التي استعرضت فيها تجربتها في الفن التشكيلي طوال السنوات الماضية ومشاركاتها في العديد من المعارض والفعاليات داخل وخارج المملكة، حيث أقامت معرضا فنيا صاحب الندوة، عرضت فيه مختارات من أبرز أعمالها الفنية. كما عرض فلم تثقيفي قصير حول قضية التحرش في المملكة .
أدار الندوة عضو اللجنة المنظمة للمنتدى الأستاذ موسى الهاشم، والذي افتتحها بحديث حول تعريف التحرش والابتزاز، موردا احصائيات عديدة عن قضايا التحرش والابتزاز في المملكة تم اعلانها من وزارة الداخلية وأحد هذه التقارير يفيد بأن هناك ارتفاعا ملحوظا في قضايا التحرش حيث ارتفعت من 1031 حالة عام 1426هـ إلى 3253 حالة في عام 1427هـ. وعرف مدير الندوة بالضيوف الثلاثة المشاركين فيها، فالأستاذ مصدق الخميس خريج جامعة الملك سعود ويعمل أخصائي نفسي في العيادة النفسية بمستشفى القطيف وعضو في العديد من الجمعيات الأهلية وله مشاركات عديدة في المهرجات والاستشارات. والأستاذ نضال المسيري حاصل على درجة البكالوريوس من كلية التربية بجامعة الملك فيصل بالأحساء، ومهتم بأمن المعلومات وصيانة الحاسبات والشبكات، وهو مدرب بمركز قرطبة للحاسب الآلي وألف العديد من المؤلفات في هذا المجال. أما المحامي طه الحاجي فهو حاصل على درجة الماجستير في الحقوق من جامعة القاهرة عام 2010م، وبكالويوس انظمة من جامعة الملك عبد العزيز وعمل موظفا حكوميا في الشئون القانونية كباحث قانوني.
تناول الأستاذ مصدق الخميس في البداية أشكال الاعتداءات والتحرش على الأفراد، مستعرضا أبرز أسباب التحرش الجنسي التي من بينها تدني وسوء التربية في الأسرة، استيراد عادات وتقاليد وأخلاقيات سيئة من مجتمعات أخرى، التطور الإعلامي والتكنولوجي، انتشار حالات الانحراف الجنسي والشذوذ، تدني مستوى المعيشة المالي مما يمنع الكثير من الشبان من الزواج لعدم امتلاكهم القدرة المالية، الثقة الزائدة بالأقرباء والأهل المعتبرين من المحارم وتأمينهم بشكل مفرط على الأولاد وغالبا يكون المقربون هم الأكثر تحرشا بالأطفال، وإهمال الأهل للتربية الجنسية للطفل. أما عن نتائج التحرش، فأوضح الخميس أن من أبرزها اختلاف سلوك المعتدى عليه، واحتمالية تكرار ممارسة التحرش ليصل للإغتصاب أحيانا، شعور المعتدى عليه بعقدة النقص، اللجوء للإنطواء على الذات وحب العزلة، الخوف والرهبة من الآخرين، كما قد ينتج عن ذلك أمراضا نفسيا لدى المعتدى عليه كالشذووذ الجنسي وغيره.
وحول سبل العلاج أشار المحاضر إلى ضرورة اعتماد مناهج التربية السليمة وعدم زرع الخوف من الأهل، والتعامل بعقل مع أي مصارحة أو أخبار لأن ردة الفعل العنيفة من الأهل والعقاب أو التوعد به قد يدفع لكتمان الأمور عنهم مستقبلا، التوعية الجنسية لأفراد المجتمع، تقوية شخصية الأفراد وزرع الثقة فيهم، المراقبة التامة للأبناء وعدم إهمالهم دون مراقبة. وأنهى حديثه بتناول موضوع طرق الوقاية من التحرش مشيرا إلى الاشباع العطفي للأبناء والبنات في محيط الأسرة، والتعامل المتزن مع الأبناء دون تضخيم لأخطائهم، وملاحظة أية تغيرات سلوكية لدى الأبناء، والانفتاح مع الأبناء في الحديث حول بعض القضايا التي تبدو حرجة لهم.
بعد ذلك تحدث الأستاذ نضال المسيري عن استخدام وسائل التقنية الحديثة في الابتزاز والتحرش حيث استعرض وبصورة مفصلة أساليب عديدة تعتمد على استخدام التقنية والأجهزة الذكية في الابتزاز. وبدأ بتعريف الابتزاز على أنه محاولة الحصول على مكاسب مادية او معنوية عن طريق الإكراه من شخص أو أشخاص أو حتى مؤسسات، ويكون ذلك الإكراه بالتهديد بفضح سر من أسرار المبتز. أما التحرش الالكتروني فقد عرفه على أنه استخدام وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف الجوال وشبكة المعلومات (الانترنت) في التواصل مع المرأة أو الأطفال بصورة غير شرعية بقصد الإضرار بها جنسيا وابتزازها اجتماعيا. واستعرض بعدها نماذج من الابتزاز الالكتروني من بينها الابتزاز عبر الفيسبوك وبرامج المحادثة كسكايب ومواقع الزواج والتعارف وقنوات الدردشة وعبر الأرقام الهاتفية الدولية، مشيرا إلى ن هناك عصابات دولية تعمل على اصطياد شخصيات معروفة وايقاعها بهدف ممارسة الابتزاز عليها.
وبين أن هناك دراسة حديثة اصدرتها وحدة استطلاع الرأي بمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وأفادت أن من أبرز أسباب انتشار التحرش في المجتمع السعودي هو ضعف الوازع الديني وعدو تطبيق اجراءات رادعة بحق المتحرشين. وبين الأستاذ المسيري أن من مواطن الضعف في وسائل التواصل الحديثة، برامج الجوال والأجهزة الذكية التي يمكن اختراقها، واعدادات الهاتف الجوال واجهزة الكمبيوتر التي يمكن الوصول لمحتوياتها، وامكانية استعادة محتويات ووسائل التخزين المختلفة، والتساهل في الحماية الأمنية للأجهزة. وذكر نماذج من اشكال الاختراق والتتبع في بعض البرامج كالواتس اب، والتخزين السحابي، وبرامج تبادل الصور. وأنهى حديثه بذكر مجموعة توصيات للحماية من بينها الحذر في تبادل المعلومات والتأكد من سلامتها قبل إرسالها لأحد، وعدم تبادل معلومات شخصية وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدام كلمات مرور قوية، وعدم وضع معلومات شخصية كثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي.
تحدث بعده المحامي الأستاذ طه الحاجي ذاكرا أن جرائم الابتزاز والتحرش أصبحت ظاهرة في مجتمعنا، وتزايدت مع الثورة الالكترونية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، لذا فقد استشعر المشرع هذه الخطر وحاول ان يجاري تنامي تلك الظاهرة بسن مجموعة من الأنظمة التي تكافحه لتكون رادعة. وبسبب بطئ اجراءات اصدار الأنظمة، وبسبب خطورة هذه الجرائم على المجتمع حاول المشرع ايجاد حلول مؤقتة الى ان تسن قوانين خاصة بها. وبين الحاجي أن هناك مواد متناثرة لمكافحة هذه الجرائم، بالإضافة الى انها تخضع في كل الاحوال تحت طائلة العقوبات التعزيرية فنظام الجرائم المعلوماتية ونظام الحماية من الايذاء ونظام حماية الطفل نصوا على عقوبات بهذا الخصوص.
فالمادة (3) من نظام الجرائم المعلوماتية تنص على أنه “يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمائة الف ريال او باحدى العقوبتين كل من يرتكب الجرائم التالية، ومنها الدخول غير المشروع لتهديد شخص او ابتزازه لحمله على القيام بفعل او الامتناع عنه ولو كان القيام بهذا الفعل او الامتناع عنه من الاعمال مشروعا. أما المادة (1) من نظام الحماية من الإيذاء فتعرف الإيذاء على أنه كل شكل من اشكال الاستغلال او اساءة المعاملة الجسدية او النفسية او الجنسية او التهديد بها يرتكبه شخص تجاه اخر متجاوزا حدود ما له من سلطة او مسؤولية او بسبب ما يربطهما من علاقة اسرية او ولاية او اعالة او كفاله او تبعية. وتنص المادة (3) من نظام حماية الطفل على أنه يعد اهمال واساءة للطفل تعرضه لحالات منها وجوده في بيئة قد يتعرض فيها لسوء معاملة والتحرش به جنسيا واستغلاله اقتصاديا. وأضاف أن المشرع أضاف جريمة الابتزاز الى الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف في القرار الاخير بعد التعديل حيث لم تكن موجودة سابقا، وهذا ما يؤكد الحاجة إلى إصدار نظام خاص بالتحرش والابتزاز محددا المصطلحات حيث ينبغي أن يعرفه تحديدا فهل هو مجرد المعاكسات الكلامية او أن الإشارة تدخل ضمن التحرش، وما هو الفرق بين التحرش والاعتداء؟.
كما ينبغي أن يوضح النظام انواع التحرش ويحدد العقوبات لكل نوع، اي ان تكون هنال عقوبات محددة لكل نوع لكي نبعد عن العقوبات التعزيرية التي تسبب تباين في العقوبات من حالة لاخرى لانها تعتمد على تقدير القاضي لكل حالة. وأورد الحاجي في كلمته احصائيات مهمة حول التحرش، فقد بلغ عدد قضايا التحرش في المملكة 2797 قضية خلال عام، احتل فيها السعوديون مرتبة الصدارة في تهم التحرش بنسبة 59.9%، وهو ما يعادل 1669 قضية، فيما شكل غير السعوديين نسبة 39.9% (1128 قضية). كما تحدث المحامي طه الحاجي في نهاية حديثه عن اجراءات التبليغ وتقديم الشكوى، الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف .
بدأت المداخلات بسؤال من الدكتور محمد السبيعي حول العوامل النفسية داخل الاسرة وفي المجتمع التي تؤدي إلى انتشار حالات التحرش، وكذلك عن دورها في التأثير على حجم الابتزاز والتحرش. أما الأستاذ صالح العمير فقد رأى ان الابتزاز قد يجعل الفرد الذي يقع عليه الابتزاز ضابطا في سلوكه وتصرفاته. وطرح الأستاذ علي البديوي عدة ملاحظات حول بوادر من يمارس الابتزاز والتحرش، موضحا أن القوانين الجلية لا تزال غير مطبقة مما يعني التأخر في الحل. وأكدت الأستاذة حوراء الصفار أن الاجهزة الرسمية مطلوب منها حماية خصوصية الأفراد، موضحة أن التبرج لا يمكن أن يكون مبررا للتحرش ففي دول اخرى يوجد تبرج اكثر ومع ذلك فلا تجد هذه الأعداد من قضايا وحالات التحرش.
أما الأستاذة أمل الدار فقالت أن من أبرز التحديات هي عدم وضوح القوانين وعدم وجود لائحة تنظيمية شاملة، مبينة أن هناك مبادرة بين هيئة الاتصالات مع وزارة التربية والتعليم حول حماية الخصوصية على مستوى المملكة. وأشارت الأستاذة فضيلة الفضل إلى أهمية دور الأهل الذي قد يكون سلبيا أحيانا مما يسبب في تعقيد المشكلة بسبب عدم التفهم، وأن الفتيات يتهاون بوضع الصور الخاصة في اجهزة الجوال.
وتطرق الشيخ محمد العمير إلى ضحالة الذكاء العاطفي داخل الاسرة الذي قد يضطر أفرادها إلى محاولة الاستعاضة عنها بأساليب أخرى، وهو ما أكده أيضا الأستاذ حسين العلق حول أن الكبت والتشدد هو من يجعل حالات التحرش والابتزاز منتشرة في المجتمع اكثر من المجتمعات الاخرى، وأن غياب الثقافة الجنسية يعتبرعاملا مدمرا.
المحاضرة الكاملة: